على غرار هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، جاء الهجوم الذي وقع فى باريس ليثير استياءً عالمياً على جميع المستويات الفكرية والدينية، خاصة بعدما أعلنت حالة الطوارئ في أنحاء فرنسا، وأغلقت البلاد حدودها بعد مقتل العشرات في سلسلة الهجمات التى نفذت بالأسلحة والقنابل، وقالت تقارير «إن 128 شخصا على الأقل قتلوا في الهجمات، وأصيب أكثر من 200 بينهم 99 إصابتهم خطيرة، معظمهم في مركز باتاكالون للفنون في وسط باريس،كما استهدفت هجمات أخرى مطعمي «لو بيتيت كامبودج» و«لو كاريلون» في المنطقة العاشرة،ووصفت الهجمات بأنها غير مسبوقة في فرنسا، وأمر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بنشر الجيش في أنحاء العاصمة الفرنسية، ونُصح سكان باريس بالبقاء داخل منازلهم. لذلك كان لابد من سؤال الكتَّاب المثقفين المقيمين فى فرنسا عن رؤيتهم لما حدث وتوقعاتهم لما سوف يحدث. الدكتورة جيهان جادو سفيرة النوايا الحسنة بباريس تقول: ما حدث جريمة بكل المقاييس راح ضحيته العديد من المواطنين الأبرياء والذين ليس لهم أي ذنب، فيد الإرهاب طالت كل الدول إلا الدول الداعمة له، وبالطبع الإجراءات الحالية التى تتخذها الحكومة الفرنسية مشددة جدا، وسيدفع الأبرياء من المواطنين الأجانب الثمن نتيجة أفعال المجرمين الذين شوهوا الإسلام والذين يرتكبون الجرائم باسم الدين. وتضيف جادو: فرنسا علي أهبة الاستعداد خوفا من حدوث هجمات متكررة خاصة أن هذه الفترة هي فترة إجازات لاستقبال الأعياد، وبالنسبة للإجراءات التي اتخذتها فرنسا هي إجراءات طبيعية للسيطرة علي الوضع، والآن القوات الخاصة والجيش معا في الشوارع للسيطرة علي الوضع والأمن، وتم غلق الحدود الفرنسية بالإضافة الي رفع حالة الطوارئ الي الدرجة القصوي. وتستأنف جادو: ما حدث في فرنسا قد يحدث في أي بلد لأن يد الإرهاب طالت العالم بأكمله وهذه رسالة للعالم أجمع، وعلى الذين يتعاملون علي أن مصر بها إرهاب، فما حدث يؤكد أن مصر مثلها مثل باقي الدول قد تتعرض لحوادث إرهابية، لا يوجد بلد آمن بشكل كامل، للأسف فبالرغم من كل الأسلحة الحديثة والتدريبات القوية بفرنسا، إلا أن كل ذلك لم يمنع حدوث هذه الفاجعة التي صدمت الجميع هنا. أما الكاتبة هالة الملوانى والمقيمة فى باريس فترى أن ما يحدث الآن فى العالم كله مأساوى بكل المقاييس، أعداد من الأبرياء يموتون كل يوم دون أى ذنب يقترفونه سوى أنهم يعيشون فى هذا العالم البغيض، الإرهاب تفشى فى العالم كله، شىء مخز ومؤلم ومخيف، الشىء الوحيد الذى نستطيع قوله إنه حان الآن وقت التلاقى والتكاتف، فيجب أن يتكاتف الجميع من أجل محاربة الإرهاب والقضاء عليه. وعن توقعاتها للأيام القادمة وما يمكن أن تحمله من مفاجآت للعرب المقيمين فى فرنسا، تقول الملوانى: لا أحد يستطيع أن يتنبأ بالقادم، لكن المؤكد أن فرنسا لن تتهاون فى حق أبنائها، وبالطبع سوف تتخذ إجراءات حاسمة، وكل ما نتمناه الآن أن هذه الإجراءت لا تكون مجحفة على العرب والمسلمين المقيمين فى فرنسا، وأن تكون الحكومة والشعب الفرنسى واعيين إلى أن ما حدث على أرضها، وما يحدث فى كل الدنيا لا يعبر أبداً عن الإسلام والمسلمين ولكنه فقط يعبر عن الإرهابيين الذين يتخذون من الدين ستارا لأعمالهم. باريس بلد الجن والملائكة مثلما قال عنها الدكتور طه حسين، مدينة النور مثلما قال عنها كل من زاها، عاصمة الفن والشعر والجمال،قبلة الكتاب والشعراء، وها هو الشاعر نزار يقول لحبيبته عنها: هل تذكرينَ بباريسَ تسكُّعَنَا؟ خُطَاكِ في ساحة (الفاندوم) أُغنيةٌ وكُحْلُ عينيكِ في (المادلين) ينتثرُ.. ما زال في رُكْنِنَا الشعريِّ، ينتظرُ كلُّ التماثيل في باريسَ تعرفُنا حتّى النوافيرُ في (الكونكُورد) تذكُرُنا ما كنتُ أعرفُ أن الماءَ يَفْتكِرُ.. لقد كانت فرنسا مركزاً للتنمية الثقافية الغربية لعدة قرون، وكان العديد من الفنانين الفرنسيين من بين الأكثر شهرة في وقتهم، ومازالت تعرف فرنسا في العالم لتقاليدها الثقافية الغنية. فعصر النهضة فى أوروبا يعتبر من أكثر المراحل الثقافية أهمية بالنسبة للعالم، وقد وصلت حركة الثقافة فى فرنسا إلى ذروتها في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلاديين، حيث ظهر فرانسوا رابيليه أكبر كاتب قصصي فرنسي في عصر النهضة الفرنسية وحاول سبعة من الشعراء الفرنسيين وضع نمط جديد من الشعر الفرنسي على غرار النماذج اليونانية والرومانية القديمة، وكان مونتان آخر الأدباء الكبار لتلك المرحلة، وقد ظهر أسلوب المقالة الشخصية بوصفه شكلاً من أشكال الأدب، وظهر فنانون ابتدعوا أسلوبي الباروكي والروكوكو في الفن أمثال: جان بابتست لولي وجين فيليب رامو اللذين اشتهرا في فن الأوبرا ونبغ فرانسوا كوبرين وغيره في التأليف الموسيقي وساهم شعراء كلاسيكيون وأدباء كثيرون في المأساة « التراجيديا» والملهاة « الكوميديا» من أهمهم موليير وراسين وظهر في الفلسفة رينيه ديكارت. ذاعت في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين مرحلة ما يسمى بعصر العقل أو التنوير التي اتسمت بإنجازات فكرية وساد خلالهما الأدب الفلسفي وركز أدباء هذه الفترة على العقل والملاحظة المباشرة بوصفهما أسلوبين لمعرفة الحقائق، وكان من أبرز هؤلاء الأدباء: فولتير وجان جاك روسو ودينيس ديدرو، أما الرومانسية التي ظهرت كرد فعل على العقلانية والكلاسيكية، فقد بدأت خلال القرن الثامن عشر الميلادي وكان فيكتور هوجو أكبر شاعر روائي ومسرحي رومانسي. ومن المذاهب والحركات الأدبية الأخرى التي ظهرت: الواقعية النقدية والمذهب الطبيعي في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي والانطباعية في أوائل القرن العشرين وتركزت على التصوير التشكيلي بشكل خاص. من أشهر الأدباء الذين كتبوا رواياتهم ومسرحياتهم في منتصف القرن العشرين جان بول سارتر وألبير كامو، ومن أدباء أواخر القرن العشرين المعروفين آلان روب جرييه ولود كلود سايمون ومارجريت دورا. ومن أشهر الرسامين بابلو بيكاسو، الذي وُلد في إسبانيا، وجورج براك. كما ظهر فنانون كثيرون في النحت والعمارة والتأليف. يوجد في فرنسا 1200 متحف، وتستقطب 83 مليون زائر سنوياً. يستقبل متحف اللوڤر ومتحف دورسيه وقصر ڤيرساي وحدها ما يقارب 15 مليون زائر سنوياً. تمتلك معظم مدن الأقاليم أيضاً متحفاً أو أكثر، ومن ناحية أخرى، هناك ما يزيد علي 1500 صرح أثري مفتوح للجمهور، ويعد برج إيڤل من أكثر الأماكن الأثرية التي يتردد عليه الزوار حيث يستقبل 6 ملايين زائر سنوياً. وأخيراً، هناك حوالي 38 ألف مبنى تحظى بحماية وزارة الثقافة بصفتها معالم تاريخية. وتعتبر فرنسا مركزا عالميا بارزا للثقافة والموضة ونمط الحياة، وهي تضم رابع أكبر قائمة من حيث مواقع التراث العالمي لليونسكو. لقد شجعت دائماً الأنظمة السياسية المتعاقبة الإبداع الفني، وساعدت على تشكيل حكومة للثقافة في عام 1959 من أجل الحفاظ على التراث الثقافي للبلد وجعله متاحة للجمهور، وكانت حكومة الثقافة نشطة جداً منذ إنشائها، ومنحت إعانات للفنانين، وتعزيز الثقافة الفرنسية في العالم، من خلال دعم المهرجانات والفعاليات الثقافية، وحماية الآثار التاريخية. وإن كانت فرنسا تستقبل أكبر عدد من السياح سنوياً، فذلك بفضل العديد من المؤسسات الثقافية والمباني التاريخية المتواجدة في جميع أنحاء الدولة ومن خلال المجهودات التى تقوم عليها المواقع الثقافية من قبل الحكومة، مثل مركز الوكالة العامة للآثار الوطنية، وهو مسئول عن حوالي 85 من الآثار التاريخية الوطنية، تمتلك فرنسا حوالى 43180 أثراً تاريخياً تشمل أساساً العديد من القلاع، أو السرايات بالفرنسية والمباني الدينية مثل «كروز على متن اريك، البازيليكا والكنائس»، وأيضاً النصب التذكارية والحدائق، كما وضعت اليونسكو 38 موقعاً في فرنسا على قائمة التراث العالمي. وفرنسا بلد قديم يعود تكوينه للعصور الوسطى، وتعتبر إحدى المناطق المهمة في أوروبا منذ العصور الوسطى، وقد وصلت فرنسا إلى أوج قوتها خلال القرن 19 وأوائل القرن 20، إذ امتلكت ثاني أكبر إمبراطورية استعمارية في 1950، وهي إحدى الدول المؤسسة للاتحاد الأوروبي، وأحد الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن الدولي، كما أنها عضو في العديد من المؤسسات الدولية، بما في ذلك الفرانكوفونية، ومجموعة الثماني ومجموعة العشرين، حلف شمال الأطلسي، ومنظمة التعاون والتنمية ومنظمة التجارة العالمية، والاتحاد اللاتيني، وهي أكبر بلد في أوروبا الغربية والاتحاد الأوروبي من حيث المساحة وثالث أكبر دولة في أوروبا بشكل عام بعد روسيا وأوكرانيا، وتلعب فرنسا دورا بارزا في تاريخ العالم من خلال تأثير ثقافتها وانتشار اللغة الفرنسية، وقيمة الديمقراطية والعلمانية والجمهورية في كامل القارات الخمس. وتعتبر فرنسا إحدى الدول العملاقة في المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية الهامة في أوروبا بشكل خاص وحول العالم بشكل عام وهي سادس أكبر دولة من حيث الإنفاق العسكري في العالم، وثالث أكبر مخزون للأسلحة النووية،وثاني أكبر سلك دبلوماسي بعد الولاياتالمتحدة. وهي أيضا ثاني أكبر اقتصاد في أوروبا، والخامس من حيث الناتج المحلي الإجمالي في العالم، أما من حيث إجمالي الثروات، ففرنسا هي أغنى دولة في أوروبا والرابعة في العالم، يتمتع المواطن الفرنسي بمستوى عال من المعيشة، فالبلد له أداء جيد في التصنيف العالمي من التعليم والرعاية الصحية، والحريات المدنية، ومؤشر التنمية البشرية.