أشتغلت كمسارى فحبسونى 3 ايام! من مقابلة مع محمد التابعى - نشرت فى أخر ساعة يوليو 1974 ------------------------------------------------------------------------- أنا متكبر؟ والله العظيم مظلوم، فانا لست متكبرا، و كل ما فى الأمر أننى أنسان منظم، وأحترم الدقة فى المواعيد، فأذا أتفقت معك على موعد فى السادسة مساء مثلا،فثق أننى سأكون عندك فى السا دسة تماما، و ليس قبلها بدقيقة و لا بعدها بدقيقة. و لكن البعض يعتبر حرصى الشديد هذا نوعا من الكبرياء أو التعالى، فى حين أننى أنسان خجول جدا، و لكم عانيت فى حياتى من فرط الخجل و خصوصا أمام الجنس اللطيف. انا لا استطيع ان انظر إلى عينى أمراة، و لم يحدث فى حياتى أننى اعترضت سبيل أحداهن كما يفعل الشباب الغض، و لم أكن يوما "مبصبصاتى"،.......و لم أبدأفتاة بالغزل.. صحيح أن كثيرات منهم تهافتن على ، و لست أنكر أن خطى التليفون عندى لآ تكاد تهدأ لهما حركة و هما يحملان لى أحاديثهن الناعمة، لكنى أقسم لك أننى لم اكن البادىء فى كل هذه "الشقاوات".... و اذا شئت أن أحدثك عن حياتى، فقد عشتها بالطول و العرضكما يقولون، جربت كل شىء، فعلت كل ما يحلو لى..غامرت..عرفت الحلو والمر.. الفقر والمال، و أصبحت ازن كل ما يمر بى من أحداث الحياة بميزان دقبق..أدق من ميزان الجواهرجى.. ******** ولدت عام 1903، و كان أهلى يقضون المصيف وقتئذ بمصيف "الجميل" على شاطىء بحيرة المنزلة..لا انا من اهل السواحل مولدا فقط أما أسرتى فمن المنصورة. اطلقوا على أسم "محمد التابعى" تبركا بأسم "الشيخ التابعى"، كرم الله وجهه و التابعى ليس اسم اسرتنا، فأسمى الصلى هو "محمد التابعى محمد وهبة" و قد أختصرته الى محمد التابعى. أما لقب عائلتنا فهو "وهبة" و سمى به شقيقى الوحيد "حسين وهبة". كنت رابع اخوتى و أول الذكور..فقد جئت بعد فاطمة و ‘عائشة و زينب و جاء بعدى شقيقى حسين.. و كان والدنا مهندسا، يعمل مديرا لأحد الدوائر و قد تركنى رحمه الله فى السابعة من عمرى..و خلف لى تركة كبيرة من البراجل والمساطر و الأقلام و الأوراق. و فى الحارة قضيت طفولتى العب حافيا، و أمسك بيدى سيفا من الصفيح و درعا و خوذة كلفنى صنعها قرشين كاملين، و تفننت فى مبارزة الفريق زير سالم، بينما كان فريقى هو الزناتى خليفة..و طبعا كنت انا الزناتى خليفة الذى ينتصر فى كل مرة و ذلك بالحداقة و التفنن فى المقالب. التحقتبعد ذلك بالمدرسة الميرية الأبتدائية و كنت فى نحو السابعة، و كنان المرسون يتفننون فى نصحى بالأقلاع عن المشاغبة بلا طائل... و فى الصيف كانت والدتى لا تتحمل الضجة التى أثيرها، فكانت ترسلنى الى مدرسة صيفية ، و تنفحنى بقرش صاغ قبل خروجى. و لكننى لم أكن أذهب الى تلك المدرسة أبدا، بل كنت اذهب الى مكتبة فى سوق الخواجات يمتلكها الشيخ سعيد حلقة.. و اعطيه القرش كله، فيأتينى بقعد أجلس عليه و أبدا بالقراءة.. كنت أختار قصص سيف بن ذى يزن و ألف ليلة و ليلة و حمزة البهلوان. كل تلك القصص قرأتها قبل أن ابلغ الحادية عشر من عمرى، و كنت أعود الى البيت فى موعد انصراف المرسة، حاملا حقيبتىمتظاهرا بالأرهاق من الدرس. حتى كان يوم بعثت فيه المرسة خطاباالى أمى يفيد اننى تخلفت عن الحضور فترة طويلة. و زاد الطين بلة ان فتشت والدتى حقيبة كتبى و عثرت فيها على مجموعة كبيرة من القصص و الكتب التى كنت أشتريتها بمصروفى و فى ذلك اليوم منيت بعلقة ما زلت اذكرها. وحصلت على الشهادة الأبتدائية بتفوق، و جئت الى القاهرة..و التحقت بالمرسة السعيدية الثانوية، و كنت لا أزال أرتدى البنطلون القصير.. و زاملنى هناك صديق عمرى فكرى أباظة. و كان ناظر المدرسة انجليزيا أسمه شارمن وكان وكيلها هو عبد الفتاح صبرى، و من فرط شقاوتى لم يتحملنى التاظر و الوكيل، فقررا أبعادى عن المدرسة. و اذكر ان أخر حوادث "الشقاوة" التى أبعدت على اثرها أن شركة الترام كانت تحضر قاطرتين خاصتين للطلبة ساعة انصرافهم من المرسة. و كنت أركب مع الطلبة. و كان الكمسارى "يقطع" تذاكر للجميع. و فى يوم من أيام أخر الشهر , و الحالة المالية متأزمة لدى الطلبة جميعا.. تطوعت من نفسى أن اختطف حقيبة الكمسارى، و "قطعت" للطلبة جميعا تذاكر مجانية. و أبلغت شركة الترام المرسة بما حدث، فكان نيبى الحبس ثلاثة أيام بزنزانة المدرسة، و الشكر العميق المشفوع بتمنيات طيبة من زملائى الذين رحمتهممن نصف القرش الذى كان يجب ان يدفعوه فى ذلك اليوم. على أثر ذلك تقرر أرسالى الى مدرسة العباسية الثانوية الداخلية فى حى محرم بك بالأسكندرية. و هناك علمتنى المدرسة الداخلية المحافظة على النظام والطاعة التامة، و بدأت انتبه لدروسى، و كنت أول فرقتى رغم أنخفاض الدرجة المخصصة للسلوك. و بقدر مقدرتى فى الغة العربية كنت ضعيفا فى اللغة الأنجليزية . و كان مرس الأنجليزى "مستر كروسبى" يكتب لى على موضوعات الأنشاء "زيرو معظم"، و بجوارها ينعتنى بنعوت أقلها "حمار". و لما كنت ممتازا فى كل المواد الأخرى، فقد عولت على أن أقوى نفسى فى اللغة الأنجليزية..و نفذت تصميمى، فكنت أشترى فى يومى الخميس و الجمعة المخصصين لنزهة الطلبة، مجلة انجليزية أسمها "تيت بيتس" (Tit Bits)و أمضى اليوم كلها فى محاولة قرأئتها و تفهم معانى الموضوعات التى تحتويها.. و شيئل فشيئا بدأت اطالعها بسهولة و أنتقلت منها الى مجموعة من الروايات الأنجليزية. و فى نهاية العام كان مستر كروسبى يكتب لى على موضوعات الأنشاء 10 على 10 و يضيف اليها "أنت ممتاز"، و بعدها أصبحت حجة بين الطلبة فى الأنجليزية. و حصلت علىالبكلوريا من العباسية الثانوية بالأسكندرية و عدت الى القاهرة، و ألتحقت بكلية الحقوق، و زاملنى فيها شريف صبرى، لكننى لم أكن صديقه لأنه كان أبن ذوات و كنت أنا من عامة الطلبة. كانت الحقوق على أيامنا غير ذه الأيام، بل الجامعة كلها بوجه عام، فقد كان الطالب منا عندما يرى أستاذه فى مكان يسرع بمغادرة الكان تأدبا. و كان من بين اساتذتنافى ذلك الوقت أستاذان يحبان السهر، هما الدكتور حسن نشأت و استاذ أسكتلندى أسمه "ملفيل". كنا نصادفهما احيانا فى أحد مسارح عماد الدين فنسارع بالهرب قبل أن يرونا. و أذا وجدنا انفسنا أمامهما وجها لوجه، كنا نصافحهما بأدب و احترام، و نترك المكان لهما بدافع من الحياء و الأحترام. أما الأن فأن طلبة الجامعة عندما يرون أستاذا لهم فى مكان عام..................... (ونكمل بقية الكلام وواضح أن المقابلة كانت على عدة مراحل مش مقابلة واحدة) يقول التابعى: أما الأن فأن طلبة الجامعة عندما يرون أستاذا لهم فى مكان عام يتبادلون معه السجائر ثم يعزمون على بعضهم بالويسكى! اما ليالينا فى شارع عماد الدين فقد كنا نقضيها جماعة،و كانت الجماعة تتألف من أربعة أصدقاء: أنا و فكرى أباظة و الرحوم الكتور محمود حافظ و على شريف مسعود. كانت سهرتنا يوم الخميس من كل اسبوع، و كان كل واحد منا مطالبا بأن ينفق على السهر مرة فى الشهر، و كانت السهرة تكلفنا جنيها كاملا، نتعشى منه ثم نذهب الى أحد المسارح، و فى أخر الليل نسرع الى ميدان الخازندار حيث نشترى أربعة حمير تحملنا الى بيوتنا. و فى عام 1921 عولت على أن أستغل قوتى فى اللغة الأنجليزية لخير الوطن، فكتبت الى رئيس "الديلى ميل" أشكو أليه إهمال الموظفين الأنجليز الذين يستنزفون أموال الدولة، و لا يقومون بلا أى عمل. و لم يكن لدى أى أمل فى نشر الخطاب أو العناية به، و لكم دهشت عندم نشر الخطاب فى مكان بارز و علق عايه، و أخذت أبعث الرسائل تباعا، أشكو فيها أستبداد الأنجليز فى مصر، و أصرارهم على تخصيص أحد الأنية و هو " نادى التيرف" لهم وحدهم، فى حين حرموا دخوله على المصريين، كما تناولتفى رسالتى تالك هجومهم على المصريين، و أحتكارهم لوظائف الدولة الهامة، و كانت كل رسائلى تنشر تباعا. ثم حدثت ظروف عائلية خاصة، أنقطعت بسببها عن الكلية و التحقت بوظيفة فى مصلحة التوين مرتبها 20 جنيها شهريا، ثم تفرغت ثلاثة شهور سافرت خلالها الى المنصورة للدراسة. و تقدت للأمتحان فى الليسانس، و كنت الأول على القسم النظامى و الخارحى. و بعد أن حصلت على الليسانس، عينونى موظفا بجلس النواب بمرتب 12 جنيها فقط. و فى ذلك الوقت كان الزعيم سعد زغلول قد توفى. و عين مصطفى النحاس رئيسا لحزب الوفد.. ثم تكونت وزارة أئتلافية من الوفد و الأحرار الدستوريين، و تولى مصطفى النحاس رئاسة مجاس النواب و عبد الخاق ثروت رئاسة الوزراء. و كنت فى ذلك الوقت بدأت أكتب فى "روز اليوسف" و بدأت أهاجم عبد الخالق ثروت فى مقالاتى هجوما عنيفا، و لم أكن أوقع بأسمى على تلك المقالات. و ذات يوم صدرت جريدة السياسة لسان حال الأحرار الدستوريين و كان رئي تحريرها هو المرحوم محمد حسين هيكل، و فيها كلمة على رأس عامود عنوانها " عجيبة" أبدى فيها دهشته من أن تبلغ الجراة بموظف يتناول راتبا من خزانة الدولة أن يهاجم رئيس الوزراء ، ثم يترك بلا عقاب، و على أثر هذا المقال أستدعتنى النيابة للتحقيق ، ثم قدمت شكوى لتأديبى من الناحية الوظيفية. و كان المكتب الذى حوكمت أمامه مؤلفا من الوفديين و الحرار الدستوريين، و لكن الغالبية كانت من الوفديين ، و لذلك أنتهى التحقيق ببرائتى، بل حدث ما هو أغرب من هذا، فقد استدعانى فخرى عبد النور و هو من رؤساء المكتب ، و سالنى عن راتبى، و لما علم أنه 12 جنيها ثار و قال: -أزاى خريج الحقوق بأخذ 12 جنيها، يرفع مرتبه الى عشرين جنيها حالا. و كانت نتيجة الشكوى التى قصد بها ايذائى، هى زيادة مرتبى ثمانية جنيهات. أسست يومها بالخجل من أننى اكتب متخفيافقدمت استقالتى من الوظيفة.. و احترفت الصحافة بعد أن كانت هواية و كان ذلك عام 1928.... و قصتى مع الصحافة تبدأ منذ عام 1925 عندما كنت موظفا فى مجلس النواب، و كنت اصطاف على شاطىء "جليم" بالأسكنرية مع احد أصدقائى، و كانت المرحومة روز اليوسف و زوجها الأستاذ زكى طليمات من أعز الأصدقاء على نفسى...و كانت روز اليوسف تمثل "بريمادونا" بمسرح رمسيس وقتئذ. و ما زال للحديث بقية يكمل محمد التابعى فيقول: و قصتى مع الصحافة تبدأ منذ عام 1925 عندما كنت موظفا فى مجلس النواب، و كنت اصطاف على شاطىء "جليم" بالأسكنرية مع احد أصدقائى، و كانت المرحومة روز اليوسف و زوجها الأستاذ زكى طليمات من أعز الأصدقاء على نفسى...و كانت روز اليوسف تمثل "بريمادونا" بمسرح رمسيس وقتئذ. و أتصلت بى رحمها الله تليفونيا و سألتنى عن موعد عودتى الى القاهرة، و لما سألتها عن السبب فاجأتنى بأنها تنوى إصدار مجلة أسمها "روز اليوسف".. و كان مفروضا أن تكون المجلة ثقافية أدبية، تعتمد على القصة و الشعر و الفن/ و أن يكون رئيس تحريرها زكى طليمات، و أكون انا مسئول عن باب النقد المسرحى بالأضافة إلى مقال أخر أقدمه كل اسبوع. و صدر العدد الأول من المجلة فى 20 أكتوبر 1925، ثم صدر العدد الثانى و الثالث، و سافر زكى طليمات بعد ذللك الى باريس فى أول بعثة لدراسة الفنون المسرحية، و أصبحت أنا المسئول الوحيد عن المجلة. لكن اللون الذى كانت تعالجه الجلة لم يلق رواجا ، فكنا نطبع ألفى نسخة، فيباع منها نسخة و الباقى "مرتجع" فأقترحت روز اليوسف أن نحولها الى مجلة سياسية. و كان لابد أن تشتمل المجلة على صفحتين سياستين، و منا "نشحت" هاتين الصفحتين كل أسبوع من أحد الكتاب، فأسبوع من رمزى نظيم و أسبوع أخر من عند المجيد حلمى. و فى ذات يوم فوجئنا بجريدة سياسية تهاجمنا قائلة أن مجلة روز اليوسف نقلت عنها عمودين سياسيين دون إسئذان، و ثارت روز، و سألنا المسئول عن الصفحتين فقال أن احدا لم يرض أن يكتب فى ذلك الأسبوع ، فلجا الى تللك الوسيلة. و منذ ذلك اليوم بدأت أقرأ الصحف اليومية و ادرس الموقف السياسى، و بدأت أكتب فى السياسة.· و بقيت فى روز اليوسف حتى عام 1934، ثم اخرجت مجلة" اخر ساعة" فى يوليو 1934، و كنت أباشر كل شى فى المجلة بنفسى كما كنت أفعل من قبل فى "روز اليوسف". و فى عام 1946 رأيت أن اغير حجم "أخر ساعة " الى حجمها الحالى، و عينت لها مراسلينبباريس و لندن، و كان يعمل معى فيها مصطفى و على أمين، و لما زادت وطأة العمل على اصبت بأنهيار عصبى و ألتهاب فى المرارة، و نصحنى الطبيب بضرورة قضاء ثلاثة شهور فى راحة تامة. حاولت أن انيب من يحل مكانى فى غيابى، و لكن احدا لم يستطع أن يتحمل العبء الكبير، فتركت المجلة لمصطفى و على أمين، و سافرت بعد ذلك الى لبنان و سوريا و تركيا و أوروبا ، و مكثت خارج القطر ثلاثة عشر شهرا. و كانت امنيتى بعد العودة أن أقتصر على الكتابة، دون أن اتحمل مسئولية كبيرة.. أكتب متى أشاء ، و عمن أشاء.. و عندما عدت حررت نفسى من الحزبية الوفدية، و اشتغلت بأخبار اليوم، و تحققت لى امنيتى من أن أكون كاتبا. بقى أن احثكم عن حياتى الشخصية، و الدور الذى لعبه الحب فى حياتى. فقد كانت تجربتى الأولى مع بنت الجيرانمن المنصورة، كنت انظر غليها من الشبك، و عندما تلتقى نظراتنا أبتعد عنها بسرعة، و يغمرنى الخجل الشديد. و ما زالت هذه السعادة تلازمنى حتى الأن. و بعدها مرت فى حياتى كثيرات، حتى مللت حياة العزوبية و احسست بالوحدة و قررت أن أتزوج. و فى عام 1950 كنت اصطاف بشاطىء "سان استيفانو"، و هناك شاهدت زوجتى التى أعيش معها أسعد أيام حياتى، و قد أنجبت لى ولدى الأكبر محمد التابعى أو "كوكى" كما أدلله و كريمتى "شريفة". و من عيوبى أننى مسرف متلاف.. و مع هذا يقول الناس عنى اننى أقتنى ثروة، و هذا صحيح، مع فارق بسيط و هو أن هذه الثروة ديون و كمبيالات. و لكنى أحرص على "الستر" و أن أعيش حياتى كا يحلو لى. نهاية المقابلة