ما زالت مسألة ارتفاع أسعار اللحوم واختفائها تثير قلق الحكومة وغضب المواطن، فمع حلول عيد الأضحي المبارك فلا حديث للمواطن إلا عن غلاء أسعارها وهو ما وصل إلي درجة من الارتفاع تهدد بحرمان قطاع كبير من المواطنين من شرائها. «الوفد» في التحقيق التالي ترصد أسباب ارتفاع أسعار اللحوم ومقترحات المربين بشأن النهوض بالقطاع وكيفية زيادة المطروح وصولاً لتحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاجها ودحض الادعاءات الباطلة بأن مصر غير مؤهلة للتميز بثروة حيوانية كبيرة. في البداية يؤكد سيد نواوي، عضو غرفة القاهرة التجارية، رئيس إحدي الشركات المستوردة للحوم، أن الارتفاع الأخير في الأسعار ليس مسئولية الجزار وحده بل هو نتاج عوامل أخري، موضحاً أن الارتفاع في أسعار اللحوم البلدي ونقص المعروض من المستورد دفع الحكومة للتعاقد علي لحم سوداني يتم توريدها للسوق المصري بطريق البر وهو الأمر الذي يوفر مصاريف الشحن والذبح أحياناً. وأضاف أن عدم تغطية الاعتمادات الاستيرادية من قبل البنوك تسبب في تأخر دخول اللحوم للسوق المحلي مبكراً، بالإضافة إلي إسهام ارتفاع الدولار في رفع أسعار اللحوم المستوردة، خاصة الضأن التي تراوح سعرها ما بين 38 و43 جنيهاً للكيلو. وأضاف «نواوي» قائلاً: لولا تدخل القوات المسلحة وقيادتها بطرح لحوم في المناطق الأكثر احتياجاً بأسعار تراوحت ما بين 34 و40 جنيهاً للكيلو لواصلت اللحوم ارتفاعها بالأسواق. وقال: إن ذلك لم يؤد إلي خفض الأسعار، لأن اللحوم طرحت من أجل طبقة معدومة من المواطنين وهم الأكثر فقراً، بالإضافة إلي أن معظم المواطنين يلجأون لشراء اللحوم بأعداد كبيرة ونوعية جيدة. وأرجع «نواوي» ارتفاع أسعار اللحوم إلي نقص المعروض خلال الموسم الحالي، نتيجة انتشار الأوبئة، خاصة الحمي القلاعية التي أدت لنفوق أعداد من الماشية ولم تعلن عنها الحكومة نظراً لعدم توصلها لطرق علاجها في حالة الإصابة، بالإضافة إلي ارتفاع أسعار أمصال مكافحتها التي يتم استيرادها من الخارج. وأكد «نواوى» أن هناك العديد من الرسائل المستوردة المكدسة في الموانئ التي ترفض الجمارك الإفراج عنها بسبب عدم قيام البنوك بتحويل قيمة الصفقة بالدولار. وقال «نواوي»: إنه يجب أن تقوم الجمارك باتخاذ خطوات أكثر مرونة مثل الإفراج المؤقت طالما قام المستورد بسداد قيمة الصفقة بالجنيه. ويرفض «نواوي» اتهام الجزار بمفرده بالمسئولية عن ارتفاع الأسعار، مؤكداً أنها مسئولية جميع الأطراف.. وقال: إن مصر في أواخر السبعينيات كانت دولة مصدرة للحوم، خاصة للأسواق العربية إلا أنها توقفت عن التصدير أواخر الثمانينيات لنقص الإنتاج إلي أن تراجعت بشكل حاد بسبب تراجع وتجريف الرقعة الزراعية، بالإضافة لظهور الأوبئة والأمراض، خاصة التي انتقلت بالعدوي للماشية المحلية من قبل الأفريقية وبسبب نقص الرعاية البيطرية تراجع الإنتاج بدرجة كبيرة. وبرر توقف مشروع البتلو لعدم قدرة الفلاحين علي القيام بدور التربية بسبب تكاليفها التي تأثرت بارتفاع أسعار الأعلاف وافتقادها للرعاية الطبية. ويري أن الحل هو زيادة الاهتمام بالبحوث الحيوانية وتغيير نمط الغذاء من خلال إنتاج نوع من الأعلاف المحلية بدلاً من استيراد أعلاف في ظل المتغيرات السعرية العالمية وتذبذب سعر الدولار. ويري الدكتور أسامة خير الدين، رئيس المجلس التصديري للحاصلات الزراعية الأسبق، أن الاستيراد السلبي أثر علي إنتاجية المربي، فللأسف دائماً ما نستسهل الحلول الوقتية، فمصر تستورد أعلافاً بنسبة تزيد علي 85٪ وتستكمل النقص في المعروض من اللحوم البلدي بالاستيراد من الخارج الذي تزايد في الفترة الأخيرة لسد الفجوة بين المعروض والطلب ليبلغ نسبة الكميات المستوردة في الفترة الأخيرة حوالي 65٪. وأوضح أن المجلس كان قد أعد تقريراً منذ فترة وقدمه لوزارة الزراعة التي اعتمدته كخطة لتطوير الإنتاج ومن ثم زيادته، إلا أنه توقف لأسباب غير معلومة. موضحاً أهم ملامح الخطة وضع استراتيجية لزراعة أنواع من الأعلاف تتناسب مع الماشية المحلية كزراعة نوعين من الزراعات وهما الفول الصويا والذرة الصفراء. ويري «خير الدين» أن أكثر الأمور التي أضرت بالثروة الحيوانية هي افتقاد غذاء الماشية من الأعلاف، بالإضافة إلي ذبح العجل زنة 70 كيلو جراماً معتبراً ذلك كارثة أدت لتآكل الثروة الحيوانية. وأوضح أهمية إيجاد حلول سريعة أخري لحل المشكلة وأهمها استيراد عجول صغيرة لا يزيد وزنها علي 250 كيلو جرام، تمهيداً لوصولها إلي 500 كيلو جرام قبل ذبحها. ويوضح «خير الدين» أن تغير النمط الزراعي قد يسهم في المحافظة علي نوعية اللحم، فمثلاً في أوروبا قد يصل وزن البتلو إلي 300 كيلو ويظل لون لحم العجل وردي وسهل الهضم في الأكل وجودة نوعيته ترجع إلي العشب الأخضر الذي يأكله العجل هناك. ويشير أحمد صقر، عضو غرفة الإسكندرية التجارية، إلي تكدس الموانئ برسائل لحوم تم استيرادها وفشل أصحابها في إدخالها للسوق المحلي بسبب عدم قيام البنوك بتغطية الاعتمادات الاستيرادية بالدولار، رغم قيام أصحابها بسداد قيمتها بالكامل للبنك بالجنيه. وأوضح «صقر» إمكانية حل مشكلة البضائع المكدسة بالموانئ وهي قيام الجمارك بعمل إخراج مالي مؤقت يتم سداده بالجنيه لحين تدبير الدولار، وهي ما تعرف بنموذج 4 مؤقت تمنح كشهادة جمركية للشركة المستوردة وتقوم المعامل المركزية بعد ذلك بسحب عينة من الرسائل لفحصها وتحليلها قبل طرحها بالأسواق، معتبراً أن هذا الإفراج الصحي سوف يوفر في عامل الوقت.