ربما اعتقد البعض أن مصطلح النخبة ، مصطلح خاطىء فلا يوجد شىء اسمه النخبة ،وإنماهو الإجماع فيماهو متفق عليه بين الناس ، وأن النخبة كثيرا ما يكونون مجموعة من المتفلسفين ، الذين يكثرون من الكلام فى كل وسيلة من وسائل الإعلام ، ويزعجون اّذاننا بكثرة كلامهم ومصطلحاتهم الكبيرة . فى البداية دعنا من الأزمات السياسية وما فيها ، لنحاول فقط أن نستوعب هذا المصطلح الذى ازعجنا به البعض كثيرا فى تلك الفترة . كلمة النخبة من مادة نخب : انتخب الشيء : اختاره . ونخبة القوم ونخبتهم : خيارهم . فالنخبة تعنى المختار من كل شىء أى أفضل الشىء ، والأفضلية تعنى هنا التخصص والدراسة ، فمثلا إن كنا سنتحدث عن النخبة الدينية فهى تعنى فقهاء الدين ،فلايجوز لشخص عادى أن يتحدث فى قضية فقهية لا يعلم فيها شىء وبجواره فقيه شرعى ، وكذلك الفتاوى القضائية أو العلمية ، فلو اننا سنتحدث فى مسألة فزيائية ليس من المعقول ان أسأل رجل فى الشارع وأترك عالم الفزياء ، فكل علم له نخبته الخاصة به ،وهم أهل الشورى والفهم فى تخصصهم ، وكذلك النبى صلى الله عليه وسلم كان أحيانا يستشيرالصحابة جميعهم مثلما حدث فى غزوة بدر وغزوة أحد وأحيانا كان يستشير أصحابه المقربين مما رسخ بعد ذلك مبدأ للخلفاء بأن يجعلوا لهم أهل الشورى ، فكل شىء ليس دليل الاجماع عليه هو الفيصل ، ولكن هناك أشياء يكون الفيصل فيها هو أهل التخصص، نعود الآن إلى نقطة الخلاف ، فالنخبة فى أى مجال أمر طبيعى ان يحدث خلاف فى وجهات النظر فالرأى ليس واحد أبدا ولكن دوما قواعد الاستنباط والأساس واحد ، فالخلافات الفقهية بين الأئمة الأربعة لاتنفى عن الأمة الأربعة علمهم وقدرهم بل تزيد الدين اتساعا ورحمة ، والخلافات بين اصحاب العلم الواحد لا تخرجهم من كونهم نخبة هذا العلم ويظل رأيهم مقدم على رأى العامة . والمعضلة الآن فى درجة تفاوت العلم والخبرة عند النخبة ، لذا وجب ان نوضح عدة مفاهيم لنستوعب تلك المراحل : المتخصص : هو طالب علم صرف قضى عمرا فى دراسة تخصص من التخصصات العملية مثل الكيمياء وإدارة الأعمال وغيرها من العلوم . العالم : هو شخص برع فى تخصص من التخصصات حتى فاق أقرانه . المُصلح : هو شخص لديه رؤى وأفكار إصلاحية ذات طابع سياسى أو أخلاقى أو إجتماعى ، وهو يستتند فى العادة إلى الرصيد العقائدى والثقافى الموجود لدى امته ، فهو لايثور على وضع أكثرمن كونه يجدد الأوضاع وفق العادات والتقاليد والدين ، ويغلب على أفكاره الطابع النهضوى وليس الفلسفى . والشىء الأقرب إلى هذا النوع هم الإعلاميين وأصحاب النقد الأدبى . الداعية : شخص لديه علم وفكر وهم إصلاحى وعلمه الأساسى هو طريقة التبليغ ودفع الناس إلى طريق الصلاح ، لكنه لا يُنتج أفكار ومفاهيم . المثقف : شخص تجاوز تخصصه الأساسى ، ووسع دائرة إهتمامه على صعيد القراءة والمطالعة ، وهوفى الوقت ذاته يملك ملاحظات نقدية ، وينتج بعض المفاهيم ذات الطابع النقدى والعلاجى . ويمكن اضافة مصطلح المثقف الحقيقى وهو صاحب دور ثقافى ونضالى للوقوف بجانب الحق ، ونقد الممارسات الإجتماعية والإدارية والسياسية الخاطئة ، إلى جانب امتلاك روح التضحية بالكثير من مصالحه من أجل الجهر بأراءه ومعتقداته وأفكاره . الفيلسوف :يختلف الفيلسوف اختلافا ظاهرا عما سبق وذلك لأن الفلسفة تعنى حب الحكمة ، لذلك فالفلسفة تلبى احتياجات العقل عكس العلم فهو يلبى احتياجات الناس . والشىء الواضح فى كل تلك الأنواع أنه ينبغى أن تنعم بالإستقلالية الفكرية واستقلالية المحيط عما يدور حوله ، فهو يبحث فى ضوء مقدماته ونتائجه بعيد عن كلام الناس . فكل تلك الأنواع وغيرها تمثل النخبة المجتمعية لكافة طوائف الشعب ، فكل شخص يحمل خبرة فى مجالة فهو يمثل جزء من تلك النخبة ، فالنخبة كثيرةعلى مستوى المجتمعة قليلة على مستوى المجال أو العلم الواحد . وليس معنى اساءة البعض وتشويهم لمصطلح النخبة أن هذاالمصطلح مبالغ فيه ، ولكنه موجود وواقع لا بد منه ، أما ما يجب على الجميع استيعابه أنالنخبة تشمل كل الطوائف وليست حكرا على أحد فلليبراليين نخبتهم وللإسلاميين نخبتهم ولكل فصيل نخبته ، ليست النخبة حكرا على فصيل ،فالنخبة حكرا على متخصصوها وليس على فصيل محدد ، وليس معنى إساءة البعض سقوط الكل . مثل المذاهب الأربعة كان لكل مذهب من المذاهب مشايخه وعللمائة اختلفوا فى بعض الأحكام ولكن بقى احترام وقبله احترام العلم . لذا فمن يزعم عدم وجود النخبة فهو بلا ادنى شك واهم ، لأن هذا من مسلمات القدر ، ان يصبح لكل علم المنشغلون به أكثر من أى أحد ، ويصبح رأيهم بصفتهم أهل التخصص مقدم على أى رأى ، فلاتقنعنى أنك إذا أردت ان تحل مشاكلنا الإفتصادية ، ستترك الإقتصاديين وتذهب إلى دكتور بشرى كبير لكى تستشيره !!، فكل علم أحق به أهله حتى وإن اختلفوا فالخلاف أهون ألف مرة من سؤال الجاهل .