انكشف المستور بعد الثورة الشعبية غير المسبوقة في30 يونيو, وتراصت الصفوف في الغرب ضد إرادة المصريين ورغبتهم في الحرية والاستقلال, وقفت أمريكا وأوروبا في خندق الإخوان المسلمين تدعمهم, وتهدد الشعب المصري وتنذره بأوخم العواقب والتدخل الفج في شئونه, لأنه رفض الوصاية والعمالة, بعد أن تمرمغت جماعة الاخوان علي عتبات البيت الأبيض وبروكسل. لكن الأمر لم ينته ومازال الخطر وشيكا. ونادي كثيرون هيا بنا نتجه شرقا, إلي روسيا والصين والهند واليابان..فهل ستشهد مصر تحولا كهذا أم أن الفاتورة باهظة والتدابير مؤلمة. طرحنا هذا السؤال علي الخبراء, ففاضت إجاباتهم بالفرص والتحديات. د. قدري سعيد رئيس برنامج الدراسات الأمنية بمركز الدارسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام يقول: لا شك أن الولاياتالمتحدةالأمريكية دولة كبيرة, ولها قدرة عالية من ناحية التكنولوجيا والشق العسكري وأبحاث الفضاء, وفي حالة مصر ظلت مصر ولعدة عقود تدور في المدار السوفيتي, وبعد ذلك تفكك الجانب السوفيتي وبقيت روسيا ولم تستطع تقديم المساعدات منفردة, وبعد حرب1973 قام السادات وبالتعاون مع كيسنجر وزير خارجية الولاياتالمتحدة في ذاك الوقت بتحويل المسار إلي التعاون الشامل الاقتصادي والعسكري مع أمريكا, وسبق ذلك إعلان كيسنجر اتجاه الولاياتالمتحدة إلي الغرب ليشمل التعاون أوروبا الغربية لتحدث تطورا في تلك الدول نتيجة للمساعدات المقدمة من الولاياتالمتحدة, وكان نتاج هذا التعاون هو الاتحاد الأوروبي, وأسفر التعاون بين مصر والولاياتالمتحدة عن مساعدات سنوية تقدر ب1.55 مليار دولار سنويا وهذا المساعدات تتلقها بلدان فقط هي مصر وإسرائيل, فمصر لها ما يميزها من وضع إستراتيجي في العالم أجمع فهي تتوسط العالم وكان لها دور مهم في حرب الخليج الأولي وتحرير الكويت, ويؤكد د. قدري سعيد أن أي عاقل سياسيا لا يمكن له الاستغناء عن دور مصر وموقعها الاستراتيجي, وإلي الآن ولأكثر من مرة يعلن وزير الدفاع الأمريكي عن أن المساعدات الأمريكية لمصر مستمرة ولن تقطع وهذا يؤكد وضع مصر بالنسبة للإدارة الأمريكية. ويضيف د. قدري سعيد أن العلاقات المصرية-الأمريكية في الفترة الأخيرة مضت في اتجاه في رأي الشخصي لم يكن يجب أن يحدث, ولكن كان ذلك نتيجة لتراكمات ماضية, ففترة حكم مبارك امتدت لمدة30 عاما, وكان ذلك يشكل بالنسبة لأمريكا وبعض الدول الأوروبية مأزقا لأن فترة أي حاكم في تلك الدول لا تتجاوز أربع أو خمس سنوات, وخصوصا بعد أن تسربت أنباء عن عملية توريث الحكم لابنه جمال مبارك, والسبب الثاني أن مبارك خلال الثلاثين عاما التي قضها مبارك في الحكم لم يستطع خلالها المضي قدما في الجانب الاقتصادي والسياسي والنهوض بمصر لتكون حتي في مصاف بعض الدول الآسيوية, وعند قيام ثورة يناير2011 كان ذلك مؤشرا للولايات المتحدة أن مصر في طريقها الصحيح, وكان أيضا حجم المشاركة في عملية الانتخابات التي جرت بعد الثورة مؤشرا علي أن مصر تمضي قدما في عملية التحول الديمقراطي. ويضيف د. قدري أنه بعد رحيل الإخوان المسلمين عن الحكم في مصر كان هناك خطأ جسيم من الطرف الأمريكي بسبب أننا فقدنا القدرة علي شرح وتفسير الوضع القائم والصورة الحقيقية في مصر للجانب الأمريكي, فتبني الولاياتالمتحدةالأمريكية للإخوان المسلمين ناتج عن وعود الإخوان للطرف الأمريكي بدعم التجربة الديمقراطية, وهذا ما كان مستغربا بالنسبة لي خصوصا وأنني أعرف خلفيتهم التاريخية, فالجانب الأمريكي لا يعرف تفاصيل ما حدث قبل وبعد ثورة30 يونيو أو المكونات والتفاصيل الدقيقة داخل الصورة, والفهم الأمريكي للإخوان جانبه الصواب لأنهم كانوا يتصورون أن الإخوان علي قدر كبير من الديمقراطية وأنهم لا يكذبون وأن باستطاعتهم الفوز في أي انتخابات يتم تنظيمها وهو شئ غير صحيح. وعن التعاون المصري-الصيني والروسي يقول د. قدري سعيد: إنه منذ تولي الرئيس الراحل محمد أنور السادات المسئولية تبني فلسفة تنويع مصادر السلاح لمصر, ومنذ ذلك الحين وتقوم مصر بالتعاون العسكري و التدريب مع فرنسا والصين وألمانيا وغيرها من البلدان إلي جانب الولاياتالمتحدةالأمريكية وهي تحتل مرتبة متقدمة في هذا التعاون, فأمريكا الأولي من الناحية التكنولوجية الاقتصادية, وبالتالي إذا حدث بعض التوترات في العلاقات بين مصر والولاياتالمتحدةالأمريكية يجب وبسرعة أن يكون هناك تحرك سياسي وتفاعلي مع الجانب الأمريكي وهذا ليس معناه تقبيل الأيادي وإنما يجب أن يشاهدني بصفة مستمرة من خلال الحوار الدبلوماسي وأيضا من خلال الوفود الشعبية لتعريف الجانب الأمريكي بتفاصيل الصورة الحقيقية لما يحدث علي الساحة المصرية. ويشير د. قدري سعيد إلي أحدي ثمرات التعاون العسكري بين مصر والولاياتالمتحدةالأمريكية وهي المناورات العسكرية التي تجري بين البلدين كل عام باسم النجم الساطع وأنها في خلال العامين الماضين شهدت تحولا استراتيجيا لتمتد إلي جنوب البحر المتوسط وتشهد إسقاطا مظليا للجيش المصري في احدي الجزر جنوب إيطاليا وكان هذا التدريب رائعا, وكنا نحن من يدير ذلك التدريب, ويؤكد د. قدري أن العلاقة بين مصر وأمريكا ليس بها شئ من التبعية وأنها علاقات متكافئة وتربطها مصالح مشتركة بين الجانبين, وهناك حالة من الخجل بين السياسيين وهو ما لا يجب أن يكون وكان يمكن لمصر أن تحقق العديد من المكاسب وأضعاف ما تحصل عليه من المساعدات الحالية فنحن نعاني من حالة عدم الإعجاب بأمريكا, فيجب تعظيم الاستفادة من الولاياتالمتحدة بقدر المستطاع في كافة المجالات الصحية والتعليمية الاقتصادية ويجب أن نعترف بعدم الصدام معهم لأنهم أيضا لا يريدون الصدام معنا. علاقات متوازنة مع الشرق دون أي ضغوط فيقول د.مجدي صبحي نائب رئيس مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام والخبير الاقتصادي إن السؤال يطرح تغييرا إستراتيجيا في المجتمع, ومن الصعب أن يتم ذلك في فترة زمنية قصيرة حتي لو سنوات,لأن جزءا من علاقاتنا بالغرب وأمريكا بها جزء إستراتيجي, يشمل واردات السلاح وقطع الغيار والصيانة, فقرار تنويع مصادر السلاح ليس سهلا,وله تبعات كبيره, والسلاح الموجود بين أيدينا رهن لمن يقدم لك قطع الغيار والصيانة,ثانيا أنظمة التدريب سوف تكون مختلفة, وصانع قرار تنويع مصادر السلاح يجب أن ينفذه علي مدي زمني طويل, وأن يضع في حسابه إذا ما تعرض لتهديد كبير كيف يتصرف. ويضيف صبحي: أن المعونة الأمريكية ليست بالضخمة, فهي تمثل1.55 مليار دولار ومن السهل جدا تعويضها, كما أشار وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير سعود الفيصل,إلي انه لو تم قطع المعونة الأمريكية عن مصر فإن باستطاعة الدول العربية والإسلامية تعويضها, المهم هو ما يترتب علي هذه المعونة من أنظمة تسليح وصيانة وتدريب قوات وحتي طريقة إدارة الحرب ذاتها. وعن البعد الاقتصادي وارتباط مصر بالغرب والولاياتالمتحدة يقول مجدي صبحي هناك مشكلة كبيرة لأن مصر ترتبط بالغرب ارتباطا قويا علي مدي ال40 عاما الماضية, فإن أكثر من60% من الصادرات المصرية تذهب إلي الدول الأوروبية والولاياتالمتحدةالأمريكية, أغلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة هي غربية أو أمريكية, ومن الوارد أن يكون هناك تنويع في هذا المجال بالاعتماد أكثر علي بلدان مثل الصين وروسيا, فالصين تحقق فوائض وربما يكون لديها ميل للاستثمار في مصر, ولكن هذا مازال محدودا ولا يمكن الاعتماد عليه لتسير عجلة الاقتصاد المصري وهو بالأساس يمر بمرحلة صعبة, أيضا موضوع التجارة موضوع مهم لأن أغلب الصادرات المصرية لم تجد لها فرصة في السوق الصينية للمنافسة السعرية, وبالنسبة لروسيا كانت تحكمنا اتفاقات مقايضة بمعني أنه كان يتم توريد السلاح الروسي في مقابل بعض السلع المصرية, فالبعض ينظر إلي هذه العملية بأنها تترك أثرا سلبيا علي الاقتصاد القومي, لتأثيرها علي المنافسة السعرية والجودة في سوق عالمية مفتوحة وبالتالي يحكم حركة نمو الاقتصاد في المستقبل, السياحة هي الأهم من حيث الدخل وخصوصا السائح القادم من ألمانيا وايطاليا والولاياتالمتحدة وربما يمكن تنظيم برامج لتحفيز وجذب حركة سياحية من روسيا والصين لكنها لن تعوض من حيث القيمة في المدي المنظور السياحة الغربية, القرار بمحاولة تغيير العلاقات الإستراتيجية مع الغرب إلي علاقات مع مجموعات أو كتل أو دول أخري ممكن ومطلوب لكن يجب أن يكون حذرا ومدروسا لتلافي الآثار السلبية التي يمكن أن تنعكس علي مصر واقتصادها.ويجب أن يكون في إطار فلسفة جديدة للتنمية والنمو الاقتصادي في مصر, مع إحداث توازن ما في العلاقات السياسية والاقتصادية لأي بلد في العالم بحيث لا تقع تحت ضغط أو رهينة لكتلة أو دولة واحدة وربما تكون مصر نجحت إلي حد كبير مثلا في واردات القمح فنحن نعتمد علي أكثر من دولة لتغطية هذه الاحتياجات, وهذا هو المطلوب في كافة المجالات, وبالذات في السلع الإستراتيجية التي نعتمد فيها علي الخارج, كذلك تنويع أسواق الصادرات المصرية وفتح أسواق جديدة في ظل تزايد المنافسة معها, في السوق الآسيوية مثلا, علينا تطوير منتجاتنا وخفض تكلفتها, ولا ننسي أن50% من صادراتنا هي نفط وغاز والباقي سلع نصف مصنعة أو سلع زراعية منخفضة التصنيع, لابد من إحداث تنمية صناعية في مصر التي وصلت إلي الحدود القصوي في التنمية الزراعية واستصلاح الأراضي, وليس لديها موارد معدنية كبيرة, المورد الوحيد المتوافر بكثرة مع ضرورة الاهتمام بتطويره هو الأيدي العاملة, وبالتالي الحل الرئيسي لمصر هو قطاع الصناعة التحويلية, أي التحول للتصنيع لاستيعاب أعداد كبيرة من العاطلين وزيادة تصدير السلع المصنعة بأسعار تنافسية. والاهتمام بالصناعات كثيفة العمالة لا يمنع أن يكون هناك هيكل صناعي متكامل وتكنولوجية ثقيلة, وهذا رهن تخطيط صانع القرار, ويضيف: أن التنويع ضروري في مجال الاقتصاد لكنه يستند إلي خطة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية واضحة. الصين لا تورط نفسها في الأزمات الدولية د. محمد فايز فرحات رئيس برنامج الدراسات الآسيوية بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية فيري أن: الاتجاه شرقا سؤال يتم طرحه من وقت لآخر, وكان آخرها عندما تولي الرئيس المعزول محمد مرسي, وكانت أول زيارة له خارج البلاد للصين وتلاها زيارته للهند وباكستان وروسيا وإيران, وكانت هذه الزيارات بمثابة مؤشر لتحول مصر شرقا, ولكن للأسف في تقديري الشخصي لا يرقي هذا إلي مستوي التحول في السياسة الخارجية المصرية الاتجاه شرقا, فمن غير المتوقع أن يتجه الإخوان المسلمون شرقا لأسباب متعلقة بظروف وصولهم إلي السلطة وعلاقاتهم بالولاياتالمتحدةالأمريكية التي ساندتهم وكانت مصدر دعمهم الخارجي الأساسي, وبالتالي لم تكن هذه الزيارات تشير إلي تحول حقيقي أو هيكلي في توجهات صانع القرار. كانت زيارات مرسي رسائل غير جادة لأنهم كانوا غير مستعدين بالتضحية بالعلاقات مع الولاياتالمتحدةالأمريكية بدليل أنها لم تهتم بهذه الرسالة. ويضيف د.فرحات: الآن بعد اتضاح الموقف الأمريكي بعد ثورة30 يونيو والدعم الأمريكي القوي للإخوان المسلمين ينبغي طرح السؤال هل تتجه مصر شرقا؟ وخصوصا أن هناك علاقة ايجابية مع روسيا والصين وهناك مكاسب متوقعة ومهمة في حالة لو اهتمت مصر بهما, الفرصة كبيرة والمعوقات كبيرة أمام الاتجاه شرقا, أولي العقبات أننا لسنا في مرحلة الحرب الباردة ورغم كل الصراعات الموجودة بين الولاياتالمتحدةالأمريكية وبعض الدول الآسيوية وروسيا, فلا يمكن التحدث عن حرب باردة, فطبيعة النظام الدولي تغيرت وهناك درجة كبيرة من الاعتماد المتبادل والعمل الدولي المشترك وخاصة في مجال التجارة والاستثمار بشكل عام. وبالتالي انعدام نظام الاستقطاب يحد من تبني انحيازات واضحة للغرب أو للشرق. ويواصل د. محمد فايز: هناك عقبة أخري أن المصالح الأساسية لمصر مازالت مع الغرب فعلي سبيل المثال ملف الصراع العربي الإسرائيلي, لا تستطيع أن تتجاهل التعامل مع الولاياتالمتحدةالأمريكية لأنها لاعب أساسي في هذا الإقليم, وبالتالي لا يمكن تجاهل الولاياتالمتحدةالأمريكية أو الخلاف معها, وإذا أردنا التحول شرقا لا يعني أن نناصب أمريكا العداء, فهي جزء استراتيجي في المنطقة لكثافة حضورها في السياسات الإقليمية بشكل كبير.المشكلة الثالثة أن الصين تقدم نفسها بأنها قوة إقليمية وليست عالمية, وحدود المراهنة علي الصين في إعادة هيكلة النظام الدولي أو الدخول في صراعات مع أمريكا أعتقد أن بها مبالغة شديدة, وهذه المسألة تؤكدها العودة للسلوك الصيني في الأزمات الموجودة في المنطقة, كان نظام صدام حسين صديقا للصين وعندما دخل في أزمة مع الغرب انتهت بضرب العراق, لم تقف الصين بجانبه, وحدث ذلك الشئ مع ليبيا القذافي قبل ضربها, وبالتالي هناك نمط صيني في التعامل مع أزمات الشرق الأوسط التي لا تورط نفسها في الأزمات الدولية خاصة مع وجود الولاياتالمتحدة كطرف رئيسي في هذه الأزمة وهذا ما يضع حدود للمراهنة علي دور صيني في أزمات المنطقة. ويضيف د. محمد فايز أن هناك مشكلات متعلقة بالجانب المصري فليس لدينا سياسة واضحة تجاه آسيا, وتتركز في المصالح الاقتصادية مع دولها,, لكن أسيا تشهد تحولات في علاقاتها مع الولاياتالمتحدةالأمريكية, التي بدأت تركز وجودها العسكري وخاصة فيما يتعلق بمشكلة كوريا الشمالية والنزاعات الحدودية بين الصين وعدد من جيرانها.هذا يعني أن الولاياتالمتحدة ستؤكد هيمنتها علي هذا النظام المسمي ز س الأقطاب,هذه التحولات الإستراتيجية صانع السياسة الخارجية المصرية لم يقدم سياسة واضحة بشأنها حول أسيا والصراع الأمريكي الصيني, كما لا يوجد رؤية مصرية فيما يتعلق ببعض الدول الآسيوية التي يعيش فيها الأقليات المسلمة ولاحظنا مشكلة الأقلية المسلمة في بورما وهناك أقلية مسلمة كبيرة في الهند. ويؤكد د. محمد فايز أن هناك العديد من القضايا الهامة الانتشار النووي وقضية الصراع علي إقليم كشمير لابد أن يكون هناك رؤية واضحة لتلك المشكلات في السياسة الخارجية المصرية, هناك مشكلة أخري أننا مازلنا نتعامل مع أسيا علي أنها قوي اقتصادية وبالتالي مصالحنا الأساسية هي مصالح اقتصادية, ولكن في الفترة الأخيرة بدأت القوي الآسيوية تقدم نفسها ليس باعتبارها قوي اقتصادية لديها مصالح سياسية فيما يتعلق بإعادة هيكلة النظام العالمي ودورها فيه مثل اليابان وكذلك الصين ستتحول مع بعض الوقت للخروج من مرحلة القوي الإقليمية لاكتمال عملية الصعود, وبالتالي يجب الأ نتعامل علي أنها قوي اقتصادية فقط.