نحن من أفضل الشعوب التى تصك المصطلحات مثلما تصك العملات بدون أن تحدد معناها، وإنما تصنع الكلمة ثم تغرق فى بحر دلالاتها، وهذا ما توصلت إليه دراسة مهمة أجرها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية حول قضايا المواطنة، حيث تبين أن النخبة نفسها لا تعرف حدود وأبعاد هذه القضية الأكثر تداولاً فى إعلامنا وصحفنا. الدراسة عبارة عن استطلاع لرأى المثقفين والكتاب وأعضاء مجلس الشعب والقضاه وقادة المجتمع المدنى وأساتذة الجامعة، وقد أشرف عليها الدكتور إبراهيم البيومى غانم الخبير بالمركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية.. وتم تنظيم ورشة لمناقشة نتائج هذا الاستطلاع بالمركز حضرها الدكتور على المصيلحي وزير التضامن الاجتماعي، والمفكر السيد ياسين، والدكتورة نجوى خليل، وعدد من الباحثين. تكشف الدراسة عن وجود اختلاف فى الآراء بين النخبة حول تعريف معنى المواطنة، فهناك من يرى أنها تشير إلى الحقوق والواجبات الواردة فى الدستور فى إطار ما نص عليه من أن جميع المواطنين متساوين، والرأي الثاني يذهب إلى أن المواطنة تعبر عن الرابطة التى تجمع بين المصريين نتيجة كفاحهم الوطنى المشترك من أجل الاستقلال وبناء الدولة الحديثة، ورأى ثالث يطرح هذه القضية من منظور طائفى ضيق أى الوحدة بين المسلمين والأقباط داخل جنبات الوطن، ويعمل تحت شعارات حقوق الإنسان والأقليات والحريات الدينية، ويعمل هذا الرأي مستنداً على الآلة الإعلامية، ومدعوماً بقوى خارجية تعبث بهدوء الوطن، ووجدت الدراسة أن 69% من النخبة يذهبون إلى الرأى الأول حيث يرون أن المواطنة تعنى الحقوق والواجبات، ورأت 65,9% من العينة أن أهم الحقوق التى يمارسها المواطن هى حرية التعبير، وذكر 44% أن المصريين يمارسون حق الترشح فى الانتخابات، وفى إطار ذلك رأى 43,2% من النخبة أن فئة قليلة من فئات المجتمع هى التى تتمتع بالمواطنة، بينما رأى 34,7% أن معظم فئات المجتمع تتمتع بالديمقراطية فى حين قال 22,2% أن كل فئات المجتمع تتمتع بالديمقراطية. وتحذر الدراسة من نتيجة خطيرة توصلت إليها عبر استطلاع آراء النخبة وهى أن قضية المواطنة قد طفت على السطح بهذا الشكل فى الآونة الأخيرة بسبب الضغوط الخارجية وذلك بنسبة 24,6%، وازدياد نشاط المجتمع المدنى الذى يحصل على تمويل من الخارج بنسبة 23,4%، حيث رأى البعض أن هناك علاقة بين التمويل الأجنبى لبعض مؤسسات المجتمع المدنى وزيادة نشاطها فى الدفاع عن حقوق الإنسان والمواطنة والحريات العامة، بينما أرجع البعض سر تنامي الاهتمام بالمواطنة إلى زيادة حرية التعبر فى وسائل الإعلام بنسبة 40,1%. كما أكد 85,4% من العينة المختارة أنه هناك مشكلات كثيرة تحول دون تطور المواطنة فى مصر، بينما رأى 14% أنه لا توجد مشكلات وهؤلاء أعضاء فى الحزب الوطنى، أما هذه المشكلات فهى كالتالى سلبية المواطن بنسبة 86,6%، والفساد بنسبة 86,3%، وانخفاض مستوى المعيشة بنسبة 81,8%، وتدهور التعليم بنسبة 80%، والروتين الحكومي بنسبة 79,8%، وقانون الطوارىء بنسبة 78,8%، وسوء الخدمات الصحية بنسبة 75,9%، كما أرجعت غالبية النخبة المدروسة مسئولية معالجة مشكلات المواطنة إلى الحكومة بنسبة 87,7%، حيث يرون أن معظم عوائق تطبيق المواطنة تعود إلى سياسات الحكومة وليس إلى جهود الأفراد. وكشفت الدراسة عن ضآلة المعرفة القانونية بموضوع المواطنة لدى النخبة، فبينما أكد 53,3% منهم أنه هناك قوانين تعوق المواطنة فإنه بسؤالهم عن هذه القوانين اتضح أن نسبة كبيرة منهم لا يعرفونها، وقد لوحظ وجود انقسام كبير فى هذه النقطة، حيث رأى 46% أنه لا توجد عوائق قانونية فى هذا الشأن، أيضاً ثبت من خلال الاستطلاع أن هناك ارتباك فى أوساط النخبة فى تحديد المؤسسات التى يمكن أن تسهم فى تحقيق المواطنة، ومن هذه المؤسسات: المدارس بنسبة 56,4%، والقضاء بنسبة 55,3%، ووسائل الإعلام بنسبة 52%، والمجتمع المدنى بنسبة 51,2%، والأحزاب بنسبة 43%، والشرطة بنسبة 32,2%، كما اختلفت آراء النخبة أيضاً حول تأثير التعديلات الدستورية على المواطنة حيث رأى 44,7% من العينة أن بعض التعديلات ضد المواطنة، بينما رأى 53% أن كل التعديلات توافق المواطنة وهذا يدل على أنهم ليسوا على دراية كاملة بهذه المواد حسبما تشير الدراسة. وحول نتائج هذه الاستطلاع يقول الدكتور إبراهيم البيومى : الحقيقة أنه هناك قضايا وموضوعات كثيرة وهمية ونستهلك فيها وقتنا، منها أشياء متصلة بالمواطنة وواضح جداً أنه هناك انقسام كبير بين آراء النخبة حول تعريف المواطنة، وحول تحديد أهم المشكلات التى تحول دون تطبيقها، كما أنهم اختلفوا حول مدى تأثير التعديلات الدستورية على المواطنة وكان واضحا أن نسبة كبيرة منهم ليست على وعى كافٍ بهذا الأمر، كما كشف الاستطلاع عن حقيقة مرة وهى أن النخبة تخلط بين المواطنة والوطنية، بل أنهم لم يستطيعوا أن يميزوا بين المفهومين، فالوطنية هي شعور إنساني داخل المواطن تجاه بلده لدرجة تجعله يبذل التضحية والفداء فى سبيلها، فهي إذن شعور وجداني، أما المواطنة فهي مسألة حقوقية ودستورية تتعلق بواجبات الفرد وحقوقه، أيضا النخبة المدروسة لا تدرك طبيعة الوضع القانوني والدستوري الذي يحكم حقوق المواطنة، لدرجة أن بعضهم ذكر أن المادة 176 ذات تأثير على المواطنة وهى ليست كذلك على الإطلاق، كما كان هناك انقسام حاد أيضا بين آراء النخبة حول الجهات المسئولة عن تعميق الشعور بالمواطنة، حيث توزعت المسئولية بين المدارس والقضاء والاعلام. ويذكر الأستاذ السيد ياسين المفكر والكاتب بالأهرام أنه لو تكلمنا عن المواطنة كحقوق، فإن الحق عالمياً الآن تبلور بعد اجتهاد كبير حول حقين الحرية السياسية والعدالة الاجتماعية، ولا يجوز التضحية بأى منهما على حساب الأخرى على الإطلاق، وموضوع المواطنة ليس حديثا فدستور 23 نص على قواعدها عندما قال إن المواطنين سواء أمام القانون، وهناك مشكلات تحول دون الوصول للمستوى المطلوب من المواطنة، وهى أن المجتمع المصرى يمر بأزمة سياسية نتيجة شيوع اللامبالاة السياسية التى نتجت عن ميراث قديم من التسلط، فالناس لا يقبلون على الانتخابات، وهناك أزمة اقتصادية، فبينما تشير المعدلات إلى أنه هناك تحسنا في الاقتصاد المصري ومعدلات النمو، نجد أن غالبية الناس لا تشعر بذلك، فهذا التحسن لا يصل للمواطن الذي لا يأخذ حقوقه فكيف سيقوم بواجباته؟، أيضا هناك فجوة طبقية بين الأغنياء والفقراء، فالفقراء لا يأخذون حقوقهم، وهناك أيضا تطرف ديني واضح، وإعلام فاسد يستثمر الفتنة كل ذلك بلا شك يؤثر على تطبيق المواطنة.