عقد مركز تاريخ الأهرام ندوة هامة تحت عنوان أزمة النخبة المثقفة في مصر تحدث فيها كل من د. رفعت لقوشة أستاذ الاقتصاد بجامعة الإسكندرية, كمال زاخر, ونبيل عبدالفتاح مدير مركز تاريخ الأهرام, والفنان عادل السيوي, وأدار الندوة د. محمد بدوي الأستاذ بكلية الآداب جامعة القاهرة.. وبدأ د. محمد بدوي الندوة بالتأكيد علي أن الجماعة الثقافية المصرية تعيش لحظة بالغة الضبابية والخطورة منذ تأسيسها مع بداية القرن العشرين, إذ لم نصل إلي زمن أبعد, وهذه الجماعة الثقافية تواجه مشكلات عديدة, بعضها مشكلات داخلها كنخبة ثقافية, وبعضها مشكلات في علاقتها بالعالم, وبعضها مشكلات في علاقتها بأدوات المعرفة التي تتطور علي نحو سريع جدا, ويجد الكثير من أبناء هذه النخبة أنفسهم متخلفين عن ركبها, وهناك الإشكالية التقليدية جدا, وهي العلاقة بجهاز الإدارة أو بالدولة. وفي كلمته طرح د. رفعت لقوشة عدة ملاحظات للمناقشة, فتحدث عن منظوره للإشكاليات التي تواجهها النخبة الثقافية المصرية, فقال: أنا أتصور أن النخبة في مصر في أزمة حقيقية, ورؤيتي أنها أضعف نخبة عرفتها مصر منذ تشكيل دولة محمد علي, والسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل لدينا نخبة مثقفة تطرح أفكارا جديدة بالفعل, أم لدينا صفوة مثقفة تحتكر لنفسها الامتيازات, وربما أيضا تتداولها؟ ومجرد طرح هذا السؤال يؤكد أن النخبة في مصر في أزمة.. وألحظ درجة ما من التسطيح في أداء هذه النخبة, وأري أن أغلب هذه النخبة لا تبذل جهدا في العمق بحثا عن الجذور. وأضاف: ومن أزمات النخبة, أني أتصور أن جيل الإنترنت أوقعها في مأزق, فقد طرح أسئلة علي هذه النخبة, وأعتقد أنها عجزت عن أن تقدم له إجابات, فالنخبة في مصر عاجزة عن أن تمسك بالقمة, جديدة علي أسئلة قديمة, أو أن تقدم إجابات جديدة علي أسئلة جديدة, وفي أزمة هذه النخبة لم يبق إلا أحد خيارين سوف نجد أنفسنا عند أحدهما, فإما أنه سوف يتم تحنيط هذه النخبة كما هي, أن أن يأتي الحديث عن نخبة جديدة تحتل موقع الفعل وتأثيره. أما د. كمال زاخر فقال: أشكر الأهرام علي إثارة هذا الموضوع في الوقت الحالي, وأنا أري أن المشكلة هي أن هذه النخبة خرجت من أرضية تم تفتيتها وتهميشها بشكل غير عادي, وبالتالي فنحن نجني ثمار نصف قرن من التسطيح وضرب التعليم والمدخلات التي تكون الوجدان والعقل الجمعي, وهناك شواهد تقول إن هذا حدث عن عمد. وأضاف: الشيء الثاني أني أتصور أن أزمة النخبة ليس فيما تنتجه, ولكن في اختيارها للتنظير بشكل مطلق, فأصبح هو الوسيلة والهدف, فوصلنا إلي انعزال النخبة عن هموم الشارع, ولذلك فلم يعد لها تأثير, وأصبح من هم أقل منها أكثر تأثيرا لأن أفرادها يتحدثون إلي الناس باللغة التي يفهمونها وتلمس مشكلاتهم التي يعيشونها, كذلك أري أن هناك شيئين أبعدا النخبة أيضا, أولهما أن النخب تغازل السياسة وهذا ليس مطلوبا منها, فالمطلوب أن تقول رؤيتها وهي أكثر قدرة علي تحليل مشكلات المجتمع وتقديم الحلول التي يمكن أن تكون قابلة للتطبيق, والشئ الثاني أن قسما آخر من النخبة استثمر موقعه بالمعني المادي, وما بين مغازلة السياسة والاستثمار المادي وقعت النخبة في مأزق لا تستطيع الخروج منه, لهذا فقد فقدت التأثير. أما نبيل عبد الفتاح فقد لفت إلي عدة ملاحظات بدأها بالتساؤل: هل نحن بصدد أزمة بالفعل؟.. وهل هي أزمة ممتدة أم أننا إزاء ما يمكن أن نطلق عليه مسألة وليس أزمة عارضة أو ممتدة؟.. وأكد أننا تقدمنا الآن مرحلة الأزمة الممتدة, ومن ثم فنحن إزاء مسألة ذات جذور تاريخية وتكوينية ليست فقط في الثقافة المصرية. وأشار إلي أن طرح هذه المشكلة الآن يرجع إلي أن هناك مؤشرات- علي الصعيد المصري- علي تراجع في أدوار بعض المثقفين في المجال العام, وذلك كنتاج مباشر لضعف الفعالية والقدرة علي التأثير علي عملية صناعة القرارات السياسية علي اختلافها, وأيضا لوجود فجوة بين المثقف والدوائر الاجتماعية, وأيضا بعض المثقفين السابقين الذين تحالفوا مع السلطات السياسية وأحزاب المعارضة وتحولوا من دور المثقف النقدي إلي دور المبررين الموالين للنظام, وأيضا التهميش القسري للمثقفين النقديين, لكن أخطر ما في هذه الحالة التي تثير أزمة النخبة الثقافية في مصر هو شيوع الإحساس باللاجدوي وبعض من اليأس لدي بعض المثقفين كنتاج للجمود والشيخوخة الجيلية والسياسية في مصر والعالم العربي, وأيضا بروز مجموعة من شبكات المصالح بين قادة وأتباع وموالي المؤسسات الثقافية والرسمية التي تدير العلاقات الثقافية العربية والبينية علي أساس مجموعة من التحالفات والمصالح. أما الفنان عادل السيوي, فقد قال في كلمته: أنا أعتقد أن من يتحدث عن طبيعة أزمة فهو يتخيل نفسه خارجها, وهذه مشكلة كبيرة, ففي مدارس التحليل النفسي يجب أن يضع المحلل النفسي نفسه في مأزق من يحلله, فيعتبر نفسه هو أيضا وكأنه مختل قبل أن يحلل الآخر, وأنا جزء من هذا الواقع المأزوم, ولابد أن أعكس في أطروحاتي وتفكيري جزءا من واقعي, وأنا أري أن هناك إمكانية ما لرؤية الأزمة, ولكن هذه الإمكانية تتطلب شجاعة من المأزومين أنفسهم, فنعترف أولا بأننا أبناء أزمة, ثم نتحدث عن كيفية النظر إليها بما لدينا من أدوات غير كافية, ولنري كيف يمكن مراجعة المواقف والأفكار وطرق طرح المسائل. وأضاف: أما عن طبيعة الأزمة فأنا لست متشائما رغم الكلام السابق, وعلي الرغم من أن المثقف في الوقت الحالي موجود رغم غياب مشروعه, فهو لا يمتلك ذ- سياسي أو إبداعي, ولكني أبني تفاؤلي علي عنصر مهم, وهو أنه ليس أمام النخب المصرية إلا الانحياز مرة أخري في غياب مشروع للدولة,.