منذ أن قامت ثورة 25 يناير وهناك حالة من الفوضى فى الشارع المصرى وأصبحت البلطجة عملة سائدة، وكانت من قبل غريبة على مجتمعنا.. الآن نحن فى حاجة الى ثورة داخل كل مواطن لإصلاح نفسه ولإعادة الأخلاق الى قلب وعقل ووجدان المواطنين.. لقد فسر الكثير من الناس الحرية بالخطأ وأساء كل منهم استغلال كلمة «الروح الثورية».. فكيف يمكن لشعب عريق أن يرضى بالتردى؟ وكيف نهدم ما بناه أبناؤنا وأجدادنا بسلوكيات تسيىء الى سمعة المصريين ككل؟ فلم يعد الشارع القديم الذي يسوده الهدوء وتقاليد المصريين العريقة في مخاطبة بعضهم البعض موجودا بل انتقلت عدوي الانفلات الاخلاقي الي الوجهاء وأصحاب الفخامة حين ينزل أحدهم فجأة وسط زحام المواطنين من سيارته الأنيقة ليصب وابل قذائفه وشتائمه علي سيدة أو فتاة في عمر أولاده حاولت سيارتها المتواضعة ان تحتك بسيارته ويرشقها بوصلة ردح عنيفة لا يستطيع اتقانها مخرج شهير لممثل أو ممثلة محنكة في مسلسل درامي. ومما يلفت النظر ما كشفت عنه ادارة البحث الجنائى بالادارة العامة للمعلومات والتوثيق من أن الكثير من البلاغات تأتيهم من مواطنين تعرضوا للاغواء على شبكة الانترنت حيث يقوم بعض النصابين من الرجال بالادعاء بأنهم نساء للايقاع بالرجال ضعاف النفوس مع تصويرهم بعض الصور الخارجة وابتزازهم بها. ويربط الكثيرون من علماء النفس بين ظاهرة انعدام القيم والانفلات بحالة المد الثوري التي عرفها المصريون على مدار السنوات الثلاثة الماضية منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011، حيث إن الثورة والغربة تخرجان أسوأ ما في الإنسان، وبطبيعة الحال كلا المتغيرين موجود في الأسر المصرية التي تعاني أغلبها من الفقر والبطالة والأمية والمرض والإعلام المحرض وهذه أعلى تأثيرات الغربة داخل الأوطان. يقول الدكتور «سعيد عبدالعظيم» أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة: إنه لا يمكن إنكار أن مصر تمر بمرحلة يطلق عليها حديثى أو محدثى ديمقراطية، فأغلبية الشعب يمارس السياسة وكل يدلى برأيه فيما يفهمه ولا يفهمه ويؤثر ويتأثر بالغير، مما جعلنا نشعر بالإحباط والتخبط فى الآراء، وهو ما يدعو أفراد الأسرة المصرية إلى التسيب بعض الشيء خاصة ان الأبناء أصبح لديهم رأي ولكن يفتقد إلي التوجيه والقيم التي من المفترض أن تبثها الأسرة.. كما أن شوشرة الإعلام وخاصة برامج التوك شو التى كثيرا ما يحدث فيها نقاشات حادة تنتهي بالسب والشتم العلني، مما يؤدى إلى تشتت الأفكار والميل التلقائي للتبجح وقلة الأدب، والحال لا يختلف أيضا فى الإعلام المسموع والمقروء، فهناك من يكتب لصالح تيار بعينه ويمتدحه ويسانده ثم نفاجأ فيما بعد برؤية مغايرة ويصبح يشتمه علي صفحاته ويسبه بأقذر الألفاظ التي يتداولها بعد ذلك الشباب عبر مواقع التواصل ويكتبونها علي حوائط المباني العامة وكل ذلك بالطبع يحدث نتيجة انشقاقات وتخبطات فى الرؤى لدينا جميعا وليس الأبناء فقط. وطالب «سعيد» الأسر المصرية بتخصيص بعض الوقت لأبنائها وتناول قضايا جديدة للتحدث فيها وبث القيم والأخلاق، ومنها المشاركة الاجتماعية - بناء الوطن - الانتماء والوطنية, وغيرها.. كما يجب أن يكون هناك برنامج ولو واحد يخاطب الأسرة المصرية وينبهها لمخاطر ترك أبنائها بلا قيم ولا أخلاق ويجب علي كل مواطن ان يكون له دور فعال فى المجتمع بجانب عمله الأساسى على قدر استطاعته المادية أو الجسدية لبناء مصر العظيمة قوامها شباب واع وجيل نشأ علي تربية سليمة. في حين أرجع الدكتور فاروق أبو زيد - عميد كلية الإعلام السابق - أسباب الظاهرة إلي أن تراجع دور الأسرة المصرية عندما تخلت عن دورها التربوي تجاه الأطفال شيئا فشيئا حتي انعدم تماما فالعامل الأساسي هو تحسين الدخل المادي فينشغل الأب عن أسرته فضلا عن انشغال الأم بالأعمال المنزلية تاركة أطفالها للهو, كما أن الأطفال والشباب يشاهدون يوميا في التليفزيون أحداث عنف وقيما سيئة تتسلل إليهم من خلال تلك الشاشة التي تحولت لوسيط لنقل أحداث العنف وبدوره أصبح التليفزيون فهو أخطر وسيلة لانعدام القيم والأخلاق فالكلمة مع الصورة تعمل على ترسيخ الظاهرة فنجد العنف في برامج التوك شو والمسلسلات المدبلجة التي تنقل ثقافات غير مصرية حتى نشرات الأخبار لا يوجد عليها معايير أخلاقية الآن و تنقى تماما من أى مظاهر عنف وقتل وهذه القيم تقوم بعمل تطبيع بين نفسية الطفل وبين العدوان وتظهر في مرحلة المراهقة. ويضيف: للأسف مشكلة العالم الثالث أن لديه من الأسباب ما يكفي لخلق بيئة غير صالحه ومن بينها الفقر والبطالة والهوية الاجتماعية والانتماء الاجتماعي فهذه الأسباب أدت إلى الاضطراب فلو لدي الفرد القناعة والرغبة في سماع الآخر لن نصل للعنف والمشكلة أننا لا ندرى ماذا نريد وكل فرد منا يتبنى فكرة ويدافع عنها ويعتقد أن هذه الفكرة هى الحقيقة والأصوب من وجهة نظرة مع أنه لو تعلم وتفهم حتى لو فكره هو الصحيح ففى نهاية الأمر ربما الرأي الآخر يعالج الأفكار أو يثبتها. واستطرد «فاروق» قائلا: لا نغفل أن هناك سببا قويا جدا وهو طريقة الشحن الديني الخاطئ التي تعطى جرعة إقصاء لطرف دون الآخر فنجد انتماء طرف منا لتيار ديني معين أصبح الآخر أمامي يمثل عدوا لي مما أدى إلى الاختلاف والتحول إلى ظاهرة العنف بين الزوجين والأقارب كحالات قتل أو خصام أو انفصال وفى النهاية يظهر لنا أطفال مشردون وأطفال شوارع وجيل خال من التربية.