( القصة الفائزة بجائزة الكاتبة نجلاء محرم للقصة القصيرة 2005 المركز الثاني ) ليتك تتكلم .. ليتك تنهي هذا الزمن من الصمت ... ماذا حدث لك ؟ تدور عيناك في وجوهنا ولا تتحرك شفتاك هكذا التحفت بالصمت – فجأة – علي سريرك النحاس ذي الأعمدة قل شيئاً .. كلمة .. حرفاً واحداً بدلاً من هذا الموت .... أين حكاياتك التي كنت تقصها علي خيالنا ؟ .. كنت تحكي الكثير والكثير .. تلمنا أنفاسك الدافئة .. تشدنا عيناك فنخطو معك .. نلبس مثلك .. ننازل من تنازلهم نردد معك صيحتك .. وحينما تمتشق نبوتك , ترفعه للسماء بكلتا يديك وتصيح بصوتك الجهوري حينها نرتعش .. ويرتعش كل شئ .. الشجر / البيوت / الطيور / السباع / حتى " أبو شوال " بعيداً كان يرتعش كفأر مذعور .. من منا ينسي " سندوتشات الفول " وكنت تجهزها لنا صباحاً .. تخبئها لنا في " شنطنا " بين كتبنا وأقلامنا كنت تقول لنا " من أكل فولي .. حلا له قولي " والعيال كانوا يأكلون و يستحلون .. يعودون فيتمرغون في التراب.. عند الجميزة العجوز .. حيث كنت دائماً تحب أن تجلس .. تملئ حجرك الحكايات وتفيض .. نعبث بلحيتك فتهشنا بعود حطب .. تلاحقنا أنفاسك القوية .. وحين يكّل جسدك – أو هكذا تتظاهر – تستريح تفترش الأرض بينما العيال يخلعون نعالهم وجلابيبهم .. يتركونها أمانة عند قدميك راحوا يلقون ببعضهم في مياه الترعة يتضاحكون .. تسابقهم أعمارهم القليلة غير أن أحدهم لم يكن يستحم مثلهم .. أحدهم ظل واقفاً يراقب صورة مهتزة تشبهه .. كان يلقي بحجر ويستمتع بمشهد دوامات .. تكبر ثم تتلاشى ... فلماذا تتستر الآن بالسكوت ؟ تطبق فمك علي الكثير .. الكثير لم تحكه أنت لم تمت .. عيناك لازالتا – رغم وهنهما – تخترقانا مثل زمان .. حينما كنا لا نستطيع الكذب عليك نضحك علي أبينا وأمنا .. حتى الشيخ صالح نضحك عليهم جميعاً .. إلا أنت دائماً عيونك قوية .. تمتد داخلنا لتكشف عما نخبئه .. فتفضحنا .. رد..قل شيئاً .. ها.. أنت أيضاً تسمعنا .. نشعر بذلك , لما تسمع ما لا يعجبك .. حينها تشيح بوجهك بعيداً أرجوك تكلم .. مرَ الزمن سريعاً .. الأولاد كبروا والشيب كذلك كبر .. استفحل وهزمهم .. صاروا كثيرين كرمال الصحاري وضعافاً كأعواد برسيم تلوكها أفواه الماشية صاروا – الآن – لا يفهمون شيئاً .. الكل غريب .. تقبض أيادينا علي أشياء كثيرة .. فنفتحها .. ولا نجد غير الهواء الهواء فقط .... أتذكره ؟ ذاك الهواء القوي الآتي من شرفتنا الغربية.. تلك الشرفة التي كنت توصينا أن تظل دوماً مفتوحة .. فهل فاجأك تيار الهواء القوي؟ نعرف أن جسدك الهرم لم يحتمل ... لمّ إذا كنت تتحامل علي نفسك ؟ سعالك الدائم أفهمنا وأربكنا .. نغلق الشرفة فنعصيك ونغضبك ؟ أم نتركها مفتوحة فنفقدك ؟ لمّ ترتعش هكذا ؟ هل آتى إليك بطبيب ؟ ارضّ بالأمر إذن ولا تركب دماغك .... أنت هرمت أنت الذي كنت تفخر دوما أن الجن والعفاريت " الزرق والحمر " لم يقدروا عليك حتى " أبو شوال " ذاك الذي فاجأك بغتة واختطف نعجاتك من دارك .. " أبو شوال " الذي ظل يقهقه سنوات غير مصدق أنه هزمك ... واغتصب نعجاتك واحدة واحدة وأنت تنتظر .. تكتم وتنتظر ... ونفدت نعجاتك وكذلك صبرك .. فانتفضت .. هببت ذات نهار ارتديت جلبابك الأسود ذا " القطان " الأحمر علي صدره , في يدك نبوت جدك الكبير .. - كنا عيالاً لا زلنا - النسوان يودعنك من فوق أسطح البيوت ملوّحين بمناديلهن البيضاء أقسمت ألا ترجع إلا وكل نعجاتك معك .. في يدك رأس " أبو شوال " تقطر دماً .. فتصبغ النسوان مناديلهن بدمه ويزغردن... أنت أقسمت علي ذلك ونحن سمعناك .. وانتظرناك نمضغ حكاياك القديمة فتشبعنا .. نتسلي في انتظار عودتك مظفراً بحكاية أخري وأخيرة فلماذا – حينها – عدت سريعاً رجعت جاراً معك بضعة نعجات هزيلة الأولاد لم يروا رأس " أبو شوال " في يدك .. ولا حتى نبوتك... وتساءلوا عن باقية النعجات النسوان ظللن يزغردن .. بينما مناديلهن ظلت بيضاء هل انتصرت حقاً ؟ هل هزمت " أبو شوال " وحدك في بضعة دقائق ؟ حكيت لنا عن ذلك .. وقتها صدقك الجميع – إلا واحد من الأولاد - الجميع حفظ الحكاية - مثل غيرها - من " طقطق " لكنك لم تنه الحكاية .. والوقت صار وقتنا كي ننهيها .. لكن كيف ؟ تغير الزمن .. لم تعد صورة " أبو شوال " بعيدة عنا كما كانت .. صرنا نراه دوماً يسير أمامنا .. وراءنا .. جوارنا .. دائما موجود هو عيوننا في عينيه .. ولسنا بقادرين حتى على صفعه .. حفظنا صورته – ليست المخيفة كما كنت تصورها لنا – نري بذلته الأنيقة , رابطة عنقه الماسية , تسريحة شعره أنفه , رائحة " برفانه " لا تندهش.. حتى أننا صرنا نصافحه ليل نهار غير خجولين لماذا أحمر وجهك هكذا ؟ لا تسألنا عن باقية النعجات .. ولا حتى ثأرك القديم .. امسح عنك هذه الدمعة .. كلمني رجلاً لرجل لن تشفع لك شيخوختك ..... من السبب .. أنت أم نحن ؟ ليتك تعلم .. وقتها كان العيال يحلمون ويتشاجرون فيما بينهم من يمسك بيده رأس " أبو شوال " ليرفعها في عين الشمس ... من يصعد للسطح فيصبغ المناديل بالدم وتزغرد النسوة غير أن أحدهم لم يكن يصدق شيئاً مما كان يحكى .. لم يكن يشغله سوى أن يحتفظ بنبوتك – بعدك بالطبع – تعلقت عيناه علي يديك المعقودتين خلف ظهرك .. ووراءك بضعة نعجات ممصوصة ..لاشيء أكثر سوى ابتسامة شاحبة رسمتها وأنت تأخذنا بين ذراعيك .. قل شيئاً إذن .. قل نحن السبب / أنت / الشرفة / الهواء / أبو شوال لكن تكلم ...