توقعات بارتفاع أسعار الذهب إلى 5 آلاف دولار للأوقية في غضون عام    فيديو.. شاحنات اللجنة المصرية تعيد النازحين الفلسطينيين إلى شمال غزة    معهد فلسطين لأبحاث الأمن: اتفاق شرم الشيخ يعكس انتصار الدبلوماسية العربية    منتخب مصر المشارك في كأس العرب يختتم استعداداته لمواجهة البحرين وديا    الكرواتي زيلكو بابيتش مديرا فنيا ليد الزمالك    ماذا قال شهود الإثبات والنفي في قضية أطفال دلجا خلال جلسة استغرقت 60 دقيقة؟    محافظ كفرالشيخ يوجّه بتغيير خط مياه الشرب بقرية الرغامة    «المشاط» تبحث مع المفوضية الأوروبية جهود تنفيذ آلية تعديل حدود الكربون CBAM    قريبًا.. مصر تستقبل التوقيت الشتوي لعام 2025 هل مستعد لتغيير الساعة؟    تقديم 64 مرشحًا بأسيوط بأوراق ترشحهم في انتخابات النواب    «الري»: التعاون مع الصين فى 10 مجالات لإدارة المياه (تفاصيل)    مئات القتلى والجرحى بسبب هجمات الدعم السريع على الفاشر    موسكو: بوتين يرى أن تعزيز العلاقات مع كوريا الشمالية أمر بالغ الأهمية    «القاهرة الإخبارية»: وزير الخارجية العراقي يبحث ملف المياه مع نظيره التركي بأنقرة    منظمة العمل العربية تطالب سلطات الاحتلال بتعويض عمال وشعب فلسطين عن الأضرار التي سببتها اعتداءاتها الوحشية    رئيس جامعة السويس: إدراج الجامعات المصرية في تصنيف التايمز العالمي يعكس تطور التعليم    غدًا.. محاكمة 60 معلمًا بمدرسة صلاح الدين الإعدادية في قليوب بتهم فساد    القنوات الناقلة لمباراة الإمارات وعُمان مباشر اليوم في ملحق آسيا لتصفيات كأس العالم    سكالوني يكشف سبب غياب ميسي عن ودية فنزويلا وموقفه من المباراة المقبلة    موعد وملعب مباراة الأهلي وإيجل نوار البوروندي    المجلس القومي للمرأة يستعرض إنجازات البرنامج الوطني للاستثمار في الفتيات "نورة"    الجو هيقلب.. بيان عاجل من الأرصاد الجوية يحذر من طقس الأيام المقبلة    الداخلية تكشف تفاصيل ضبط سائق يسير عكس الاتجاه بالتجمع الخامس ويعرض حياة المواطنين للخطر    إحالة أوراق المتهمة بقتل زوجها وأطفاله الستة في المنيا إلى المفتي    الداخلية تكشف حقيقة سرقة شقة بالدقي    هدايا على السناكس.. ضبط 6 آلاف كيس عصير منتهي الصلاحية في حملة بالغربية    مصطفى هريدي يكشف لأول مرة أسباب غيابه وأسرار عن حياته الفنية والشخصية    تفاصيل لقاء السيسي بالمدير العام لليونسكو (صور)    وزير الخارجية الأسبق نبيل فهمي: هناك حرب هوية في الشرق الأوسط    أحمد مجدي: مهرجان الفيوم السينمائي يتطلع ليصبح منصة عالمية للسينما والتنمية المستدامة    إيهاب فهمي: "اتنين قهوة" يُعرض في ديسمبر | خاص    اكتشاف قلعة عسكرية جديدة من عصر الدولة الحديثة بسيناء    في 3 أيام.. إيرادات فيلم هيبتا 2 تقترب من 11 مليون جنيه    المدير التنفيذي للهلال الأحمر ل«الشروق»: خطة إنذار مبكر ورفع جاهزية الفروع استعدادا لفصل الشتاء    إجراء 10 جراحات شرجية بالليزر في مستشفى إبشواي المركزي    منها تنظيم السكر وتقليل التوتر.. 7 فوائد صحية لبذور اليقطين    إنفلونزا المعدة.. تعرف على الأعراض وطرق الوقاية من العدوى    رئيس الوزراء يتفقد مصنع "تي آند سي" للملابس الجاهزة بالقليوبية.. ويوجه بدعم التوسع في الإنتاج والتصدير    زراعة المنوفية: ضبط 20 طن أسمدة داخل مخزنين بدون ترخيص فى تلا    في اليوم العالمي للفتاة.. التعليم العالي: نحو 2 مليون طالبة في الجامعات والمعاهد العليا    «المشاط» تبحث مع المفوض الأوروبى للبيئة جهود تنفيذ آلية تعديل حدود الكربون    ويتكوف وقائد القوات الأمريكية يزوران جنود الاحتلال فى غزة.. صور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 11-10-2025 في محافظة الأقصر    الرباعة سارة سمير بعد التتويج بثلاث فضيات ببطولة العالم: دايمًا فخورة إني بمثل مصر    العرفاوي: لا ندافع فقط في غزل المحلة.. ونلعب كل مباراة من أجل الفوز    عاجل- الدفاع المدني في غزة: 9500 مواطن ما زالوا في عداد المفقودين    حان وقت تغيير ساعتك.. كيف تواجه تحديات التوقيت الشتوي؟    إحالة أوراق عامل ونجله لمفتي الجمهورية لقتلهما شابا في قنا    «التضامن» تبحث مع مدير مشروع تكافؤ الفرص «EOSD» بالوكالة الألمانية دعم مشروعات الحماية الاجتماعية    انتخابات النواب: رقمنة كاملة لبيانات المرشحين وبث مباشر لمتابعة تلقى الأوراق    الأزهر للفتوى: حرق قش الأرز حرام لما فيه من إفساد في الأرض وإضرار بالنفس والبيئة    الرعاية الصحية: تعزيز منظومة الأمان الدوائي ركيزة أساسية للارتقاء بالجودة    منها «القتل والخطف وحيازة مخدرات».. بدء جلسة محاكمة 15 متهما في قضايا جنائية بالمنيا    أسعار الدولار اليوم السبت 11 أكتوبر 2025.. وصل لكام؟    تعرف على فضل صلاة الفجر حاضر    «رغم زمالكاويتي».. الغندور يتغنى بمدرب الأهلي الجديد بعد الإطاحة بالنحاس    فتاوى.. بلوجر إشاعة الفاحشة    فتاوى.. عدة الطلاق أم الوفاة؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هشام عبد الصبور يكتب: ثورة الاحترام.. !
نشر في الدستور الأصلي يوم 21 - 01 - 2012

عدم الاحترام داء تأصل في نفوس المصريين على كل مستوياتهم عبر ما يقارب ستين الأعوام الماضية، أي منذ انقلاب يوليو 1952 ! هل تتهمني عزيزي القارئ بالتجني علينا – نحن المصريين ؟ هل تطلب مني أن أعتذر عن هذا الاتهام ؟ هل أنا متجنٍّ فعلا؛ أم إنها الحقيقة التي لا نراها برغم وضوحها ؟ ولا نعترف بها رغم معاناتنا ؟ هل تحب أن أبدأ من قمة الهرم أم من قاعدته ؟ لنبدأ من القمة..
خد عندك.. رئيس الجمهورية السابق وسابقه وسابقه ثلاثتهم لم يحترموا القسم الذي تلوا كلماته ساعة توليهم المسؤولية، فكانت عهودهم الثلاثة مترعة بالهموم إلا نزرا يسيرا، مليئة بالهزائم أذيقتها بلادنا إلا نصرا واحدا كبيرا في أكتوبر 1973، إعتمدوا للسيطرة الكاملة على الشعب على جهاز الأمن الذي أصبح أجهزة للقمع، فما احترموا للشعب حرية ولا حقوقا ولا إرادة، وسلبوه قدرته حتى على الكلام.
معظم من تولوا الوزارات والمحافظات والوظائف القيادية في العهود الثلاثة لم يحترموا عقل الشعب الذي تولوا أمره، ولم يحترموا مناصبهم بما تمليه عليهم من التجرد والصدق والإخلاص والأمانة وإنكار الذات، ولم يحترموا سوى مصالحهم، فارتزق منهم من ارتزق، واختلس من اختلس منتهزين فرصة تعطيل قانون محاسبة الوزراء منذ عام 1954، والذي لم يكن تعطيله آنذاك إلا لحماية من لا يحترمون الشعب ويستهينون به وبعقول أبنائه، ومواكب الوزراء والكبراء في العهد البائد تدل على عدم احترام هؤلاء للشعب.
والإعلام؛ كتابع للسلطة في بلادنا؛ لم يحترم في أي وقت عقلية المواطن المصري في كل مواده وبرامجه وتوجهاته، فكانت دوما مزيجا من عدم الاحترام لعقولنا والاستهبال والاستخفاف والاستهانة، بل والإهانة وبخاصة إذا ما عقدنا مقارنة بين مواد إعلامنا التافه المُسَيَّس في قنواته المختلفة، ومواد إعلام دولة صاعدة؛ كإيران مثلا.
هل ترى عزيزي في مصر منذ خمسة عقود من يحترم قواعد البناء ؟ سواء في عدد الطوابق، أو لون المبنى أو شكل الشرفات أو التصميم المعماري، لم يحترم مهندسو ومقاولو البناء في مصر لا ذوق ولا أبسط قواعد البناء، فاكتست أرض مصر الزراعية بمئات آلاف المباني السكنية المتلاصقة ذات لون الطوب الأحمر الكئيب، حيث لا تُحترم حقوق الجيران أو صحة السكان، فالشمس لا تدخل في بيوتها، والرطوبة في جدرانها، والزحام داخلها يخنق الأنفاس.
أنظر حولك جيدا عزيزي.. هل ترى منا احتراما لحقوق الأطفال ؟ أبداً.. برغم توقيع ولاة أمورنا على الوثائق والاتفاقيات الدولية التي ترعى حقوقهم؛ فستجد أن أطفال الشوارع والمشردين والمتسولين والمتسربين من التعليم؛ فاقت نسبتهم كل متوقَّع، حتى أصبحوا خطرا يهدد أمن مصر، ويتوعد المستقبل بكل خطر.
هل احترمنا في مصر أهم ما وهبه الله لأرض بلادنا؛ النيل ؟ أبدا.. طال التلويث مياهه، وسرقت شواطؤه، وسربت مياه الصرف (الصحيّ) والصناعي إليه، فأصبح ما تغنى به الشعراء من جماله قبحا، ومن صفائه عكارة وتلوثا، ومن مرآى شاطئه الجميل عمارات وأبراجا شاهقة ليس في بنائها أي جمال أو ذوق أو فن.
هل احترمنا ما حبا الله بلادنا من شواطئ على البحرين الأحمر والأبيض ؟ لا.. فلم تلق تلك الشواطئ أي احترام أو اهتمام أو تنمية؛ سواء كان للثروة السمكية الضائعة، أو إيهام الناس واستغفالهم ببناء منتجعات للجولف والقصور والفيلات؛ لا يستفيد منها إلا نسبة ضئيلة منهم، ولا تحترم حريتهم في ارتياد تلك الشواطئ.
هل احترمنا تاريخنا المتمثل في ثلثي آثار العالم التي على أرضنا ؟ أبدا.. أهملت وزارة الثقافة المتاحف، وسرقت الآثار وهُرِّبت وبيعت لحساب الكبار، في ذات الوقت الذي نرى فيه شعوب الدول الأخرى يُستثمر تاريخها وإمكانيات بلادها لمصلحتها.
هل احترم منتجو الأفلام السينمائية والممثلون والعاملون في السينما والمسرح والتلفزيون عقول المصريين ؟ ستجد أن معظم هذه الأعمال المسماة بالفنية لا تحترم عقل المشاهد، وكلمات الأغاني هابطة إلى درجة إهانة عقل المستمع، وأصبحت الكوميديا تعتمد على الإيفيهات الجنسية والإيحاءات والتصريحات البذيئة لتنتزع الضحك من أفواه المشاهدين، ولا غرابة.. فهؤلاء جميعهم لا يحترمون عقلية المشاهد المصري.
لم يحترم أساتذة الجامعات والقائمون على امتحانات الكلّيات تفاوت درجات ذكاء وتميز طلابهم، فاستشرت الوساطات والتوصيات والمحسوبية، مما ترتب عليه انهيار عملية التعليم الجامعي والبحث العلمي انهيارا تاما، وأصبح خريج الجامعات المصرية لا يتمتع بالاحترام، وشهاداته ومؤهلاته كذلك انحسر احترامها لحساب الجامعات الأجنبية.
لم نحترم – كشعب عربي أغلبه مسلمون – لغتنا العربية، فتسربت في تعليم أبنائنا اللغات الأجنبية، وشكّلت وجدانهم وأضعفت انتماءهم واحترامهم لبلادهم وتاريخهم وثقافتهم، وأصبحت ثقافة الجيل الجديد ثقافة لقيطة غير محترمة؛ لا أمام أنفسهم ولا أمام العالم.
لم يحترم مشرعو القوانين منذ العهد الناصري حتى اليوم حق مالك العقار في التصرف فيه كما يحلو له، وقيدوه بقانون الإيجارات القديم، ومسحوا بحقه البلاط لاستقطاب الغالبية المستأجِرة على حساب ملاك العقارات، واهتبل المستأجرون الفرصة ولم يحترموا حق الملْكية فتمادوا في ظلم الملاك لأن القانون يحميهم، ومن قبل هذا القانون الظالم كانت قوانين التأميم و (الإصلاح) الزراعي وتحديد الملكية كلها قوانين لم تحترم حقوق الناس، وجعلتهم بموجب تطبيقها أعداء بالقانون.

ولأن رب البيت ظل لعهود بالدُّف ضارباً؛ فأهل البيت جميعهم أصبحت شيمتهم الرقص، فالصغير لا يحترم الكبير، والقوي لا يحترم حق الضعيف، والراكب لا يحترم حق السائر في عبور الطريق، وأصحاب العُرس لا يحترمون حق الآخرين في الهدوء، والباعة الجائلون لا يحترمون الرصيف إن وُجِد، وسائقو سيارات الميكروباص والميني باص لا يحترمون قواعد المرور أو السائقين الآخرين، والعامل لا يحترم عمله، والمدرس لا يحترم حق تلاميذه في وقته وجهده لأنه هو نفسه هُضم حقه في دخل يكفل له حياة كريمة، والطبيب لم يحترم حق مريضه في المستشفى الحكومي لأن حقه ضاع ولم يحترم، في ذات الوقت الذي صُعّد فيه لاعبو الكرة والممثلون والرقّاصون؛ واحتُرموا مع أنهم لا يقدمون للمجتمع ما يقدمه الطبيب، والموظف لا يحترم المواطن إلا إذا شخشخ المواطن جيبه ورشاه، والفلاح لا يحترم أرضه فجرّفها وبوّرها وباعها أمتارا للمباني طمعا في المكسب السريع، والقائمون على الانتخابات عبر عشرات السنين لم يحترموا تعهدهم بالنزاهة والشفافية والحياد؛ فكانت كلها انتخابات مزورة صبت دوما في مصلحة الحاكم المستبد ونظامه المفروض بالقوة والقمع وعدم الاحترام، والعديد من ضعاف النفوس لم يحترموا حاجة الناس للسلع المدعمة كالبنزين والسولار والبوتاجاز؛ وتاجروا فيها وهرّبوها، وتسببوا في حدوث الأزمات الراهنة.

أذكر لي سيدي القارئ أية قيمة أو مبدأ احترمناه في مصر عبر سبعة وخمسين الأعوام الماضية؛ أي منذ 1954، ستجد أننا سحقنا - بناء على تصرفات قادتنا وولاة أمورنا - كل المبادئ وكل القيم، ولم نحترم أيا منها، وإلا فأين الإخلاص في العمل ؟ وأين التفاني وأين الانضباط ؟ أين الصدق وأين الإيثار والتضحية ؟ أين حب الوطن والاستعداد لبذل النفس في سبيله ؟ أين إغاثة الملهوف ومساعدة الضعفاء والتكافل والتآزر والتراحم ؟ أين القناعة والرضا ؟ أين وأين وأين... أين الاحترام ؟
لقد أعادت ثورة 25 يناير لنا – نحن المصريين – كثيرا من احترامنا لأنفسنا، ولاستكمالها لتحقق أهدافها؛ لا نحتاج لثورة أخرى كما يحلو للبعض أن يثير هذه الأيام، وإنما مطلوب منا أن نعيد الاحترام بيننا كقيمة سُلبت منا وعُمِّيت علينا طوال فترات الحكم السابقة، ولن يغير الله ما بنا إلا أن نغير ما بأنفسنا...إسلمي يا مصر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.