وصف مراقبون ومحللون سياسيون البيئة السياسية التى جرت فيها الجولة الأولى للانتخابات البرلمانية لعام 2015 بأنها تتسم بالهشاشة والضعف، فضلاً عن استمرار حالة «السيولة» السياسية المفرطة. وأشاروا إلى أنه من مظاهر تلك الحالة ازدياد وتيرة الانتقال من قبل الأحزاب والأشخاص من حزب لآخر ومن ائتلاف لغيره، هذا بخلاف حالة الاختلافات التى تعيشها الأحزاب السياسية. وأشارت دراسة حقوقية صادرة عن الجمعية المصرية للمشاركة المجتمعية إلى أن قراءة الأرقام الصادرة عن اللجنة العليا للانتخابات فيما يخص أعداد المرشحين من الأحزاب السياسية والمستقلين تثبت حالة ضعف العمل الحزبي، إذ بلغ عدد المستقلين المرشحين بانتخابات مجلس النواب 4058 شخصاً، وهم يمثلون الأغلبية الكاسحة بين المرشحين، فيما بلغ إجمالى الشخصيات الحزبية والمحسوبة على الأحزاب المصرية عدد 1897 شخصاً. أما بالنسبة للبيئة الأمنية المحيطة بالعملية الانتخابية، فقد قال تقرير الجمعية إنها تعانى التطور فى موجات العنف والإرهاب فى بعض المناطق، ومعظمها هادئة فى مناطق أخرى. وفيما يتعلق بالبيئة التشريعية فقد أشار التقرير إلى أنها تبدو غير مناسبة على عدد من الأصعدة منها تلك المتعلقة بالحريات العامة والخاصة للمواطنين، بالإضافة للقوانين المنظمة للعملية الانتخابية التى ثار جدل قانونى ودستورى وحقوقى بشأنها، وبالأخص فيما يتعلق بقانون تقسيم الدوائر الانتخابية رقم 202 لسنة 2014 والتأكيد على عدم دستوريته لافتقاده شرط تكافؤ الفرص، فضلاً عن النظام الانتخابى الحالى الذى جرت بموجبه الانتخابات البرلمانية، وهو ما قد يسفر عن وضعية يكون معها لرجال الأعمال وأصحاب النفوذ والمال لهم الغلبة فى برلمان 2015. وقال التقرير إنه فى ضوء ذلك، امتنعت شريحة كبيرة من المجتمع المصرى ممثلة فى الفقراء رجالاً ونساء والشباب عن التصويت في الانتخابات البرلمانية، وأضاف أن المال السياسى لعب دوراً هائلاً فى الانتخابات. وأوضح التقرير أنه بالنظر للبيئة الاقتصادية فنجد أنها بيئة «خانقة» فى ضوء ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وتدهور وضعية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وبالأخص الحق فى الصحة والتعليم والسكن، فضلاً عن غياب منظومة التشريعات التى تحقق شعار العدالة الاجتماعية، مما قد يكون أثر على نسبة المشاركة بالانتخابات البرلمانية، لافتاً إلى أنه فى ضوء ارتفاع معدلات الفقر نجد أن المال السياسى لعب دورًا هائلاً فى الانتخابات لاسيما من قبل مرشحى رجال الأعمال ومرشحى الحزب الوطنى المنحل وغيرهم، حيث لجأ هؤلاء المرشحون فى الأغلب لشراء أصوات الناخبين. ارتباك العليا للانتخابات وأما عن أداء اللجنة العليا للانتخابات فقد وصفه التقرير بأنه «مرتبك» و«متخبط» من حيث الأرقام والإحصائيات الصادرة عنها فيما يخص نسبة المشاركة فى الانتخابات، التى تم الإعلان عنها فى وقت مبكر من اليوم الأول للمرحلة الأولى، ومن ثمَّ بعد ذلك بساعات قليلة أعلنت اللجنة العليا نسبة مختلفة عن ذلك فيما بعد، وبعد انتهاء المرحلة الأولى أعلنت اللجنة أنها لم تقم بإعلان أى نسبة فيما يخص المشاركة فى عملية التصويت. كما رصد التقرير «عشوائية العمل» من قبل اللجنة العليا للانتخابات فيما يخص عملية توزيع قضاة مجلس الدولة على الدوائر الانتخابية بمحافظات المرحلة الأولى بالمقارنة مع أقرانهم فى الهيئات القضائية الأخرى، مما أدى إلى حالة من الغضب الشديد لدى الغالبية العظمى من القضاة الذين أشرفوا على العملية الانتخابية فى المرحلة الأولى نظراً ل «سوء توزيعهم»، بحسب التقرير. وأضاف: «وفى ضوء هذه العشوائية تغيب عدد كبير من القضاة عن العملية الانتخابية وبالأخص فى اليوم الأول».. وأوضح التقرير أن اللجنة لم تقم بتفعيل العقوبات الواردة فى قانون مباشرة الحقوق السياسية فيما يخص التجاوزات والمخالفات التى شابت المشهد الانتخابى برغم كونها عديدة، ولم تقم بحملة مكثفة بغية تعريف الناخبين بماهية العملية الانتخابية وآلياتها، فالكثير من الناخبين لم يمكن على دراية ومعرفة بتلك الآليات، وعليه جاءت نسبة الإقبال ضعيفة، فى حين كانت نسبة الأصوات الباطلة مرتفعة، والتغاضى عن قيام الكثيرين من المرشحين بخرق الصمت الانتخابى فى بعض محافظات المرحلة الأولى وأثناء اليوم الانتخابى نفسه». التزام الأجهزة الأمنية وقوات الجيش بالحيادية الكاملة. ورصد المراقبون في التقرير الذي أعدته جمعية المشاركة المجتمعية أيضاً التزام الأجهزة الأمنية وقوات الجيش بالحيادية الكاملة أثناء العملية الانتخابية وهذا خلاف ما كان يحدث فى الانتخابات التى كانت تجرى من قبل، وعدم الاحتكاك بالناخبين بل والقيام بتسهيل عملية الانتخاب عليهم، وتأمين تصويتهم فى أجواء هادئة، حيث تم تأمين المقرات الانتخابية على مستوى جميع محافظات الجمهورية. تصدر النساء وكبار السن للمشهد الانتخابى وفيما يخص المشاركة السياسية رصدت الجمعية تصدر النساء وكبار السن المشهد الانتخابى بجميع المحافظات المصرية بدون أية استثناءات، وإن ارتفعت معدلاتها باليوم الانتخابى الثانى. وأرجع التقرير هذا لبحث هذه الفئة العمرية والنوعية على الأمان والاستقرار للبلاد، فضلاً عن قيام الكثير من المرشحين باستغلال السيدات - ولاسيما الفقيرات والأميات - بدفع رشوى انتخابية لهن لدفعهن للمشاركة، بل والتهديد بفرض عقوبات مالية على من لم يذهب للتصويت وكذلك القيام بنقل السيدات لمقارهن الانتخابية، وفى المقابل نجد أن نسبة مشاركة النساء – كمرشحات - فى العملية الانتخابية منخفضة إذ لم تتعد 2%. أعضاء «النور» لا يؤمنون بالعملية الديمقراطية وأوضح التقرير أنه رغم الدعاية الانتخابية المكثفة من قبل حزب النور، إلا أنه لوحظ انخفاض نسبة مشاركة الكثيرين من أنصاره فى الكثير من المحافظات - التى من المفترض أن يتواجدوا فيها كما يدعون - وهذا ما يمكن إرجاعه لعدة مسببات أهمها عدم إيمان الكثيرين من أعضاء حزب النور بالعملية الانتخابية بل وبالعملية الديمقراطية برمتها، ولا بمشاركة الأقباط فى القوائم، ولا بمشاركة الأحزاب السياسية فى أية عملية انتخابية ديمقراطية، وأنهم يسعون بالأساس إلى إقامة «دولة دينية»، لافتًا إلى أن ذلك يكشف حقيقة وطبيعة التيار السلفى فى مصر، بالإضافة إلى امتناع الإخوان عن المشاركة – كناخبين - بالعملية الانتخابية، ما عدا بعض الدوائر القليلة فى بعض محافظات المرحلة الأولى التى كان يوجد بها مرشحون إخوان غير معلنين. أما بالنسبة للأحزاب السياسية، فقد صنفها التقرير إلى نوعين، النوع الأول أحزاب سياسية سيطر عليها رجال الأعمال ومن أمثلتها «قائمة في حب مصر، ومستقبل وطن، والمصريون الأحرار»، ونظراً لحجم الإنفاق المالى - الذى تم تجاوزه وفقاً لما هو محدد فى قانون مباشرة الحقوق السياسية - الذى أنفقته هذه الأحزاب أثناء العملية الانتخابية ومن قبلها، فقد حكمت هذه الأحزاب العملية الانتخابية. أما النوع الثانى من الأحزاب فهى أحزاب سياسية – قليلة الموارد المالية - لم تستطع التنافس بشكل قوى خلال العملية الانتخابية ولاسيما فى ظل هذا المناخ العام الذى سيطر عليه رأس المال، وعليه كانت مشاركة هذه الأحزاب «ضعيفة» مقارنة بالخبرات السابقة لها، ورصد التقرير الحقوقى أيضاً التزام القضاة من المشرفين على اللجان الانتخابية بالحيدة والموضوعية فى إدارة العملية الانتخابية، وإن انتقد عشوائية توزيع قضاة مجلس الدوائر على بعض الدوائر الانتخابية، مما أدى إلى تغيب البعض من القضاة وغلق لجان انتخابية أمام الناخبين – لاسيما خلال اليوم الأول - وحدوث أخطاء شابت العملية الانتخابية، بخلاف ما ذكر عن تلقى بعض القضاة لتهديدات من قبل جماعة الإخوان فى حال مشاركتهم فى العملية الانتخابية. وأوضح تقرير الجمعية المصرية أن مشاركة المجتمع المدنى الدولى فى مراقبة الانتخابات كانت ضعيفة، فى حين كانت هناك مشاركة واضحة من قبل الاتحاد الأوروبى والجامعة العربية والاتحاد الأفريقى والكوميسا للمشهد الانتخابى المصرى، وأن الانتخابات البرلمانية لم تشهد على مدار اليومين أية أعمال للعنف وأكدت الجمعية المصرية، باستثناءات قليلة فى الجيزة والفيوم، لكن الأمن استطاع أن يبطل دور الإرهاب أثناء العملية الانتخابى، ورصد مراقبو المشاركة المجتمعية، العديد من المخالفات والتجاوزات التى شابت العملية الانتخابية على مدار اليومين، منها ضعف الإقبال، والرشاوى الانتخابية، والتأخر فى فتح اللجان، وتوجيه الناخبين من قبل بعض أنصار المرشحين المستقلين وكذلك أنصار مرشحين حزبيين، والدعاية الانتخابية، وشحن الناخبين. وأوصى التقرير اللجنة العليا للانتخابات باتخاذ إجراء تحقيقات فى البلاغات التى تقدمت بها منظمات المجتمع المدنى بشأن التجاوزات والمخالفات التى رصدها مراقبو تلك المنظمات على مدار يومى الانتخابات، وإصدار لوائح واضحة لإدارة اليوم الانتخابى، وضرورة شفافية القرارات الصادرة عنها وإصدارها فى أوقات مناسبة، مع ضرورة اختيار عناصر كفء ومدربة بشكل جيد ومنظم فيما يخص إدارة العملية الانتخابية ليكونوا بمثابة أعضاء فى هذه اللجنة. كما طالب اللجنة العليا للانتخابات، بتنفيذ القانون والعقوبات المتعلقة بتجاوز السقف المالى وبمرحلتى الدعاية الانتخابية واليوم الانتخابى على المخالفين أياً كانوا، وتعزيز ودعم فكرة المشاركة السياسية لدى القطاعات المختلفة من المواطنين لاسيما قطاع الشباب، عبر تكثيف برامج التوعية السياسية للمواطنين، سواء عبر تنظيم الندوات وحلقات النقاش أو تخصيص برامج تلفزيونية حول ذات الهدف. وأوصت الجمعية المصرية أيضاً بإصدار تشريع ينظم أعمال المراقبة لمنظمات المجتمع المدنى على الانتخابات، بما يضمن تمكين تلك المنظمات من المراقبة داخل وخارج اللجان، مع ضرورة أن تكون عملية الفرز علانية وتمكين المرشحين ووكلائهم والمنظمات من حضور فرز كل صندوق على أن يتم الفرز بالمقر الانتخابى، وتسليم نسخة من كشف فرز كل صندوق إلى المرشحين ووكلائهم. وطالب التقرير بتفعيل دور الأحزاب فى الحياة السياسية والشأن العام، مع ضرورة إصلاح المنظومة التشريعية للحياة الحزبية، قائلاً: «وفى نفس الوقت ينبغى على الأحزاب نفسها ضرورة إصلاح أوضاعها الداخلية، لاسيما فى ضوء غياب الديمقراطية الداخلية فى بعض تلك الأحزاب، مع سرعة قيامها بتركيز العمل وسط الشارع السياسى والانخراط داخل الجامعة والنقابات، وضرورة التكاتف بين أحزاب المعارضة وبعضها البعض من أجل التأثير فى الشارع السياسى ككل». كما طالب التقرير بمضاعفة الفترة الزمنية المخصصة للدعاية الانتخابية للمرشحين لكون الفترة المخصصة قصيرة وغير مناسبة لشرح البرامج الانتخابية لهؤلاء المرشحين وتفاعل الناخبين معها، ومناشدة مرشحى المرحلة الثانية لانتخابات مجلس الشعب سواء قوائم أو فردي بالالتزام بضوابط اللجنة العليا للانتخابات المحددة لمرحلة الدعاية الانتخابية، وكذلك بضوابط قانون مباشرة الحقوق السياسية.