بقلم أحمد أبو رتيمة توفيق عكاشة منافق متلون مثير للسخرية نتحدث عنه بتندر وننظر إليه بأنه مادة للفكاهة فيصفه البعض بأنه قذافي مصر، لكننا نغفل ما لهذا الرجل من قدرة على التأثير في عقول الفلاحين البسطاء تفوق قدرة فضائيات وأحزاب كاملة.. سر جاذبية هذا الرجل تتمثل في أسلوبه البسيط ومناسبته لمستوى الفلاحين في أرياف مصر وهم الذين يشكلون كتلةً انتخابيةً مهمة..الرجل يتحدث بكل بساطة ويتحرر من القيود الرسمية فهو يتحدث بلسان القروي البسيط كما لو كان يتحدث في جلسة عائلية وليس في فضائية يشاهدها الملايين..يعبر هذا الرجل عن خلجات نفسه على الهواء مباشرةً بكل عفوية دون اعتبار لرهبة الكاميرا فهو لا يجد مشكلةً في أن يصارح المشاهدين بأن النعاس قد غلبه ثم يروي لهم قصة جدول أعماله المزدحم طوال اليوم وأنه لم ينم سوى ساعتين، أو أن يطلب من المذيعة فاصلاً ليتناول دواءً معيناً، أو يشرح لهم أصل أخواله وأعمامه ولون أعينهم وعلاقة ذلك بوسامته، وربما يتوقف عن حديثه المسترسل ليحاور المخرج في أمر ما أو يتوقف بضع دقائق ليبحث عن ورقة أضاعها في كومة الملفات المتراكمة أمامه، أو يتوعد العاملين في القناة بعقوبة إدارية على الهواء مباشرة، وما إلى ذلك من قصص يظهر نفسه من خلالها بأنه ابن الحياة القروية البسيطة المتحررة من التكاليف.. عكاشة متنبه جيداً لأثر بساطة الأسلوب في جذب المشاهدين فهو الذي عاير محمد البرادعي على الهواء مباشرة بأنه لا يحسن تزغيط البط ولا يعرف سعر وقفة البقرة في سوق الثلاثاء.. ضحكنا جميعاً من ذلك المقطع الشهير وتداولناه كمادة للتسلية لكن عكاشة كان يقصد من ذلك الكلام الإيحاء بأن البرادعي غريب عن المجتمع المصري بينما هو-عكاشة- ابن القرية والمزرعة.. وفي لقائه الأخير مع شفيق ركز عكاشة على أهمية هذا البعد فبدأ حلقته الدعائية لأحمد شفيق بالقول "احنا ناس شعبيين بتوع الشعب نقعد على مصطبة، نقعد على قهوة...." استفاد مرشح النظام المخلوع أحمد شفيق من هذا الرجل فوظفه للدعاية له ودعمه بالمال وبالمستندات، وربما بوعد بأن يصبح وزير الإعلام، لذا فإن عكاشة في هذه المرحلة قد سخر كل طاقته للدعاية لأحمد شفيق وللنيل من الإخوان المسلمين وتشويه صورتهم بالأكاذيب المختلقة مستغلاً في ذلك حالة الفوضى وغياب المحاسبة.. ولا مفر من الاعتراف بأنه حقق نجاحاً لم تحققه فضائيات ولا أحزاب رسمية لأنه امتلك ما لم تمتلكه تلك الفضائيات والأحزاب التي تكبل نفسها في قيود محكمة من الرسميات الثقيلة الجامدة المبغضة إلى النفوس.. حول الأثر الذي استطاع عكاشة تحقيقه في أرياف مصر يروي الدكتور الفاضل محمد سعد أبوالعزم انطباعه بعد زيارة إحدى القرى الواقعة بمركز طوخ بالقليوبية فيقول: "إن كان البعض يتندر على الأسلوب الذي يتحدث به (عكاشة)؛ فإن الحال يختلف تمامًا في الأرياف ومع البسطاء من أهلنا، هم يجدونه الوحيد الذي يتحدث مثلهم، وبلغة سهلة تناسبهم، وجدت الغالبية الساحقة منهم يصدقون كل كلمة ينطق بها، ويعتبرونه مرجعًا لكل الأحداث في مصر".. مما لا شك فيه أن عكاشة هذا هو مثل السوء في الإعلام فقد بلغ مبلغاً عظيماً من النفاق والكذب تشمئز له النفوس، فهو يقسم في كل حلقة من برنامجه عشرات الأيمان المغلظة ويشهد الله على ما في قلبه وهو كاذب، ولم يعد يشعر بالحياء في أن يناقض نفسه فهو في إحدى الحلقات قبل عدة أشهر أقسم بالله أيماناً مغلظةً بأن شفيق لا يصلح لرئاسة الدولة وأنه لن ينتخبه، واليوم يقسم أيماناً مغلظةً بأنه لا يوجد أفضل من شفيق لرئاسة مصر، كما أنه يستغل منبره الإعلامي للكذب على الناس وللطعن في الأعراض، هذا عدا عن تكسيره للغة العربية مما لا يسع سيبويه لو بعث من قبره وسمعه إلا أن ينتحر، كذلك جهله الفاضح في الدين فهو يتلو آيات القرآن محرفةً ويقول إنها أمثال دينية ويتلو الأحاديث ويقول إنها آيات، لكن ما لا يسعنا تجاهله أن أسلوب الرجل أثبت نجاحاً في التأثير على المواطن البسيط الذي يبحث عمن يخاطبه بلغته السهلة الخالية من التعقيد والتكلف.. الاقتراب من حياة الناس وأسلوبهم ضروري للتأثير فيهم، لذا لا غرابة في أن يتحدث القرآن عن أن الأنبياء كانوا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق..والمشي في الأسواق دلالة على قربهم من مجتمعاتهم ومخالطتهم لأقوامهم في شئون حياتهم.. يؤسفني أن أجد نفسي مضطراً للقول إننا بحاجة إلى وجوه إعلامية تجمع بين بساطة أسلوب هذا العكاشة وكوميديته وجاذبيته للبسطاء وبين أن يكون صاحب مبدأ صادعاً بكلمة الحق بحق!! [Share/Bookmark]