بالأمس كتبت قصة الحصان العجوز الذي سقط في البئر ولم يرد صاحبه المزارع أن يخرجه لأنه حصان عجوز.. ولما أراد أن يدفنه ويردم البئر فوقه، أخذ الحصان يقفز فوق الأتربة والأوساخ حتي علا وعلا وأنقذ نفسه.. وكتبت عن تفسيري القصة، وأحدهما يتعلق بإرادة الإنسان لمجابهة الصعاب.. والثاني يتعلق بدفن الحصان العجوز وفكرة عدم قدرة كبار السن علي العمل.. واليوم أتحدث لا عن سقوط الحصان في البئر بل عن بعض من يقومون برمي الحصان العجوز الأصيل في البئر عن قصد حتي يتخلصوا منه.. وللأسف الشديد صار هذا التصرف مقبولا بحجة أن الشباب يحتاج للعمل وأن علي الكبار أن يفسحوا المجال للشباب.. وأن كبار السن ضعفاء ولا يتماشون مع متغيرات العصر والتقدم التكنولوجي.. كما يدعي بعض الذين يتخفون وراء الأدب أن الكبار يحتاجون إلي الراحة ويحق لهم أن يستمتعوا بما تبقي لهم من أيام بعيدا عن العمل ومشكلاته.. ولكن الحقيقة غير ذلك تماما.. ولا يصح أن نرمي بخيولنا الأصيلة العجوز في آبار جافة وندفنها حية.. فللكبار خبرات لا يستهان بها نتجت عن تراكم المعرفة والتجربة وهو ما يتوازن مع التقدم التكنولوجي الذي يبرع فيه الشباب.. ولا يستغني أي عمل ناجح عن هذا ولا عن تلك.. بل ينبغي تواجدهما معا إذ لا يحل أحدهما محل الآخر.. أما بالنسبة للراحة فأعتقد أن علي الإنسان أن يختار لنفسه ما يريحه.. وقد يجد كبير السن راحته في البعد عن العمل، أو في البقاء فيه.. في البلاد الأوروبية علي وجه الخصوص يحترمون المسنين بشكل كبير ويوفرون لهم كل أشكال الراحة والاحترام.. وفي الوقت نفسه يتيحون أمامهم فرصا عديدة للعمل بخبراتهم السابقة دون إرهاق.. كما أن لكبار السن في تلك الدول تخفيضات وأسعاراً مميزة في كل مكان لتشجيعهم علي الاستمرار في الحياة وفي العطاء وللتأكيد علي أن المجتمع يحبهم ويحترم وجودهم بل يتمني أن يطول بقاؤهم فيه.. وكنا نحن في زمن قديم نتعلم في كتبنا المدرسية ومن آبائنا أن نحترم الكبير ونعطف علي الصغير.. وكانت تلك عبارة محفوظة يذكرنا بها الكبار عندما يخطئ أحدنا بقول أو بفعل في حق رجل أو امرأة عجوز.. أما الأجيال الجديدة فقد خلت كتبها المدرسية من تلك الدروس القديمة التي يتعلمون منها احترام الكبير.. كما أن الآباء باتوا يهملون هذا الدرس الأخلاقي التربوي أثناء تربية أبنائهم.. ولا يدرك هؤلاء الآباء أنهم سيصيرون كبار الأعمار ولن يجدوا من أبنائهم سوي التجاهل لقدراتهم ونسيان أفضالهم.. احترام كبار السن ليس مجرد واجب تجاه الآباء.. كما أنه ليس بهدف الاستفادة من خبراتهم فحسب.. بل هو شعور إنساني يحتاج أن نعلمه لأولادنا في الصغر لكي ينمو معهم ويتأصل فيهم.. كما نحتاج أن نكون قدوة ونقدم مثالا جيدا في احترام هؤلاء الذين لولاهم لما تواجدنا جميعنا.. ولولا تعبهم لما توفرت لنا الراحة.. والذين سنصبح جميعا مثلهم لو قدر لنا أن نحيا لمثل أعمارهم.