بقلم مصطفى الغزاوي الشعب يملك الجسارة في شبابه والشباب يريد تحقيق مصر القوية ليس هناك سبيل لإعادة عجلة التغيير إلى الوراء. وكل ما يجري على أرض مصر، محاولات خارج مسار التاريخ وليس لها إلا أحد نتيجتين: إما انتصار الثورة رغم محاولات البعض لإلغاء تعبير انتصار الثورة وكأن نتائج أي صراع غير الانتصار أو الهزيمة أو حمام دم يزيح طليعة الشعب من الشباب الثائر . المواجهة منذ 11 فبراير كانت على محورين الاعتقالات والمحاكمات العسكرية السريعة لكل من تطال أيديهم. المحور الثاني إرهاب الشعب في خطة منظمة، وإطلاق الإعلام لتغيير المفاهيم حول الوقائع. حرب نفسيه وحرب مادية والهدف واحد إخراج الشعب من معادلة القوة في المجتمع . الكل في مصر يتكلم، ولم يعد هناك من يخفي وجهة، فالجميع يحارب معركته الأخيرة، عدا هذا الشباب الصابر والقابض على ثورته كالقابض على الجمر . الصراع في مصر، وعلى مصر دار دورات كثيرة عبر التاريخ، البعض منها انتصر فيها الشعب، والبعض الآخر انتصرت فيها قوى معادية للشعب، وقد يكون في الحساب بعدد السنين أن أزمنة انتصار الشعب أقل بكثير من أزمنة سيادة أعدائه، ولكن دوما كانت الفترات البينية فترات إعداد وتجهيز، ولم يتوانى أعداء الشعب في الداخل والخارج من العمل أولا على تفريغ انتصار الشعب من مضمونه ومن بعد ذلك حصاره والإجهاز عليه حياة الشعب فوق تراب مصر قصة صراع منذ بدأ الخليقة، والصراع تتحدد نتيجته بكلمتي النصر والهزيمة، وليس هناك فرصة للتعايش بين طرفي الصراع، ولكن ما يعتقده البعض هدنة في الصراع، هي فترات لإعادة تقييم المواقف والإعداد لجولة جديدة، سواء أدرك هذا أطراف الصراع أم أن أحدا يدعي أنه الموات والنهاية . دائما كان هناك الفرعون، وكان هناك كهنة المعبد، كان الفرعون تارة قائدا عسكريا أو كان حكيما، أو كان موحدا، ولكن كهنة المعبد كانوا ذاتهم، ولم يكونوا الوطن ولا حتى الفرعون، فالفرعون أداة إن هي استهلكت أنقلب الكهنة عليه وربما قتلوه وهم الذين نصبوه إلها . وهكذا صار الكهنة تعبيرا عن مصالح غير مصالح الشعب، ومن بينهم تخرج الخيانة للإله الفرعون الذي صنعوه ليحقق لهم مصالحهم . ويتلون الكهنة حسب المواقف، ولا تعنيهم حمامات الدم، بل قد يصنعوها في بعض المراحل ليوطدوا مكانتهم. لم يخرج منهم قائد عبر التاريخ، وكان دائما القائد يخرج من الشعب، سواء للعدل أو للتحرير، فلم يرصد التاريخ حملة لمواجهة الظلم أو العدو المحتل خرجت من المعابد وقادها الكهنة . كان الفرعون ينصب ابنه كبيرا للكهنة حتى بأمن شرهم، وليضمن أن ينصب الابن بعد وفاته ملكا، فقد كان الحكم يؤول إلى ابنة الفرعون وكان عليها أن تتزوج كبير الكهنة، هكذا كانت المناورات المضادة بين الفرعون وبين الكهنة . ومع تطور المجتمع وعبر عصوره تغير مسمى الكهنة، ولكن تغير الاسم لم يكن يعني تغير طبيعة الرابط بينهم وبين غاياتهم، والذي كان دائما "مصلحة غير مصلحة الشعب ". اتخذ خط المصالح مسارا رأسيا، من رأس المجتمع ممتدا داخل طبقاته إلى قاع المجتمع، حتى تجد فيمن يدفعون ثمن العبودية والظلم من يكون "مدعيا الكهانة أكثر من الكهنة"، تتعجب أنه يتحدث بلسانهم مدافعا عنهم بينما هو لا يجد لقمة العيش الكريمة، ويستطيب الاستعباد . وفي زمننا قد تجده موظفا أو طالبا أو عاملا أو مهنيا بل والأدهى قد يكون مرتديا مسوحا دينيا، فالشعب الذي نادي بالتوحيد قبل إبراهيم أبو الأنبياء، على يد اخناتون، يجري في عروقه الدين مجرى الدم . دورة التاريخ التي نحياها خرج فيها الشعب لمواجهة الطغيان والفساد ولم تكن المؤشرات توحي أن الثورة قادمة ولا حتى أثناء المواجهة أنها ثورة شعب لن يتراجع . المفاجأة أخذت بعقول الكثيرين في الداخل والخارج، وكان من الضروري أن يمضي بعض الوقت ليجمعوا شتاتهم ولبناء مواقفهم لمواجهة المتغيرات التي جرت، ذات أداء الكهنة عبر التاريخ . مصر الآن تضع أملها في هؤلاء الشباب الذين لا نعلم أسماءهم، ولا ندرك وجوههم، فهم جنود المشاة في معركة دورة التاريخ الجديدة . عرقهم عطر عرس الحرية، ودمائهم تزين وجه العروس مصر . يأخذ البعض على الشباب أن هناك عشرات التشكيلات التي أعلن عنها، ويأخذون عليهم أنها دلالة انقسام، وأراها دلالة عدم ثقة فيما هو معروض عليهم مما سبق الثورة من تشكيلات أو أشخاص، وهي أيضا محاولات لتنظيم الجهد، وهي ثالثا محاولات لإضافة عمق الرؤية إلى الأداء العملي . نعم كانت محاولات الفصل بين الشباب والشعب هي الفتنة الأولى التي جرى صياغتها للانحراف بالثورة، والآن يخرج علينا المتحدثون من الحركة الرامية لإجهاض الثورة في تنظيمي الإخوان وحزب الوسط الدينيان لمحاولة اغتيال أداء الشباب . انضم التنظيمان اللذان ما كان لهما وجود من دون الثورة إلى الجانب الآخر المضاد للثورة، وصار المبدأ الحاكم لحركتهم ومواقفهم هو مجرد الوجود، وأكدا أن غياب المشروع السياسي لديهما يتجاوز حدود الاتهام بعجز في الرؤية، إلى خطورة الأداء، ولا أتوقع أنهم ومن على شاكلتهم سيبقون في الحلبة السياسية طويلا، وتحددت مهمة التطهير القادمة أمام حركة الثورة في مواجهتهم، ليس رغبة في الافتراق ولكنها خنادق الصراع وقواه تفرض نفسها . من يتابع وقائع الأسبوع الماضي بين يومي 8 يوليو و15 يوليو، يدرك أن خروج الشعب يوم 8 يوليو أصاب المتواطئين والمتباطئين بنوبة هيجان تدلل على حجم الوعي الغائب وعلى عدم القدرة السياسية . حكومة الدكتور عصام شرف سقطت، وأيضا اتضح للجميع عداه هو شخصيا أنه ليس رجل المهمة، وسيمر بعض الوقت حتى يدرك شرف وجوب الاستقالة، فكل ما نقل عن مشاوراته لتشكيل وزارة جديدة يؤكد أنه بلا رؤية وأنه عبء على الثورة ومهامها . وبيان المجلس العسكري الذي ألقاه اللواء الفنجري أضفي بعدا جديدا من التوتر على المناخ العام، ودقت طبول الكهنة فرحا، وخرج الإعلام كاشفا أنه مازال في حاجة إلى التطهير، فموجة التحريض التي يمارسها الإعلام في مصر تكشف أنه مستقر في خندق معاد للثورة . المهمة الحالية أمام الثورة هي إقالة شرف وحكومته، ومن ناحية أخرى أن تصل رؤية الثورة واضحة للمجلس العسكري، والتي يعبر عنها شعار الخبز الحرية والعدالة الاجتماعية . على الثوار اتباع تكتيك مداه التقدم حتى التلامس بأطراف الأصابع، ومن ثم التراجع، وهو تكتيك الوجود لإعادة الوعي لدى الأطراف الأخرى، وليس تكتيك الاشتباك الكامل، لأن الاشتباك بالإضراب أو العصيان المدني يفرض مهام أخرى باتجاه حشد كل المجتمع، لا يتأتى إلا بالتواصل الكامل مع قوى المجتمع المؤثرة، وهو ما لم يكتمل بعد، ومازال متروكا للتداعي الذاتي . لم يكتف المجلس العسكري بالبيان ولكنه ألحقه بمؤتمر صحفي، ومن بعده توالت المشاهد من جمع لتوكيلات لتأييد المجلس ومظاهرات بمصر الجديدة لتأييده، واقتحام للاعتصام بمدينة طنطا، وأخيرا دخول اللواء المهدي المكلف بالإعلام إلى التحرير لمناقشة المعتصمين والمعتصمون يرفضونه ويرفضون سماعه، بعد اتهامه لبعضهم بالخيانة . مشاهد تؤكد خطأ في إدارة الموقف، كتب عنها الكاتب الصحفي جلال عامر "ثورة لها جسد وبلا رأس ومجلس عسكري له رأس وبلا ثورة ". بهذه التصرفات وضع المجلس العسكري نفسه طرفا في مواجهة الشعب . العلاقة بين حركة الشعب والمجلس العسكري ليست مسؤولية الشعب وحده، بل مسؤولية المجلس العسكري أيضا، فمن غير المقبول التغاضي عن وقائع الأشهر الماضية منذ إزاحة مبارك، وخلالها لم يقدم المجلس العسكري ما يبني العلاقة مع الشعب، بل دخل في يقين كل المراقبين أن انحياز المجلس للنظام القديم قائم على نحو تعاملاته مع قضايا الفساد ودخل شريكا معه في هذا النائب العام، وأخطر من هذا وضع المجلس العسكري أمر الثورة بيد لجنة البشري والإخوان المسلمين وهو ما حاول المجلس نفيه، ولكن وقائع الأمور كانت تدلل على ذلك رغم هذا النفي، وغير هذا لم يفصل المجلس بين العناصر المنتمية للثورة وبين البلطجية، بل كانت المحاكمات العسكرية تطول شباب الثورة ولا تطول أركان النظام . المجلس مطالب أن يقدم دليلا على الاستيعاب السياسي لمتطلبات الثورة، وأن يعدل عن انحيازاته، وأن ينحاز للثورة ولا يلقي بها فريسة لادعاءات تنظيمات وكيانات سقطت مع الثورة كما سقط الحزب الحاكم، بما في ذلك الكيانات التي اكتسبت الوجود العلني بقيام الثورة . الاحتياج في اللحظة أن تكون ممارسات المجلس العسكري وقراراته لصالح الثورة . لا تختزل الثورة في رؤية ممدوح شاهين والبشري ومن ورائه الإخوان، هناك 45 مليون مصري تحت خط الفقر، لن تخدمهم محاكمات الفساد وحدها ولا حقوق الشهداء والمصابين المهدرة، ولكن يحققها الاستيعاب الجاد لمدلول شعار الثورة "الخبز الحرية العدالة الاجتماعية ". نحن نحتاج لإعلان سياسي يوضح ماذا تعنون بأنكم مع الشعب، واستمرار الأمور مبنية للمجهول تزيد عمق الاختلاف وتآكل الثقة، والسؤال لمصلحة من غياب الرؤية؟ كيف ترون الفترة الانتقالية التي انقضي منها ستة أشهر، ولا شيء يتحقق إلا بجهد من الشعب وتضحيات، بينما هناك حملات معادية لمطالب الشعب واحتياجات . الحياد بين الشعب وأعداء الثورة انحياز مضاد للشعب . تطهير الإعلام والقضاء والجامعات وإدارة الدولة مهام لم تتم بعد. ولا يمكن إتمامها إلا برؤية سياسية تتبني مدلولات التغيير، والثورة أيها السادة علم تغيير المجتمع، وليس مجرد إزاحة نظام حكم، ولكنها بناء مجتمع بالوعي والإرادة . وهناك الفساد السياسي، وهو ينطبق على كل من راوغ الشعب طوال الحكم السابق، ويشمل من كانوا بعيدين شكلا عن الحزب الحاكم، وينضوون فعلا داخل عباءته، وأولئك الذين فاوضوا النظام وأمن الدولة لينالوا حظا من الوجود، هؤلاء لا تصلح معهم توبة فهم يأكلون على كل الموائد، وهم اليوم أقرب إلى مجلسكم من الشعب، ومكانهم محكمة الفساد السياسي، فلا تستبدلوا الشعب بهؤلاء . الشعب يملك الجسارة في شبابه، والشباب يريد تحقيق مصر القوية، فهل تدفعون بشباب مصر وذخيرة المستقبل فيها إلى أن يشق طريقة عنوة فوق بحر من الدم، ويومها لا عاصم من غضبة الشعب . لست يا أمير الحكم، فلا تصالح مع الفساد، مهما تعددت مناوراتكم . وكأننا بأمل دنقل ينقل صرخة شهدائنا: هل يصير دمي -بين عينيك- ماءً؟، أتنسى ردائي الملطَّخَ بالدماء، تلبس -فوق دمائي- ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟ لا تنسوا أن شعب مصر في رباط إلى يوم الدين، ودورة التاريخ هذه لصالح الشعب وإن طال الزمن