بقلم مصطفى الغزاوي استردت مصر شبابها، وغلاله من الحيوية والحياة تدب في كل ربوعها، وتجاوز الشباب وبوعي حالة "العجز" التي أصابت مصر الدولة وتكلست نتيجة لها مفاصل العمل الوطني وانسدت الشرايين وكان واجبا أن يكون للثورة مردود الحيوية بالشباب وهو المظهر الأول في أي نشاط عام، الأغاني في الشوارع أو المظاهرات الدامية، كلاهما يستقطب الجميع ولكن الشباب دائماً هم الطلائع، هداياهم علم مصر وكل ما يشير إلى تاريخ الثورة، الثورة باقية فيهم وهذا هو معنى خلود الثورة وهو معنى حيوية الوطن ومبرر بقائه النظر إلى نتائج الانتخابات دون إدراك حقيقة الشباب في مصر الآن، هو هروب إلى اليأس وارتداء للسواد حزنا، وعدم ثقة في القدرة، وإهدار لحق الحياة تشهد مصر في هذه اللحظة حصاد قرارات وأفعال جرت خلال الأشهر العشر الماضية دون أن تكون الثورة حاضرة خلالها إلا في حالة مقاومة أو دفاع عن اتهام السؤال الذي يلقي بظلاله السوداء على الواقع المصري هو: من فعلها؟ وتتباين الإجابات هل فعلها المجلس العسكري وبذكاء شديد؟ هل ما نحياه، تعبيراً عن واقع نجهله، ظهر فجأة ليرث، دون جهد، دم الشهداء وثورة الشعب؟ هل ينتحر الشعب الذي ثار بعد معاناته من فترة إرهاب ما بعد الثورة بالبلطجة وكل أدوات القوة في الدول؟ هل كانت هناك خطة للفوضى؟ وهي التي أعملت أثرها ونفذتها وزارة الداخلية بغياب الرؤية وعجز وزارة تصريف الأعمال؟ هل نحيا مؤامرة بين القرار الذي يمتلكه المجلس العسكري والنخبة السياسية التي ولدت ونمت من رحم النظام السابق؟ سواء كانت معارضة وعملت في عباءته أو هي كانت تعمل تحت إمرته هل تدخلت أيد أجنبية ودفعت بأردوغان إلى المشهد بيد إنجليزية حاملاً رؤية أمريكية؟ هل شاركت السعودية وغيرها في العبث بمقدرات المشهد في مصر عبر تمويل لبعض التنظيمات والتيارات؟ الأسئلة عديدة يلقيها الجميع في مصر، ومن كافة التيارات، وكأن الواقع في مصر يتحرك خارج الإرادات، بقوة القصور الذاتي، دون قدرة على إيقافه ويصل الابتزاز مداه عندما يصرح أحد أعضاء المجلس العسكري بأن الجمعية التأسيسية للدستور يجب أن تخرج تعبيراً عن كل المجتمع في توافق عام وليست من صنع المجلس النيابي المنتخب، وبمعنى آخر أنها لا يجب أن تكون تعبيراً عن أغلبية أو أقلية، فتعلن التنظيمات التي تتصور أنها الأغلبية في المجلس القادم أنها ستخرج إلى الشارع، فيتراجع المجلس العسكري عما أعلنه ابتزاز يدفع الشعب ثمنه من قوته وأمنه وكأن من يملك الحق في التغيير ودفع ثمنه دما، قد تنازل طواعية عن إرادته للقادمين من المجهول عملية ابتزاز تديرها تلك الأغلبية أو الأصوات العالية التي رفضت أن تكون المبادئ الأساسية للدستور سابقة عن الانتخابات وهي ذات الأغلبية التي قامت بتزييف حقيقة استفتاء مارس والانحراف به عن حقيقته إلى الادعاء بأنه اختيار بين " الإسلام " وغيره، وهي في هذا لم تصدق فيما عرضت ولكنه مبدأ الغاية تبرر الوسيلة، حتى الكذب والخداع تحت رايات دينية مباح لن نتمادى في مناقشة مظاهر ونتائج المشكلة دون التعرض للمشكلة ذاتها، وإلى أين وصل بنا المسير بعد عشرة أشهر من خلع الرئيس السابق بداية يجب الاعتراف أن المجلس العسكري أدار المرحلة بذكاء شديد دافعاً إلى حالة من التشتت أو هو وضع الجميع في منطقة "القتل" من النيران الصديقة ولم يتوان المجلس عن الدفع بنيرانه وقدراته لتحجيم أي حركة تخرج عن المسار أو تتجاوز حدود رسمت لها، وبكل العنف ودون رادع وكانت النتيجة مكونات ثلاث للمشهد في مصر الآن وهي المجلس العسكري ذاته، التنظيمات الدينية، وعناصر الثورة من الشباب ممن أنجاهم وعيهم من فتنة تداول السلطة فوق جثة الثورة وركام أهدافها الفاعل والمخطط الداخلي: هو المجلس العسكري الأداة: هي التنظيمات الدينيه الهدف: تفريغ الثورة من المضمون وتجميد الموقف بعيدا عن تحقيق التغيير المنشود وحصار الشعب دون أن يضع إرادته هي الفاعل في بناء الوطن ويبدو الهدف ذات هدف المخطط الخارجي وليس هناك حتى اللحظة من المعلومات ما يفسر حالة التطابق بين إرادة القرار الداخلي ورغبة القوى الخارجيه ولعلنا ندرك أن الشعب وعناصره الفاعلة كانوا في حالة من السيولة دون تنظيم، الأمر الذي كان إيجابياً قبل الثاني عشر من فبراير 2011، وأصبح عيبا ونقيصة سلبية بعد ذلك اليوم الذي توقف فيه الصدام مع النظام وأداته المباشرة المتمثلة في وزارة الداخلية، واعتقد الشعب في تلك اللحظة أن مهمته قد تحققت، وترك لمن أعلن بشرف العسكرية المصرية أنه " يتفهم مشروعية المطالب الشعبية " ويومها لم يتساءل أحد عن ماهية هذه المطالب التي يتفهمونها، وتكتم كل طرف من الأطراف تفسيره للأمر داخله خشية أن يعلم به الطرف الآخر فينقلب عليه في لحظة صمت القتال، ولملمة النفس لاستيعاب ما حدث رصدنا من قبل أن المطلب الأمريكي كان سرعة تسليم السلطة من "العسكر" إلى "سلطة مدنية"، ودقت الدفوف بنغمة " المدنية " في مواجهة "الدينية" واستدرج الشعب إلى ألوان جديدة من الخصومة، تارة دفاعا عن "المدنية" بمعنى الدستور والقانون، ثم دفاعا عن هويته الدينية التي صار لها كهنة جدد يمنحون صكوك الدين ويمنعونها، وجرى الترويج لديمقراطية " البديل " بعد استبدال الخصومة والتحدي، وأصبح البديل بقايا الحزب الوطني السابق الذين ترك لهم الباب مفتوحا على مصراعيه لإعادة ترتيب أوراقهم، وانضم إلى "البديل" تنظيمات خرجت من ظلام عاشت فيه خلال الفترة الماضية هربا من البطش والمعتقلات أو استجابة لفتوى عدم جواز الخروج على الحاكم طالما يسمح بالصلاة!، وتمكنت تلك العناصر تحت ستار الظلام أن تصنع تنظيمات متعددة ترفع شعارات دينية ولا تملك حلا اجتماعيا غير الإحسان، ولا حلا ديمقراطيا سوى الإقصاء، وغير هذا من حلو الحديث.. هو مجرد كلمات لا تحمل مضمونا ولا تخرج عن تجربة ولا تفسح للبناء فسحة الوقت التي يحتاجها0 أتت المرحلة الأولى من الانتخابات بما يمنون به أنفسهم، ولم تتم المراحل التالية بعد حتى تكتمل الصورة وتبين حقيقة ما جرى الإعداد له. القراءة الأولية لنتائج الانتخابات ليست بالصورة الباعثة على اليأس إن تأملناها سقطت الأحزاب القديمة في هذه المرحلة، وتجاوز الحدث أيضا النخبة القديمه وفي ذات الوقت فقد أخرجت الانتخابات كل ما في جوف الأرض من تنظيمات وتشكيلات كانت مجهولة المضمون وطبيعة التكوين، أخرجتهم إلى النور ولم تعد ذلك الوهم "الأمل" ولا هم بالوهم "القدرة" وكأن معركة: إسقاط النظام السابق مازالت تواجه "تنظيمات المجهول" الكائنة في أرض الوطن والتي لا تعرض إلا لصدام جديد مع الشعب تكاد تبدو ساحة مصر مماثلة لساحة "قلعة صلاح الدين" في القاهرة ويبدو المجلس العسكري وكأنه يلعب دور "محمد علي"، وكل من المجلس الاستشاري للمجلس العسكري والتنظيمات الدينية يلعبان دور "المماليك" في مشهد مذبحة القلعة منذ مائتي عام ولم تغلق أبواب القلعة بعد ومازال المماليك جالسين إلى الموائد يتناولون طعامهم الأخير، ومازالت الرصاصات في بنادقها لم تتلق إشارة القتل ومازال الشعب خارج الصراع يبحث عن "العيش" أول أهدافه التي تمثلت في شعار الثورة (الخير- الحرية – العدالة الاجتماعية ) مشهد قد يأخذ بعض الوقت في "هدنة التربص" بين أطرافه وكل يلاعب الآخر دون اشتباك في هدوء ما يسبق العاصفة خارج هذه الثنائية يبني الشباب نفسه، يلتقي يتحاور يتعارف ولم يصل بعد إلى حالة التنظيم القادرة على حشد القدرة وإمكانية الفعل، ويصور أحد الأصدقاء صورة التحرير وشارع محمد محمود المؤدي إلى وزارة الداخلية يوم 19نوفمبر الماضي بأنها حفل "انتحار جماعي" فموجات الشباب تهاجم الشرطة المدججة بكل ألوان السلاح، وتبدو موجات الهجوم وكأنها منظمة ولها قائد واع بما يفعل، ويملك الخطط وبدائلها وليست مجرد عمل عشوائي، ويلازم الهجمات حركة الإسعاف وسحب الإصابات إلى المستشفى الميداني بالدراجات البخارية ووسط الدخان والدم وطلقات الرصاص والإصابات المتعمدة في الأعين يصرخ شاب بفتاة من جيله عودي إلى الخلف لتعيدي بناء الوطن ودعينا نطهره لك بالدم هكذا هي مصر الآن شباب يطهرها بالدم ويرى ذلك طريقة لبناء الوطن، ومازالت رصاصات مذبحة القلعة في بنادقها لم تنطلق بعد فهل سيمضي وقت طويل بدم كثير لنعيد بناء مصر ونخلعها من هجمة التتار داخلياً وخارجياً الذي يحرق الزرع ويقتل النسل ويلقي بالكتب في البحر لتعبر عليه سنابك خيله