بقلم د. فايز أبو شمالة هل استفقتَ صباحاً ووجدتَ أن لا رغبةَ لكَ بالذهابِ الى مكانِ عملك؟ اذا كان الجوابُ ايجابياً قد يكون ذلك دليلاً انك لا تملكُ شعوراً كافياً بالانتماء الى مكانِ العمل. إن إشراكَ العاملين في القرار، والتقدير والاحترام والثقة التي يكنّها المشغّلون للمستخدمين لها الدورُ الأكبرُ في تعظيمِ قيمةِ الانتماءِ للمؤسسة مكان العمل هو البيت الثاني الذي نقضي به اكثر من ثلث وقتنا. ان قيامنا بمنح مكان العمل صفة "البيت" يوجبنا بالحفاظ عليه والذود عنه وجعله مكانا يطيب المكوث به. على ما يبدو ان مخزون التفاعلات التي تحصل في مكان العمل بين العاملين والمدراء واصحاب العمل لها الاثر الاكبر في تحديد مستوى الشعور بالانتماء التنظيمي. كمخلوقات بشرية نحن بحاجة ماسة للشعور بالانتماء لكي نشحذ عقولنا ونسخّر مصادرنا ونستغل مهاراتنا ونقنّي عواطفنا للمساهمة في تطوير المؤسسة التي نعمل بها. اذا تكرّر شعورك بعدم الرغبة بالذهاب الى مكان العمل صباحا فهنالك شك كبير بأنك لا تملك شعورا كافيا بالانتماء اليه. ان مسؤولية الشعور بالانتماء او انعدامه ملقاة اولا على ارباب العمل ومدرائه. لكي يشعر المستخدم بالانتماء الى مكان العمل يجب ان يشعر انه مطلوب ومرغوب ومُجدٍ ومحترم وان له دور في تطوير المؤسسة التي يعمل بها. ان انعدام الشعور بالانتماء الى مكان العمل يؤدي الى انعدام الاتصال بين المستخدمين وبالعكس، واثناهما يؤديان الى تدني مستوى الانتاجية والجودة والخدمات التي تقدمها المؤسسة. ان انحسار قيمة الانتماء تؤدي الى استشراء ظاهرة اللامبالاة او ما يسمى بالعبرية ظاهرة "الرأس الصغير"، أي الشخص الذي يقوم بعمل الحدّ الادنى مما مطلوب منه ولا يتعدى فعله ما هو مُدَوّن في تعريف الوظيفة، فإذا كان مُدرّسا تراه لا يُشارك في اية فعاليات لامنهجية تبادر اليها المدرسة، وان كان موظفا لا يحاول الانخراط في استكمالات مهنية لتطوير قدراته، اللهم الا كان ذلك يمنحه "زيادة" في الاجر، اما انتاجية العمل وجودته فلا تعنيان شيئا بالنسبه له، ومن النادر ان تشاهد احدهم يختار المكوث في مكان العمل بعد ساعات الدوام ليشارك في جلسة عمل لمناقشة مستقبل المؤسسة. هنالك العديد من الخطوات والانشطة التي يستطيع ارباب العمل القيام بها لتطوير الشعور بالانتماء الى المؤسسة واهمها هي إشراك العاملين واستشارتهم في اتخاذ القرارات الخاصة في سير العمل. ان انعدام ممثلية رسمية لشؤون العاملين في المؤسسة هي ظاهرة مستشرية في وسطنا العربي وخاصة في القطاع الخاص تخوّفا من قيامها بالمطالبة بزيادات في المعاشات او بتنظيم "فعّاليات مكلفة" او احتمال قيامها باضرابات قد تشلّ عمل المؤسسة، لكن التجارب تشير على ان الضرر الذي يسببه انعدام الشعور بالانتماء في الانتاجية وفي الجودة يفوق بأضعاف الزيادات في الأجر والمصروفات التي قد "يضطر" المُشغّل تحمّلها من وجود "لجنة عاملين". هنالك امور أخرى تعمل على تطوير الشعور بالانتماء واحدها هو التقدير والاحترام والثقة التي يكنّها المشغّلون تجاه المستخدمين. ليس بالضرورة ان يكون التعبير عن التقدير بشكل علاوة بالأجر او جائزة مالية، وانما قد يستكفي المستخدم الذي نفّذ عملاً جيّدا بالحصول على "اطراء متواضع" او "طبطبة على الكتف" او تلقّي رسالة شكر وتقديرعبر البريد الالكتروني. هنالك دور ايضا للنشاطات الاجتماعية كالاحتفالات والرحلات والزيارات وغيرها التي تنظّمها المؤسسة في تطوير العلاقات الطيبة بين عاملي المؤسسة ومن ثم الى ازدياد الشعور بالانتماء. كذلك الأمر بالنسبة لتبني عادة اللباس الموحد او احد مركباته كالياقات والقبعات والدبابيس وغيرها. من جهة اخرى هنالك الكثير من المُعيقات التي تقف سدا منيعا امام عملية تطوّر الانتماء التنظيمي واهمها هو تركيز الادارة على الاخطاء. ان تذكير المستخدم الدائم بأخطائه يجعله يفقد الثقه بنفسه ويثبط من عزيمته ويقتل روح المبادرة لديه وهذا لا يصبُّ في مصلحة الانتماء. من المعيقات ايضا الافراط في النقد والمراجعة والمراقبة والملاحقة التي يقوم بها بعض المدراء لمستخدميهم. كذلك الامر بالنسبة للتنافس الحامي الوطيس الذي يسود في بعض المؤسسات والذي يؤدي الى تنحي الكثيرين من العاملين عن "السباق" والى تقوقعهم في مكانهم. من المعروف ايضا ان الضغوطات التي يقع تحت وطأتها العاملين تؤدي الى الشعور بالاستغلال والمذلة ومن ثم الى تطوير موقف غير ودّي لمكان العمل. من يملك احساس الانتماء الى مكان العمل يجد توافقاً بين القيم التي يؤمن بها والقيم التي تسود بالمؤسسة التي يعمل بها وهو يشعر بالاستقلالية والحرية في التعبير عن آرائه أمام رؤسائه الذين يتيحون له المشاركة الفعالة في الحسم في القضايا الهامة لذا فتجده مهتما جداً بوضع ومستقبل المؤسسة التي يعمل بها، ويشعر بالأمان الوظيفي والاستقرار ويرى في جهة عمله الحالية أفضل جهات العمل التي يمكن ان يلتحق بها وهو يشعر بالفخر والاعتزاز لكونه احد أفراد المؤسسة، ويعتبر مشاكلها مشاكله الشخصيةً، ويؤمن انها تستحق كل الإخلاص والولاء ويصف قراره بالارتباط بالمؤسسة صائباً، ويشعر انه من واجبه أن يبذل قصارى جهده من اجل تحقيق أهدافها والحفاظ على على سمعتها. هنالك العديد من الدراسات التي تطرقت الى تأثير خصائص الفرد من حيث السن وطول مدة الخدمة، والمستوى الثقافي، والجنس، ودوافع وقيم الأفراد وعلاقتها بالانتماء التنظيمي، واثبتت ان السن وطول مدة الخدمة تؤثر على مستوى الاداء التنظيمي ايجابيا: كلما زاد السن، وطول مدة الخدمة، تزداد العلاقات الاجتماعية، وبالتالي هذا يؤدي الى ارتفاع مستوى الانتماء التنظيمي. اما بالنسبة للمستوى الثقافي: قد يرتبط المستوى الثقافي عكسيا أو طرديا بالانتماء التنظيمي. اما بخصوص متغيّر "الجنس" فقد تبين من بعض الأبحاث أن النساء أكثر انتماءً للمنظمة من الرجال، بينما تبين في أبحاث أخرى أنه لا توجد علاقة بين متغير "الجنس" والانتماء. كما واثبتت الابحاث كلما قامت المنظمة باشباع حاجات الفرد، يكون انتماؤه التنظيمي أكبر، والأفراد الذين يولون اهمية عظمى لما يسمى قيمة العمل، يكون الانتماء التنظيمي لديهم مرتفعاً. حبذا لو قامت مؤسساتنا العربية بالانتباه الى تطوير هذه "القيمة" الهامة التي تعود على ارباب العمل والمستخدمين بفوائد جمة. ما لا شك به ان من يحمل قيما سامية وشعورا بالانتماء الى المؤسسة التي يعمل بها ينقل هذا "النموذج" الناجح الى الحياة العادية وهذا يصب في مصلحة المجتمع.. البريد الإلكتروني لكاتب المقالة: [email protected]