أسعار أسعار.. أم سعار تجار؟ بقلم:عباس الطرابيلي منذ 25 دقيقة 55 ثانية قرفنا من السياسة وأمور السياسة.. وكلام السياسة المكرر والمعاد.. ولهذا نأخذكم هذا اليوم الي هم آخر من هموم الحياة والدنيا.. وهو هم يعيشه المصري صباح كل يوم.. بل طوال اليوم.. والمشكلة أن أحداً - من الحكومة - يتفاعل مع هذا اليوم ويتخذ خطوة تصحح هذا الخلل الرهيب، الذي يعيشه المصري كل يوم.. ويتجرعه مع ما يجري من محاكمات للفاسدين والمفسدين.. أقصد لهيب الاسعار. فقد ذهبت لشراء حزمتي فجل وحزمتي جرجير لزوم أكلة الارز بالسمك المشوي التي يعشقها الدمايطة.. فأصابتني صدمة.. وأخرجت الفلوس من جيبي وسألت البائع.. هي الحزمة بكام.. وكان هذا لا يتجاوز عمره 7 سنوات.. فقال دون أن ينظر الي: الحزمة بنصف جنيه. فصرخت: بكم وقد اعتقدت الصبي لا يعرف فإذا برجل بجواره يرد: أيوه الحزمة بنصف جنيه. وضحكت وأنا أقول: بس دي مش حزمة ده كل واحدة عودين جرجير ومثلهما - في الحزمة الاخري - فجلتين صغيرتين. وتجرأت وسألته: أمال حزمة البقدونس بكام فقال الصغيرة بنصف جنيه.. والكبيرة بجنيه.. ومثلها حزم الشبت والكسبرة الخضراء. ولو كان بجواري كرسي لجلست عليه من هول الصدمة. فالحزمة الصغيرة مجرد عودين!! فإذا أردت عمل قارب سلطة فانه يحتاج حزمتي جرجير.. وحزمتي بقدونس.. ومثلهما من الكسبرة والكرفس.. غير الطماطم والخيار والفلفل.. وهي مكونات لابد منها لعمل قارب السلطة الخضراء.. واحسبوها أنتم.. هذا القارب يتكلف كام!!. وسألت عن ربطة خس بلدي صغير للغاية.. والربطة صغيرة فيها 3 وحدات من الخس الصغير فقال دون أن ينظر لي: الربطة بثلاثة جنيهات.. وأقسمت الا اشتري خس! واكتفيت بالخضرة الاخري. وعادت بي الذاكرة الي سنوات بعيدة.. كان عمري وقتها أقل من العاشرة.. وكانت أمي تطلب مني شراء 3 حزمات خضرة. واحدة فجل. والثانية جرجير. والثالثة كرات أو كرات ناري أو كرات مصري أتدرون.. كم كان الثمن.. ثمن كل هذا؟ نصف قرش يعني بخمسة مليمات كانت الحزمة حزمة بحق وحقيق. حزمة تملأ العين والاهم تملأ.. وأيضاً تملأ قارب السلطة. وبالمناسبة كانت أمي - في غياب أبي وسفره خارج دمياط - تعطيني خمسة قروش وتطلب مني أن أذهب لبائع سمك معين من الشيخ درغام - بجوار عزبة البرج أمام رأس البر - لاشتري أقة سمك شبار «بلطي مبطرخ» والاقة زمان تساوي كيلو وربع الكيلو الآن وأدفع ثمناً لها أربعة قروش.. والقرش الباقي نصفه أدفعه قيمة للفران مقابل شوي السمك.. ونصف القرش الآخر كانت أمي مرة تطلب مني شراء 3 حزم فجل وجرجير وكرات أو تعطيني مطبقية صاج مطلي كبيرة لاذهب الي «اللفات» وكان أشهر طرشجي في كل دمياط ليملأ لي المطبقية بالطرشي الرائع من كل الانواع: لفت وجزر وخيار وزيتون وكرنب وفلفل شطة أما ماء الطرشي.. فحدث ولا حرج. وكان كل ذلك بنصف القرش الآخر. تذكرت كل ذلك وأنا أحمل معي «شوية فجل وجرجير وبقدونس» بعد أن دفعت 8 جنيهات فيما كنت أدفع فيه - وأنا صبي - قرش صاغ واحدا فقط لا غير.. ولمن لا يعلم فإن الجنيه كان فيه 100 قرش أي انني دفعت 800 قرش فيما كنت أدفع فيه قرش صاغ واحدا فهل هذا هو معدل التضخم وزيادة الاسعار أي 800 مثل؟!. انني لن أتحدث عن التهاب أسعار البيض مثلاً وأقول انني أكلت البيضة بثلاثة مليمات ولكنني أكلتها بثمن 6 مليمات!! الآن وصل سعر البيضة الواحدة إلي 60 قرشاً. أي بلغ التضخم ب«سعر البيض» الي 600 مثل بحكم أن القرش يبلغ 10 مليمات أي ان التضخم بمقياس سعر البيض يبلغ 600 بينما هو في سعر الفجل والجرجير 800 ولا تسألوني عن زمن شراء هذه المستلزمات.. مثلاً هل نقول 50 سنة.. يا سيدي بلاش قولوا 60 أو 65 سنة أو 70 سنة ولكن هل تقفز الأسعار الي 800 مثل الاسعار من 70 سنة. أقول ذلك لاننا يجب أن نقيس تزايد الاسعار والتضخم بما نحتاجه من مواد أساسية.. وهل هناك ما هو أكثر أهمية مما نأكل. واذا كان ذلك ما جري لاسعار سلع قد يراها البعض هامشية فما هو الوضع الذي أصبح عليه أمر سلع غذائية أساسية مثل اللحوم والدواجن والاسماك والارز والسكر والشاي وغيرها.. الامر فعلاً يمثل كارثة وان كان ذلك هو الامر الواقع الذي جعل كل المصريين تصل صرخاتهم الي عنان السماء. والكارثة ان معدل الزيادة هذه الايام يفوق أي تصور.. حقيقة نحن نتبع سياسة حرية التجارة. ولكن ذلك لا يعني أن نترك التجار يحددون هم الاسعار كيفما شاءوا. وهذا يحدث بسبب غياب السلطة فلا مفتش تموين يراقب. ولا شرطة تموين تطوف الاسواق ولا التزام بتحديد الاسعار.. فكل تاجر يحدد السعر الذي يريده ولا تحديد لنسبة الارباح التي يجب أن يقنع بها التاجر. واذا كان كل المصريين يشتكون من الانفلات الامني.. فانني أري اننا نعيش أيضاً نوعاً من الانفلات السعري، والسعري هنا من الاسعار.. وليس «السعار» وهو مرض يصيب الكلاب ولا منجاة منه إلا بأخذ 21 حقنة في البطن. فهل نحتاج الي هذه الحقن أم نحتاج الي اعادة الانضباط الي الاسعار وإلي الاسواق.