بقلم د. رفيق حاج لكي نحصلَ على شهادةِ "احترام الذات" لا يكفي الالتزام بالسلوك الحسن والمظهر اللائق او إظهارِ الاحترام "المزيف" لكبار السن. هذه الشهادة ابعد بكثير مما يظن البعض لأنها تتطلّب التحلّي بمزايا هامة اخرى كالاعتماد على النفس, وامتلاك الحسّ الوطني, وتبني القيم الانسانية العامة والأهم من كل ذلك البعد الأخلاقي اذا اردنا نيل احترام الناس وأن نُعامَل بالندّية, علينا اولاً ان نحترمَ انفسنا. من لا يحترم نفسه لا تحترمه الناس هذه بديهة معروفة متذ الأزل ولا مجال لنقاشها او اثبات صحتها. لماذا؟ لأنه من المفروض ان نكون اكثر الناس تحيّزا لأنفسنا وتقديراً لذاتنا فإذا غاب احترامنا لأنفسنا نكون قد اعطينا الضوء الأخضر للآخرين بالتطاول علينا والدوس على ثوبنا. السؤال الذي يطرح نفسه كيف نَعرِف اننا نحترم انفسنا ام لا؟ لكي نجيب على هذا السؤال علينا ان نعرّف ما هو "احترام الذات". هل احترام الذات يعني السلوك الحسن والظهور اللائق والابتعاد عن البذاءات الكلامية والانفعالات المُزايدة, أم انه اوسع بكثير؟. هل يكفي ان نقوم بالتصرّف بما يُرضي البيئة التي نحيا بها ومراعاة عاداتها وتقاليدها والتقيّد بمحرّماتها وطقوسها لضمان احترامنا لأنفسنا؟ في زمن تَدهوَرَ به الاحترامُ الذاتيُ الى اسفلِ الدركِ, هنالك حاجة لتوسيع رقعته وسكبُ المزيد من الضوء على محتوياته وابعاده واسقاطاته, ومن يريد الاكتفاء بالسلوك الحسن والمظهر اللائق فهذا شأنه. حسب رأيي المتواضع كل شخص بالغ وسليم العقل والجسم ويعتاش على حساب امه المسنّة التي تتقاضى مخصصات من التأمين الوطني هو شخص لا يحترم نفسه, كذلك الأمر بالنسبة للأزواج العاطلين عن العمل بإرادتهم بينما تكدحُ زوجاتهم ليل نهار من اجل اطعام الصغار هو ايضا شخص لا يحترم نفسه. باختصار, كل انسان لا يسعى لكسب رزقه مع انه يملك كل القدرات الجسدية والعقلية لذلك ويختار ان يعيش عالةً على غيره هو ليس انسانا خائبا فحسب وانما ينتقص خاصة احترام الذات. كذلك الأمر بالنسبة للشخص المتورّط بالديون والذي يضطر معظم الوقت الى الاستدانة من الآخرين لسد حاجاته. وهنا اريد ان اضيف بُعداً "جديداً" لمقوّمات احترام الذات وهو التأييد السياسي. صحيح اننا نعيش في بلد يتشدّق بالديموقراطية, وانه من غير المنصف ان نلقي "تهمة" عدم احترام الذات على مؤيدي هذا المذهب السياسي ام ذاك, لكن ما رأيكم بمن يقوم من عرباننا بتأييد حزب "اسرائيل بيتنا" او "البيت اليهودي" وغيرهم من المعروفين بسياستهم العدائية للعرب والذين يسعون وبدون خجل الى ترحيلنا عن هذه الديار؟! ما رأيكم بانخراط العرب في البرايميرز الخاصة بالاحزاب الصهيونية اليمينية الذين يخرجون من طورهم لإنجاح هذا المرشّح ام ذاك؟ هل ما زلتم تشكّون بأنه تجري في عروقهم قطرة دم واحدة؟! هنالك قدر ادنى من الحس الوطني و الشعور بالانتماء الى الشعب العربي الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال الذي يجب ان يتحلى به كل عربي فلسطيني يحترم نفسه في هذه البلاد والا فستضيع الكرامة والهوية بعدما ضاع البيت ونُقذف الى مزبلة التاريخ. انني على شبه يقين بأن لا احدا يعارض ان نشملَ البعد الأخلاقي في مجمل المقومات الاساسية ل "احترام الذات". من يحترم نفسه لا يخون زوجته مهما كان السبب ولا يعتدي جنسيا على الآخرين, ولا يكذب عشرين كذبة بالثانية ولا يتاجر بالممنوعات ولا يختلس اموال الغير ولا يستغلّ الضعفاء والمحتاجين, ولا يغش بالامتحانات, ولا يقبل الرشوة ولا يُرشي الآخرين, ولا يقوم بتزييف شهادة لكي يُقبل الى الجامعة او الى مكان العمل او ليحظى بعلاوة في الأجر. الانسان الذي يحترم نفسه هو انسان يحترم القانون حتى لو ادى ذلك الى خسارة الفرص او الى الحدّ من رقعة نفوذه. حمل القيم الانسانية العامة هو ايضا من سمات احترام الذات. حب الوطن والبلد والحارة, الرأفة بالضعفاء والمساكين الذين لا حول لهم ولا قوة, الحكم بالعدل على الآخرين, عدم التخلي عن الوالدين حال بلوغهم سن الشيخوخة, العطاء والتبرع للمجتمع, التفاؤل والثقة بالنفس وبالآخرين كلها مقوّمات هامة ومعتمَدة لبروفيل الانسان الذي يحترم ذاته. الانسان الذي يحترم نفسه لا يغدر بمن أحسنوا اليه ولا يستغل موقعه لكي يبطش بالناس ويصفي حسابات معها. باختصار, لكي نحصل على شهادة "احترام الذات" لا يكفي الامتناع عن الظهور بلباس استفزازي في مكان العمل او الامتناع عن الحضور الى مقابلة رسمية بسروال رياضة او التحاشي من مضغ العلكة ونفخها في حضرة الآخرين او القيام بإظهار الاحترام "المزيف" لكبار السن او استخدام موهبة التمثيل لإبداء مدى مراعاتنا للعادات والتقاليد. هذه الشهادة ابعد بكثير مما ذُكر فهي بنظري تحمل مركبات اخرى لا تقل اهمية كالاعتماد على النفس والاعتزاز بالانتماء للوطن, والتحلي بالقيم الانسانية والعامل الاهم من كل ذلك هو البعد الأخلاقي. لو احترم كل واحد منا ذاته لأصبحنا من صفوة الشعوب وخيرة الأمم.. الخيار بأيدينا !