منذ نشأة النظام الإقليمي العربي الذي تزامن مع نشأة النظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية والعلاقة بين النظامين علاقة غير متكافئة، وهي أقرب إلى علاقة التبعية من جانب النظام الإقليمي العربي للقوى المتحكمة بالنظام الدولي، التي تمثلت يومها بالولاياتالمتحدة والاتحاد السوفييتي. وقد انعكست تطورات العلاقة بين هاتين القوتين على مجمل تفاعلات العلاقات العربية - العربية، والتي رهنت مصيرها ومستقبلها بالارتباط بعلاقات بالولاياتالمتحدة أو الاتحاد السوفييتي. وهذه العلاقات غير المتكافئة هي التي أسهمت بشكل واضح في حدوث خلل في توازن العلاقات بين النظامين. وهذا الخلل هو الذي يفسر لنا ما آلت إليه الحالة العربية من تدهور، ومن تحولات سياسية تعصف بمستقبل النظام الإقليمي العربي برمته. واتسمت العلاقات على مدار عقود طويلة بعدم التوازن الاستراتيجي، بمعنى الارتباط بالقوة الأمريكية بشكل كبير، ما أضعف القرار العربي من التحرر من تبعات السياسة الأمريكية، وجعل القرار الأمريكي المتحكم في الكثير من القضايا والملفات العربية. وقد وصلت ذروة العلاقات بعد حربي الخليج الأولى والثانية خصوصاً في أعقاب حرب العراق على الكويت، وهي الحرب التي كانت بمثابة ضربة موجعة لمفهوم الأمن القومي العربي، وتحديد الأخطار التي تواجه دول المنطقة. فبدأت تظهر مفاهيم وتصورات جديدة للأمن العربي تنبع من الداخل وليس من الخارج، ولقد كان انفراد الولاياتالمتحدة لفترة بقيادة النظام العالمي، ومحاولتها إعادة بناء نظام أحادي القوة تقوده في مواجهة القوى الأخرى وخصوصاً قوة روسيا التي خلفت الاتحاد السوفييتي، وفي هذه السياسة لعب النظام العربي دوراً مهماً في السياسة الأمريكية، التي حاولت توظيف كل إمكانات القوة في هذا النظام بما يخدم مصالحها الاستراتيجية العليا على حساب أهداف الاستراتيجية العربية. وكان نتيجة هذه العلاقات غير المتكافئة ترسيخ التواجد الأمريكي المباشر في قلب المنطقة، وبداية سياسات التفكيك التي تمارسها الولاياتالمتحدة لبنية النظام الإقليمي العربي، بتفكيك وحداته السياسية، والبداية كانت واضحة في العراق التي بدأت سيناريو التفكيك هذا الذي امتدت آثاره للعديد من دول المنطقة كسوريا وليبيا واليمن، وغيرها، ولو قيض لهذه السياسة أن تستمر لتعرضت كل دول المنطقة لتفكيك بنيتها السياسية بتشجيع النعرات الطائفية والمذهبية والإثنية. وبدت مخاطر هذه السياسة وعدم التوازن الاستراتيجي في العلاقات تظهر في أعقاب الحركات العربية، التي كان للولايات المتحدة الدور المهم في تبني وتشجيع المشاريع غير العربية مثل المشروع الإخواني.. ولمواجهة مخاطر هذه السياسات الأحادية كان لا بد من تحرك عربي بدأته عدد من الدول العربية التي بيدها قرار تحديد مستقبل المنطقة العربية كمصر والسعودية ودولة الإماراتوالكويت وغيرها. هذه الدول بدأت تدرك أهمية التحرر من سياسات التبعية، أو على أقل تقدير في المدى القصير تحقيق قدر من التوازن الاستراتيجي في العلاقات على المستوى الدولي. فكان الإدراك أن المشكلات والملفات التي تعانيها المنطقة العربية كالملفين السوري واليمني والملف النووي الإيراني وغيرها من الملفات المصيرية لا يمكن أن تحل بوضع كل البيض العربي في سلة الولاياتالمتحدة فقط. وخصوصا مع تزايد دور قوى كبرى بدأت تزاحم القوة الأمريكية التي لم تعد أحادية القوة، وبروز قوة روسيا التي لا يمكن حل ملفات المنطقة من دون الدور الروسي، ناهيك عن دور القوة الصينية والأوروبية واليابان كقوة اقتصادية. هذا التحول في بنية القوة الدولية قابله إدراك من صانعي القرار في الدول العربية المعنية، فكان التوجه نحو روسيا، والزيارات المتبادلة لدعم العلاقات الثنائية بين روسيا وهذه الدول. وفي هذا السياق تأتي أهمية الزيارة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السياسي والتي أعادت الروح للعلاقات المصرية الروسية، وزيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد الأخيرة وقبلها زيارات لمسؤولين سعوديين كبار. كل هذه الزيارات دلالتها السياسية واحدة وهي محاولة استعادة التوازن الاستراتيجي الذي ظل مفقوداً لعقود طويلة في علاقات العرب بالعالم الخارجي، وهذه الزيارات لا تعني التخلي عن العلاقات الاستراتيجية مع الولاياتالمتحدة بقدر ما هي تصحيح لهذه العلاقات، ورسالة واضحة في اتباع سياسات جديدة تقوم على التحرر من كل أشكال التبعية، وبالتالي يصبح القرار العربي أكثر تأثيراً وفعالية فى التأثير العالمي، ومن شأن هذه السياسة أن تحول العرب إلى دول قوية مؤثرة فى محيطها الإقليمي والدولي، وهو ما يضمن معه العودة لنظام إقليمي عربي فاعل، قادر على مواجهة تحولات القوة الإقليمية والدولية، وقد تكون بداية لإعادة نظام إقليمي عربي أكثر حضوراً وفعالية بهذا الدور المشترك الذي تقوم به الدول العربية.. نقلا عن صحيفة الخليج