بقلم زغلول الطواب توقفت السياره التى كانت تقل الملحق الثقافى وبصحبته هريدى أما مكتب السفاره المصريه . نزل الملحق الثقافى ولم يتحرك هريدى ولم يبرح مقعده . كان مترنحآ مشدوهآ غير متزن وقف الملحق الثقافى ينتظر خروجه من السياره ولكن دون جدوى ماذال هريدى فى حالة لا مبالاه غير مدرك بذاته . أنحى الملحق الثقافى نحو المقعد الخلفى للسياره فرأى هريدى متشبسآ بالنافذه ساكن سكون العاصفه التى هدأت بعد زعابيبها فناداه الملحق الثقافى بصوت به شىء من السخريه والضحك . قائلآ له هريدى هههههه إحنا وصلنا ولكن هريدى لم يستجب للصوت ولا يعيره إهتمامآ فماذال على حالته متشبسآ بنافذة السياره يكاد أن يلتصق بوجهه بزجاج باب السياره فناداه الملحق الثقافى مرة آخرى بضحكه عاليه ها ها ها ها . هريدى مالك إنت خايف خلاص وصلنا يلا بينا نطلع المكتب علشان نعمل سيرش لصديقك ونعرف مكانه وعنوانه فنظر هريدى إلى الملحق الثقافى وأشار له بكلتا يديه نحو زجاج النافذه وإذ بفتاه وشاب فى عمر السادسة عشر يجلسان على أريكه بالحديقه التى أمام مكتب السفاره وكانا فى وضع غير لائق يمارسان الحب على الطريفه الباريسيه مما جعل هريدى يخرج عن وعيه وتركيزه ولا يعير إهتمامه سوى هذا المشهد الغريب الذى لا يلفت نظر الماره بجوارهما مما زاد الأمر تعقيدآ بالنسبه لهريدى وظل يضرب كف على كف وقول للملحق الثقافى . عجولك أيه يا بو عمه حضرتك تطلع وتعمل إللى عتجول عليه وسيبنى أشوف آخرة المرار ده يا خلج يا هو مفيش إختشى خالص علنى كده جدام الناس وجال أيه الناس رايحه جايه ولا حد فيهم كلف خاطره وخلى فى وشه حصوة ملح ومسكهم وكتفهم ونزل فيهم ضرب لغاية ما يبان لهم صاحب هو فيه كده فى الدنيا يا ناس وعيجولوا باريس بلد النضافه . نضافة أيه يا بوالعم دى ........ وتلفظ هريدى بألفاظ غير لائقه وفى تلك الأثناء كانت تقف بجوار السياره سيارة بوليس ونزل منها شرطيان ليقتادا هريدى إلى قسم البوليس لتطفله الغير لائق وإزعاج خصوصية الشاب والفتاه . وحينما ترجم له الملحق الثقافى مما قاله الشرطيان أخذ يضرب كف على كف ويقول أنى إللى غلطان أنى إللى ععمل الحاجات العقشه دى أمال دوكما عيعملوا أيه عيحيوا علم بلدهم أياك والله عال يسيبوا السايب ويمسكوا المربوط نكته والله تموت من الضحك بلد أيه الفجريه دى ونيلة إيه إللى أنا أتمرمغت فيها دى وفى تلك الأثناء قام الملحق الثقافى ليشرح الموقف للشرطيان مما جعل الشرطيان يضحكان فى صوره هيستيريه ويداعبان هريدى بطريقه باريسيه مما جعل هريدى فى حالة زهول مما هو فيه وما رأته عيناه وموقف الماره المتلبد كالغيوم التى حجبت الشمس عن الحياه وموقف الشرطيان اللذان كادا أن يقتادا هريدى إلى قسم البوليس وموقف الملحق الثقافى وعدم تدخله لنهر الشاب والفتاه وخصوصآ إنهما يرتكبان فعل فاضح أمام مكتب السفاره . ولكن الملحق الثقافى سيطر على غضب هريدى بإخراجه من السياره وتهدئته ووعده أن يشرح له كل ما يحتاج الإستفسار عنه لأطباع هذه البلد وكيف يتعامل مع أهلها حتى لا يتعرض لمثل هذا الموقف مر' آخرى وخصوصآ إنه سوف يشاهد مثله بصفه مستمره وفى أى مكان وهذا شىء عادى فى هذه المدينه الراقيه . فأنصاع هريدى بعد طول معاناه حتى يفهم الموضوع ويسير مع الملحق الثقافى إلى مقر المكتب دون أن يلتفت يمينآ أو يسارآ وإلا سوف يتعرض لمسائلة الشرطه الباريسيه . تملك هريدى شىء من الخوف فسار خلف الملحق الثقافى كما لو كان قطار لا تبرح عجلاته خطى قضبان السكه الحديدى التى يسير عليهما القطار . وأخيرآ وصل هريدى إلى مقر مكتب السفاره ودخل خلف الملحق الثقافى حتى تنفس الصعداء وجلس على أرضية المكتب كما تعود أن يجلس الصعيد على الحصيره فتبسم الملحق الثقافى وقال له . لا يا هريدى تعالى وأقعد على الكرسى بجوارى فلم يعلق هريدى خوفآ أن يعترض ويكون إعتراضه سبب لمعاناه آخرى تستدعى الشرطه الباريسيه . جلس الملحق الثقافى على مكتبه وقام بفتح جهاز الكومبيوتر للبحث عن صديق هريدى ولكن لم يمر هذا المشهد دون تعليق من هريدى بطريقته المعتاده فقال للملحق الثقافى . أيه ده يا بيه . لسه هتجعد تتفرج على الفزيون ومش هندورا على الحاج أبو كامل يا بيه الصبح جرب يصبح وحضرتك لسه هتجعد وتتفرج على التلفزيون وليك نفس بعد إللى شوفناه تخليك تتفرج هتشوف إيه اكتر من إللى شوفناه وحياة أبوك يا سعات البيه جوم بينا ندورا على الحاج أبو كامل يمكن نعتروا عليه فى البلد الفجريه دى فضحك الملحق الثقافى وقال له أسكت يا هريدى الشرطه ممكن تسمعك فى أى وقت إنت فاهم وضع هريدى كلتا يداه على فمه وألتفت يمينآ ويسارآ بعينان زائغتان مصدقآ ما قاله الملحق الثقافى ففى هذه البلد كل شىء ممكن ولا يستبعد هريدى ما سمعه من الملحق الثقافى فسكت فورآ دون تعليق وعندما أنتهى الملحق الثقافى من عمل البحث عن إسم صاحب الدعوى لهريدى والذى يلقب بالحاج كامل كما يلقبه هريدى . أعتدل الملحق الثقافى إلى الخلف متضجعآ بالمقعده وكلتا يداه تعلو رأسه متشابكه مبتسمآ ينظر إلى هريدى فى غرابه شديده ويقول له أنت يا هريدى تعرف الراجل صاحب الدعوى لكلتأتى هنا إلى باريس فقال له هريدى أيوه يا بيه حضرتك مش مسدجنى ولا يه طب والله العظيم أعرفه عز المعرفه والراجل بنفسه مكلمنى فى التلفون وأنى كلمته وجالى بعضمة لسانه أنى يا هريدى هبعتلك دعوه عشان تيجى باريس وأدينى جيت وأنى هكدب عليك ليه يا بيه مكنت جعدت فى بلدنا ولا شوفت إللى شوفته غير البهدله وجلة الجيمه أنى غلطان كان لابد وحتمآ أجيب معايا الجواب بتاع الحاج كامل أنى محجوج يا بيه أنى أستاهل اكتر من كده فينك يامه تيجى تشوفينى وتشوفى المرار إللى فيه ولدك . فضحك الملحق الثقافى وقال لهريدى خلاص خلاص أنا مصدقك إهدى . على كل حال أنا وصلت للحاج كامل إللى بتقول عليه وهتصل به ليأتى ويستلمك مبسوط . طأطا هريدى برأسه إلى أسفل نحو قدميه وسكت ولم يعلق وشعر بمهانه من سخرية الملحق الثقافى عليه . فقال الملحق الثقافى أيه يا هريدى المفروض تكون مبسوط مالك ساكت ليه مش شايفك فرحت ولا حاجه . فنظر إليه هريدى وعيناه تلمعان أثر تحرك بعض قطرات الدموع التى طفت بين مقلتيه وكان هذا بسبب شعوره بالإستهزاء من قبل الرجل المصرى الوحيد الذى يعرفه فى تلك البلده الغريبه بكل ما فيها بالنسبه له . ثم قال للملحق الثقافى . مكنش العشم يا سعات البيه تتملجت عليا وتستهزج بيا أنى برضه مهما روحت وجيت مصرى ومن طبعنا فى بلدنا نكرم الضيف مهما كان ولا عمرنا أبدآ نضحكوا عليه ولا نجللوا منه ز حضرتك يا بيه خليتنى عايز أجلع المركوب وأربى بيه نفسى عشان سمعت الكلام وسدجت الحديت وجيت فى بلد معرفش فيها حاجه واصل ومسدجت حضرتك جيتنى المطار وكأنك الجشايه إللى إتعلجت بيها وأنى وسط البحر الكبير إللى مالهوش أول ولا آخر وفى الآخر تودر عشمى فيك وتجولى خلاص وصلت للحاج كامل هو إحنا إتحركنا من مطرحنا ولا روحنا ولا جينا كيف تستهزج بيا وتتملجت عليا وتجولى خلاص وصلت وعرفت مكان الحاج كامل لا يا بيه أنى برضه بنى آدم وعندى دم وإحساس . حرام عليك بعد كل البهدله دى تتملجت عليا بالطريجه دى . فضحك الملحق الثقافى ضحكات عاليه متتاليه دون إنقطاع كاد أن يفترش أرض المكتب من كثرة الضحك وتساقطت من عيناه الدموع من شدة الضحك . مما زاد هريدى مآساه أكثر مما هى بداخله وشعر بجرح عميق ينزم منه دمه وقال بلهجه حاده . إكفياك يا سعات البيه ضحك جوم وإجعد على كرسيك مفيش راجل يتمرمغ كده من كتر الضحك على خلج الله . وحينما إستشعر الملحق الثقافى بأن هريدى فعلآ فى حاله سيئه من المهانه فسرعان ما إقترب منه مواسيآ له متأسفآ على ما بدر منه دون قصد ولكن الموقف أستدعى ذلك وقام بتقبيل هريدى معبرآ عن مدى آسفه مؤكدآ له لا يقصد إهانته ولكن بالفعل توصل للحاج كامل عبر جهاز الكومبيوتر وآخذ يشرح لهريدى يعنى أيه عمل بحث على الجهاز وبعد معاناه وتكرار وشرح طويل فهم هريدى أن هذا الجهاز مدون عليه أسماء كل المصريين اللذين أتوا إلى باريس بعناوينهم وبيانات تفصيليه عنهم . فقام هريدى مبديآ أسفه وإعتذاره على سوء ظنه بالرجل المحترم الذى وقف بجانبه بكل صدق وشهامة الإنسان المصرى المتعارف عليها . ثم قام الملحق الثقافى بالإتصال بالحاج كامل يخبره بوصول هريدى إلى باريبس وموجود بالفعل فى مقر السفاره المصريه . وأنتهت المكالمه بين الملحق الثقافى والحاج كامل ثم أغلق الرجل التليفون وقال لهريدى خلاص الحاج كامل على وصول . وإلى أن يصل الحاج كامل أوعدكم أن نلتقى بمشيئة الله فى الجزء الثالث من رحلة هريدى فى باريس فإلى اللقاء