فقد البصر ولكنه لم يفقد البصيرة، امتلك موهبًة أهلته ليسطر اسمه وسط كبار الموسيقيين في مصر والعالم العربي، فهو "عمدة الموسيقيين"، وحالة فنية شرقية لا مثيل لها، إنه الفنان الراحل "عمار الشريعي" الذي يصادف اليوم الذكرى الثالثة لرحيله. على الرغم من كونه كفيفًا إلا أن تلك الإعاقة لم تمنعه من ممارسة هوايته التي أحبها منذ نعومة أظافره؛ حيث تلقى علوم الموسيقى الشرقية على يد مجموعة من الأساتذة الكبار بمدرسته الثانوية، في إطار برنامج مكثف أعدته وزارة التربية والتعليم خصيصاً للطلاب المكفوفين الراغبين في دراسة الموسيقى، وتمكن بمجهوداته الذاتية من إتقان العزف على العديد من الآلات الموسيقية كالبيانو، والأكورديون، والعود، والأورج. قدم "الشريعي" عددًا من الأعمال الموسيقية للتليفزيون، واهتم أيضاً بأغاني الأطفال، وقام بعمل أغاني احتفالات عيد الطفولة لمدة 12 عاماً متتالية، فضلًا عن توليه خلال الفترة من عام 1991 وحتى عام 2003 وضع الموسيقى والألحان لاحتفاليات أكتوبر التي كانت تُقيمها القوات المسلحة المصرية بالتعاون مع وزارة الإعلام، وخلال تلك المسيرة الفنية نال العديد من الجوائز على الصعيدين العربي والعالمي. لزم الفنان الذي اشتُهر بلقب "الغواص في بحر النغم" المستشفى في أواخر أيامه بعد إصابته بأزمة صحية نجمت عن مشكلات في القلب، وتطلبت عمليات جراحية، وسبَّبَ تجاهُل المسئولين لتسهيل إجراءات عملها له على نفقة الدولة حالة نفسية سيئة جدًا، خاصًة بعد أن قدم طلبًا لذلك. وبعد انتظاٍر طويٍل لقرار العلاج على نفقة الدولة في عهد المعزول "مرسي" وما لبث أن وافق عليه، رحل عن عالمنا موسيقار الأجيال "عمار الشريعي" داخل إحدى مستشفيات القاهرة عام 2012 عن عمر ناهز 64 عاماً. انهار كلًا من المنتِج "محسن جابر"، والإعلامي "محمود سعد" ودخلا في نوبة بكاء خلال جلوسهما بجوار جثمان "الشريعي" عقب الانتهاء من صلاة الجنازة عليه، أما "صلاح السعدني" فظل صامتًا، رافضًا للحديث طوال الوقت لينفجر في البكاء فور خروج الجثمان من المسجد. وفي نفس الصدد؛ شهد عزاء "الشريعي" الذي أُقيم بمسجد الرحمن الرحيم بشارع صلاح سالم، حضور عدد كبير من نجوم السياسة، والفن، والإعلام، والشخصيات العامة ممن حرصوا على مواساة نجله الصغير كالزعيم "عادل إمام" الذي ظل يتحدث معه ويواسيه، وأيضًا كلًا من الفنانين "هشام عباس، وفاروق الفيشاوي، ومحمد هنيدي". وعلى هامش العزاء، أكد "عادل إمام" حزنه الشديد على رحيل "الشريعي" قائلًا: "لقد فقدنا قيمة كبيرة في عالم الموسيقى، رمز من رموزنا المصرية الأصيلة فقد كان يمتلك خبرة موسيقية لا تُعوَّض، كذلك كان يمتلك خبرة حياتية كبيرة، ولا يسعني أن أقول سوى الله يرحمك يا شريعي". أما "محمد منير" فقد اكتفى بقول "إنا لله وإنا إليه راجعون، البقاء لله وحده". وأعرب "إيمان البحر درويش" عن حزنه االشديد لوفاة الموسيقار الراحل مؤكدًا أنه كانت تربطهما علاقة خاصة سواء في التعامل الموسيقي أو على المستوى الشخصي، فضلًا عن روحه المرحة التي كان يتميز بها ويستغلها للتعبير بها عن كافة الأحداث. أما الإعلامي "محمود سعد" فأكد شعوره بغاية الأسي لفقدان "الشريعي" الذي كان بمثابة شقيقه، مشيرًا إلى أن الكلمات تعجز عن وصف ما يشعر به، قائلًا "كل ما أستطيع قوله "فقدنا قيمة عظيمة ورمزًا من رموز مصر، إنا لله وإنا إليه راجعون". في حين قال السيناريست "ممدوح الليثي" إنه رغم فقدنا موسيقارًا وفنانًا كبيرًا إلا أنه باٍق معنا بألحانه وموسيقاه سواء في الدراما أو السينما. فيما أكد "بلال فضل" أنه تأثره الشديد بوفاة "الشريعي" وخاصة أنه تعرف عليه عن قُرٍب، قائلًا "لا توجد كلمات تعبر عنه كفنان أو إنسان". ولا سيما أن رحيله شكَّل صدمة لبعض الفنانين ممن عشقوه واعتبروه أبًا روحيًا لهم، فشارك عدد كبير منهم في حفل تأبينه الذي أقيم داخل قاعة "سيد دوريش" بأكاديمية الفنون. واستهل الحفل بأغنية ل"غادة رجب" بعنوان "مع الأيام"، ووصفت الموسيقار الراحل بالأب الروحي لها الذي قام بتربيتها منذ صغرها على الغناء وحب الموسيقي، وبعدها قامت بتسليم درع التكريم الذي خصصته نقابة الموسيقيين لعمار الشريعي لزوجته الإعلامية "ميرفت القصاص" ونجله "مراد". وكانت "غادة" قد شاركت صورة لها على صفحتها الشخصية على موقع "إنستجرام" وهي طفلة أثناء حضورها حفل زفاف "عمدة الموسيقيين" معلقًة عليها "صورتي أنا وبابا مع أبويا الموسيقار عمار الشريعي في فرحه والموسيقار كمال الطويل.. وحشتوني"، وأوضحت أن حالته الصحية تدهورت في الفترة الأخيرة نتيجة تدهور الأوضاع في مصر، وأنه توفي بعدما أصيب بالحسرة على بلده. وشارك في حفل التأبين أيضًا الفنان "هشام عباس" الذي قدم خلاله أغنيتي "أميرة في عابدين"، "بركة دعا الوالدين"، وتحدث عن علاقة الصداقة التي جمعته ب "عمار الشريعى" قبل وفاته. أما المطرب خالد سليم فأقر بأن مشاركته في حفل التأبين أتت كنوع من أنواع رد الجميل للموسيقار الراحل الذي كان يعتبره بمثابة والده، مشيرًا إلى أنه كان فنانًا كبيرًا، تمتع بإحساس فاق الوصف، استطاع أن يؤثر في الجمهور بالموسيقى التصويرية لعدد كبير من الأعمال الدرامية. وألقى الشاعر "جمال بخيت" قصيدة خاصة بعنوان "قلب عمار"، مشيرًا إلى أنه قام بتأليفها خلال فترة مرض "الشريعي". وتكريمًا له بعد رحيله، قررت نقابة الموسيقيين منح الموسيقار الراحل "عمار الشريعي" لقب نقيب الموسيقيين، واستخراج بطاقة شرف تثبت رئاسته للنقابة. وتحدث الفنان "مصطفى كامل" عن قرار النقابة قائلًا "هذا أقل ما يمكن أن نقدمه، ويكفي أن الراحل لم يأخذ علاجه من الدولة كما أنه لم يأخذ حقه من ناحية التغطية الإعلامية لجنازته أو عزائه".