ما أصعب أن يتحول الأخضر إلى يابس بائس والفرح إلى مأتم والنور إلى ظلام دامس شديد العتمة، والضجيج والبهجة إلى صمت يشبه صمت القبور. كل هذه المتناقضات التى لا تجتمع أبداً تجسدت فى «أركيديا مول»، المطل على كورنيش النيل، والذى أصبح بمثابة شاهد عيان على حالة المول المتردية وأحزان ودموع وبؤس أصحاب محلاته التى تحول معظمها إلى سُكنى للأشباح والأتربة.. كان مول أركيديا يمثل البهجة والفرحة لرواده وزبائنه وأصحاب محلاته، ولكنه تحول بقدرة قادر إلى ما يشبه الخرابة، رغم أن أصحابه وهم من فصيل المليونيرات يستطيعون بقدرة قادر أن يحولوا الفسيخ إلى شربات كما تقول المقولة الشعبية ولكن يبقى غرض فى نفس يعقوب للإبقاء على حالة المول الذى اتشحت أركانه بالسواد هكذا. «الوفد» كانت فى مول أركيديا ورصدت مأساة أصحاب المحال. بداية نوضح أن مول أركيديا من المولات التجارية التى كانت زائعة الصيت عند افتتاحه عام 2000 وكانت تديره مجموعة هيلتون العالمية حتى إن اسمه كان شهيراً باسم هيلتون أركيديا، والمول مملوك لشركة الأهلى للتنمية العقارية، والتى يمتلكها رجل الأعمال البارز المهندس حسين صبور، والبنك الأهلى. 468 محلاً تجارياً يرصد حازم حمدى حسن، صاحب محل «مايسترو» للبدل الجاهزة، أحد المتضررين من إغلاق المحال وغياب الأنشطة والخدمات بالمول، أسباب حالة التردى التى أصابت المول وعزوف الزبائن عن دخوله وإغلاق عشرات المحال التجارية به فيقول: كانت حالة مول أركيديا عند افتتاحه فى الأول من أكتوبر عام 2000 رائعة لغاية، نظراً للإدارة الجيدة من شركة هيلتون العالمية، وكانت المحال كاملة العدد ويرتاد المول جمهور كبير جداً، وكان هناك حالة انتعاشة كبيرة لأصحاب المحال، لكن كل هذه الأحوال تبدلت تماماً بعد رحيل إدارة هيلتون وقيام المهندس حسين صبور عام 2002 بإسناد الإدارة إلى إحدى شركاته من الباطن، وهى شركة إيسيتا والتى شهد المول ومحاله مع قدومها انحداراً وانهياراً شديداً بلغ ذروته مع حلول عام 2010. حرائق وسرقات يقول حازم حسن، إنه فى يوم 29 يناير عقب اندلاع الثورة كان أركيديا هو المول الوحيد الذى تمت سرقته وتم احتراق جزء كبير منه دون غيره من المولات والفنادق المجاورة له، والغريب أن الحريق بدأ من الدور الثامن وهو شركة الإدارة إيسيتا والأهلى للتنمية العقارية. ويضيف حازم حسن أن المهندس حسن صبور قام بصرف مبالغ التأمين من إحدى شركات التأمين عن هذا الحريق، وكان مبلغاً فلكياً وأعاد المهندس صبور فتح المول فى 15/5/2014، ولكن دون أى خدمات تذكر من صيانة وتكييف ومرافق لدرجة أنه قام بتسليمنا المحال على المحارة مكتفياً بطلاء الواجهة الخارجية للمول. صبور لم يفِ بوعده ويؤكد هانى عجبان، صاحب محل «ماسيج» أنه بعد حريق المول أعطى حسين صبور 60 محلاً للإيجارات وليس للتمليك بعد اتهامهم له بأنه المتسبب فى الحريق مع التقصير الأمنى. ويوضح عجبان أن الجمعية العمومية للمول عقدت لقاء فى فبراير 2014 بموافقة الأهلى على أن يتم افتتاح المول فى 15/5/2014، وفوجئنا بافتتاح هزيل لا يتناسب وأسماء المحال الكبيرة ومنها محال تبيع «براندات» وماركات عالمية واستثماراتها بملايين الجنيهات.. إضافة إلى ذلك لم يقم المهندس صبور بإعادة الملاهى التى كانت تجذب أعداداً غفيرة من الرواد من الأسر المصرية، وغابت المطاعم والكافتيريات وكل الخدمات الرئيسية، الأمر الذى أدى فى النهاية إلى إغلاق العديد من المحال، وتعانى المحال المفتوحة غياب الجمهور والكساد الرهيب لدرجة أن غالبية أصحاب هذه المحال عاجزون عن تدبير فلوس الكهرباء والعمال مع الأخذ فى الاعتبار أن التجار أصبحوا يمتنعون عن إعطاء أصحاب المحال أى بضائع. ويضيف هانى عجاج أن جميع الوعود التى وعدنا بها المهندس صبور لإعادة فتح الملاهى وعمل تسويق يليق بمكانة المول لإنقاذ أصحاب المحال من التسول ذهبت أدراج الرياح لم يف بأى وعود قطعها على نفسه مع الأخذ فى الاعتبار أنه قبل إعادة افتتاح المول قام المهندس صبور بأخذ ثلاثة أشهر مقدم من كل محل بحجة عمل الدعاية والتسويق وإعادة فتح الملاهى إلا أن الملايين التى دفعها أصحاب المحلات ضاعت هباء منثوراً! حسبنا الله ونعم الوكيل يروى أشرف رمضان صاحب 7 محال قصته مع أركيديا الحزين فيقول: أسدد شهرياً 7 آلاف جنيه لصبور ولا أحصل على شىء منها، وقمنا بتسديد أموال كبيرة للصيانة ولكن دون جدوى، فكما ترى هكذا هو حال المول، العديد من المحال مغلقة وكافتيريات محروقة حسبنا الله ونعم الوكيل فى كل من ظلمنا. ويتفق ناصر عبدالحليم صاحب محل جست ون وفايز عوف صاحب محل أكوامارين أنه سبق للمهندس صبور أن أكد لنا أن المول سيتم تظبيطه فى شهر 7/2015، وسيتم افتتاح جميع خدماته ومرافقه الحيوية إلا أن وعوده كسابقها. أسطوانات البوتاجاز.. قنابل موقوتة أما عماد دانيال صاحب محل كيوت فيقول: اشتريت المحل الخاص بى بمبلغ 850 ألف جنيه منذ عام ونصف، ولا أستطيع إلى الآن تحصيل جزء ولو بسيطاً من هذه المبالغ لعدم وجود زبائن وحالة الخراب الكبير التى يعانى منها المول. ويضيف دانيال: إن كافة المطاعم والكافتيريات الموجودة بالمول تستخدم أسطوانات البوتاجاز لعدم وجود غاز بالمول إلى الآن، بالإضافة إلى عدم وجود مياه فى منظومة الحريق ككل داخل المول. ويلتقط مينا شكرى أطراف الحديث فيقول إن كافة أنظمة الأمان بالمول سيئة وفى حالة متردية جداً لدرجة أن الحريق الذى شب بإحدى الكافتيريات تم إطفاؤه بخراطيم المطافئ. وتقول غادة محمد، صاحبة محل لملابس الأطفال: الزبائن غابت والخراب حل على المحلات و10 آلاف أسرة عمالة مباشرة وغير مباشرة تحصل على قوتها من وراء محلات هذا المول فى مهب الريح والضياع بسبب تجاهل الشركة المالكة لإصلاح المول وإعادته إلى ما كان عليه!