تحرش.. بلطجة.. ألفاظ بذيئة.. أسلحة بيضاء.. وغيرها من الظواهر السلبية انتشرت في مجتمعنا بسرعة الصاروخ، حيث تحول المجتمع المصري الذي كنا نراه في أفلام ومسلسلات الستينات والسبعينات حتي أواخر الثمانينات من شعب ذي خلق رفيع أقصي شتيمة أو لفظ سيئ في هذه الفترة كان كلمة «كلب» وكان الذي يتفوه بها يشعر بذنب لا حصر له ويندم علي هذه الكلمة ولكن الآن نسمع في الأفلام والمسلسلات حتي في الشارع المصري أسوأ الألفاظ والتصرفات التي تعكس بصورة تدعو للأسف الشديد ما أصبح عليه مجتمعنا، ونسأل لماذا حدث ذلك في المجتمع هل حقاً «ثورة 25 يناير عام 2011» التي نادي فيها الشباب بالتغيير والقضاء علي الفساد والانفلات الأخلاقي أظهرت أسوأ ما فينا أم ما التغيير الذي طرأ علي مجتمعنا لكي تزداد فيه كل هذه الظواهر السلبية، لذلك سيحاول التحقيق تسليط الضوء علي بعض الظواهر السبية في المجتمع المصري وتفسير ظهورها. تدني الأخلاق «دائماً يقولون إن الأخلاق هي عنوان أي أمة، فإذا أرادت أن تتقدم فعليها بالأخلاق فبدونها لا تبني الأمم»، ولكن واقع مجتمعنا يشعرنا بالأسي علي ما نحن عليه من تدني المستوي الأخلاقي الذي بدا في سلوكنا وتعامل بعضنا مع بعض، فعندما تنظر إلي أي اشتباكات في الشارع بين المواطنين ستسمع أبشع الألفاظ التي تتلوث بها أذنك، وأحياناً يصل الأمر إلي استخدام السلاح الأبيض كالمطواة والسكين والشوم... إلخ لنتحول إلي غابة يحكمها الأقوي ولا مكان للضعيف. ولا تقتصر مظاهر الانفلات الأخلاقي علي الألفاظ البذيئة فقط، بل وصل الأمر إلي التحرش الجسدي والفظي بالفتيات والنساء، فأمام أي مدرسة يتجمع العشرات من الشباب، لانتظار الفتيات أثناء خروجهن بعد انتهاء اليوم الدراسى لمعاكستهن والتحرش بهن، لتعلو صرخات الفتيات اللواتي لم تبلغ أعمارهن 15 عاماً يستنجدون بمن يخلصهن. وتشير الإحصائيات إلي أن 93% من النساء تعرضن للتحرش بعدة أشكال، كانت أكثرها 59 % لمس باليد، و48 % التلفظ بألفاظ خادشة للحياء ولها معنى جنسي، و54.5 % معاكسات كلامية، ثم 42.5٪ النظرات المتفحصة لجسد المرأة. وتقول «سعاد حمدي» ربة منزل: «إنها تحرص على اصطحاب ابنتها يومياً إلى مدرستها ذهاباً وإياباً للاطمئنان عليها»، وأضافت: ما يجعلنى أصر على اصطحابها يومياً تجمعات الشباب أمام مدارس الفتيات، ورغم العقوبة التى أقرت بشأن واقعة التحرش والاغتصاب، لكننا مجتمع شرقى، لا نجرؤ على تقديم بلاغات للشرطة. وفسر دكتور فتحي الشرقاوي أستاذ علم النفس ومدير مركز الخدمة النفسية بجامعة عين شمس انتشار السلوك العنيف داخل المجتمع المصري سواء كان عنفاً لفظياً أو معنوياً أو يدوياً: «لعدم إحساس المواطن بعدم وجود قوة ردع تمنعه من هذا السلوك وإحساسه بعدما قوة القانون وهيبة الدولة يجعله يتخذ أحد الموقفين، أما السلبية التامة والانسحاب والعزلة والابتعاد عن جميع أنواع التفاعلات مع المجتمع وهذا مؤشر للدخول في المرض النفسي «الاكتئاب والسلبية» وإما خروج كل النزعات العدوانية تحت شعار الدفاع عن النفس والحفاظ على الذات وعدم وجود توجيه من الأسرة والمجتمع، ومن ثم يتحول إلى شخص بلطجي «سيكوباتي» خاصة إذا كان لديه الاستعداد للانحراف. البلطجة انتشار البلطجة واحتلال الأرصفة والباعة الجائلين وعدم احترام القانون ظواهر سلبية انتشرت بعد ثورة 25 يناير وعلاج كل تلك الآفات يحتاج إلى درجة كبيرة من الحسم والحزم لكيلا يفرط عقد هيبة الدولة والقانون، ففي الميادين العامة لا صوت يعلو فوق صوت سائقي الميكروباصات، فلهم القانون الخاص بهم، ولا يستطيع أحد اختراقه. وتقول «سعدية مصطفي» ربة منزل تعيش فى منطقة بولاق الدكرور: «إن سائقى الميكروباصات فرضوا سيطرتهم على المواقف، وتحدث مشاجرات يومية بسبب الخلاف على الأسبقية فى تحميل الركاب، خاصة فى الساعات المتأخرة من الليل، وانتهاء ساعات عمل أتوبيسات النقل، مؤكدة أن السائقين يتحكمون فى الأجرة بشكل كبير، فأحياناً يرفعون سعر الأجرة بشكل جنوني خاصةً وقت الازدحام وعدم وجود وسائل نقل والمواطن البسيط يضطر إلي الموافقة علي الزيادة لكي يصل إلي بيته. ويضيف «أسامة محمد» موظف: اعتقدت أنه بعد الثورة ستتغير معاملة المواطنين بعضهم مع بعض، ويتضامن الشعب ليصبح كتلة واحدة، إلا أننا فوجئنا بإصرار بعض السائقين على مضاعفة الأجرة، فى ابتزاز واضح للمواطنين، وطالب بضرورة فرض غرامة مالية على كل من يرتكب مثل هذه المخالفات. ومن فوضي سائقي الميكروباصات إلي الباعة الجائلين الذين يفترشون بضاعتهم أمام رصيف المحطات وفي الشوارع، لينطلق صوتهم يهز المكان معلنين عن بضاعتهم زهيدة الثمن لكنها تنافس غيرها فى الأسواق الأخرى، ويقول «مصطفي رمضان»، بائع، إنه حاصل على ليسانس آداب منذ 10 سنوات لم يستطع فيها العمل بمؤهله واضطر إلى العمل «كاشير» فى سوبر ماركت كبير، وبعد قيام الثورة نصحه أحد أصدقائه بشراء بضاعة وعرضها أمام المحطة، مؤكداً أنه يفضل الجلوس في الشوارع لعرض بضاعته لأنها تجذب المزيد من الزبائن لكي يشتروها. وعن سبب عدم ذهابه إلي سوق الترجمان الذي وفرته الحكومة للباعة لعرض بضاعتهم فيه، قال «رمضان»: «إن السوق بعيد عن الناس ولا يذهب إليه إلا قليل من الأفراد، لذلك يفضل افتراش الشوارع لكي يسترزق ويجني المزيد من الأموال». فهلوة عادة سيئة يتعبها المصري يومياً وهي التهرب من دفع أجرة وسائل المواصلات العامة، خاصة المترو وقطارات السكك الحديدية كنوع من أنواع الفهلوة، ويقول «حسن عبدالمنعم» موظف: إنه «يتشعلق» علي عربات القطار والأتوبيس لتوفير ثمن التذكرة، وتابع: «أركب القطار من طنطا حتى القاهرة يومياً، عدا يوم الجمعة، ومرتبى لا يتعدى 900 جنيه فى الشهر، ومن غير المعقول أن أدفع 12 جنيهاً ثمن المواصلات بس فى اليوم، علشان كده بعرض حياتى للخطر وأتشعلق بين العربات لتوفير ثمن التذكرة لأكل ولادى». ويضيف المواطن «محمد عبدالكريم»: «لابد أن تفكر الحكومة فى المواطن الغلبان الذى يعانى يومياً لتوفير ثمن تذكرة بدل من توجيه اللوم له، ونتمنى حجز تذكرة فى العربة المكيفة زى الناس بس العين بصيرة واليد قصيرة». «غياب الشرطة عن تأمين القطارات والسلوكيات الخاطئة سبب إقدام بعض المواطنين على صعود القطار دون تذكرة».. هذا ما أكده عبدالمنعم سعيد «كمساري» وتابع: «يتعرض العشرات من المواطنين لإصابات مختلفة نتيجة وقوفهم علي أبواب الأتوبيس، لتهربهم من دفع ثمن التذكرة»، وقال « صبحي رمضان»، كمساري بمحطة السكة الحديد: «طالبنا هيئة السكك الحديدية أكثر من مرة بزيادة عدد رجال الشرطة المختصين لتأمين القطار، حيث لا يزيد عددهم على 3 فى القطار بأكمله، وقد يغيبون بشكل نهائى والهيئة لم تستجب لنا». فوضي المرور اختناق مروري على الطرقات بسبب عدم احترام قواعد السير.. مقاهٍ ومحلات مختلفة احتلت بكراسيها وسلعها الأرصفة.. محاولات متكررة من البعض للغش.. تدنٍ أخلاقي في الشارع كلاماً وسلوكاً.. إنّها الفوضى. فعندما تسير في أحد شوارع القاهرة الكبري ستجد مظاهر لا تسر نظرك لأنها تعكس عدم التحضر والنظام لدي كثير من الأفراد، منها أحد سائقى التاكسي يحاول تجاوز الطابور الممتد أمامه مستعملاً المسلك المخصص للسيارات القادمة من الاتجاه المعاكس ففاجأته سيارات قادمة من أمامه وعجز عن العودة إلى مكانه الأصلي ما تسبب في إرباك حركة المرور وفي توقفها تماماً طيلة أكثر من 5 دقائق، في مشهد عبثي يعلق عليه أحد السائقين، يدعي «خيري أحمد»: «قيادة السيارات أصبحت فوضى في مصر». فالصورة اليومية على طرقاتنا أصبحت مختزلة بإجماع عدد كبير من السائقين في كلمة واحدة: «فوضى». فالمتأمل في الكيفية التي يقود بها عدد من المواطنين سياراتهم يكتشف أن القانون فقد هيبته ولم يعد من رادع للمتهورين سوى تواجد رجال المرور، وفي غيابهم تحل الفوضى والخروقات. ويؤكد أكثر من سائق: «أن الظاهرة السائدة اليوم على طرقاتنا هي عدم احترام ضوء التوقف (الأحمر) وعلامة قف وأولوية القادم من اليسار إضافة إلى السرعة المفرطة، فقد أصبح ذلك مألوفاً على مختلف الطرقات وأصبح بعض السائقين يرتكبون ذلك «بكل وقاحة ودون أن يعتذروا من الطرف الآخر بل يعمدون أحيانا إلى سب وشتم كل من يلومهم على صنيعهم ذاك». ففى إحصائية عن الفوضى المرورية وارتباك حركة المرور التى تهدر الساعات اليومية فى حياة الناس نشرتها مجلة السيارات (نسبة الفوضي والارتباك المروري بالشارع المصرى بلغت 64٪ يليها سوء حالة الطرق وغياب تخطيط الشوارع بنسبة 61٪ ثم تصرفات الغالبية العظمي من سائقي الميكروباص بنسبة 41٪ وبعدها الزحام الشديد والزيادة السكانية). وفي استطلاع للرأى علي الإنترنت حول المتسبب الحقيقي فى فوضي الشوارع بمصر، جاء في المرتبة الأولي عدم تطبيق القانون وضياع هيبة رجل المرور، بينما تراوحت بقية الآراء حول تصرفات بعض سائقي سيارات النقل والنقل الثقيل والقيادة المتهورة ورعونة بعض الشباب، وأسلوب قيادة بعض السيدات، وأخيراً الإهمال واللامبالاة من المشاة. وفسر اللواء حسام سويلم الخبير الأمني المظاهر السلبية التي نراها اليوم في مجتمعنا: «بأنها نتاج غياب الوعي الديني لسنوات عدة حيث أصبح المجتمع يقصر الدين على المظاهر الشكلية ولا يعبأ بجوهر الدين وهو الأخلاق، طالباً من جميع رجال الدين «توعية الأفراد بقيمة الأخلاق التي هي جوهر الدين الإسلامي». وقال «سويلم» إن الوضع في مصر مؤسف للغاية، فالتعليم الذي من المفترض أن يساهم في تقدمنا متدهور للغاية وفي حالة يرثي لها، حيث أصبحت المنظومة التعليمية في مصر «لا تربية ولا تعليم»، ولكي نعالج جميع هذه المظاهر السلبية التي ظهرت في مجتمعنا علينا تطوير التعليم ونشر الوعي الديني في المجتمع.