حقنت جسدها بنفس الدواء الموصوف لابنها وانتظمت فى تعاطى جرعات «المهدئات» التى يتعاطاها الصغير على مدى سنين طويلة.. كل ذلك.. فقط لتشعر بآلامه.. هو ملاك برىء «متوحد» مع ذاته، وهى «قلب» يمشى على قدمين، تحولت من مجرد أم إلى مركز رعاية متكاملة.. كان هو قبلتها، وكانت هى أرضه وسماءه. إنها أم من آلاف الأمهات اللائى امتحنهن الله فى فلذات أكبادهن. أطلقن صرخات «استغاثة» فقط ليعيش أطفالهن مثل باقى الأطفال.. كل واحدة من هؤلاء الأمهات تؤكد أن ابنها قد يحيا بصورة طبيعية، وقد يشفى مما أصابه فقط لو أتيحت له فرصة العلاج والتأهيل. «عايزة حق ابنى التوحدى».. عبارة رغم بساطتها تحمل رسالة شديدة الوضوح.. من أمهات أطفال التوحد الذين يعانين أشد المعاناة فى سبيل وضع أبنائهن على طريق التعايش الآمن فى المجتمع ولن يتحقق ذلك إلا بتوافر مراكز متخصصة للتأهيل والتعليم تكون فى متناول جميع هذه الأسر، وهو السر الذى صرح به رئيس الجمهورية ودعا الوزارات المسئولة لسرعة إنجاز توفير هذه المراكز فى كل المحافظات ومر أكثر من شهر ومازال الأمهات يعانين فى رحلة البحث عن مراكز متخصصة لتأهيل أطفالهن.. ومازال آلاف الأسر فريسة المراكز والدوس الخاصة التى حولت القضية إلى تجارة لاستنزاف هذه الأسر التى يعجز أغلبها عن دفع فاتورة التأهيل الوهمى. ماجدة عبدالباقى.. سيدة تبلغ من العمر 47 عاماً رزقها الله ب«يوسف» وهو طفل يشبه القمر فى طلته عمره الآن 12 عاماً نسجت من معاناتها مظلة تحتمى بها آلاف الأمهات مثلها عن طريق التواصل والتعرف على مشكلات بعضهن البعض ومحاولة كل واحدة تقديم الدعم والعون للأخرى، قالت: اكتشفت أن «يوسف» يعانى من سمات توحد عندما كان عمره ثلاث سنوات، كيف؟.. لاحظت أنه يميل إلى العزلة والثبات، يعنى لو العيلة كلها مجتمعة يدخل لغرفته وينام ولا يخرج إلا بعد ذهاب الجميع.. ثم بدأ يرفرف بيديه كالطائر ولاحظت أنه لا يتكلم.. يعنى مافيش تواصل لغوى وأصبح ملتصقاً بى ويعبر عن رغباته بالإشارة، عرضته على طبيب نفسانى وعلمت أن لديه سمات توحد وليس «توحد كامل».. وبدأت رحلة العلاج الدائى الذى كان عبارة عن مهدئات لأنه كان يعانى من فرط نشاط حركى وبالتدريج تحسنت حالته وأصبح «اجتماعى» ويلعب ويعتمد على نفسه إلى حد ما وبدأت أمنع الداء بالتدريج لأنى شعرت بأنه يعيش على المخدرات، حدث ذلك بعدما جربت الداء على نفسى فنمت ثلاثة أيام.. وكان يأخذ حقن خلايا جذعية من ألمانيا.. جربتها على نفسى فوجئت بنشاط وقوة غير طبيعيين تسرى فى جسدى لدرجة أننى كنت أنظف شقتى الكبيرة بنفسى، دون أى تعب ولاحظت احمرار يدى والدماء حاضرة فى عروقى.. فاستشعرت الخطر على ابنى وعرفت وقتها لماذا يبدو ابنى على هذه الحالة غير الطبيعية من النشاط والطاقة وتعرفت على طبيبة بدأت تعالجه بالأعشاب والعسل بديلاً عن الدواء.. بدأ يتكلم ويقول بحبك يا ماما ويحفظنى ووجدته يتواصل معى بصرياً وسلوكياً ومن يراه يشعر بأنه طبيعى ودواؤه كان يكلفنى أكثر من 2500 جنيه شهرياً. سألت والدة يوسف عما إذا كان لديها أبناء غيره فقالت: لدى ابنة فى الجامعة لكنى بصراحة يوسف آخذ كل وقتى مما أصبح مشكلة مع ابنتى.. لكننى ماذا أفعل.. يوسف بحاجة إلى رعاية خاصة جداً والمدرسة لا تجدى.. وجدت نفسى مسئولة عن كل شىء خاصة بعدما توفى والده فجأة العام الماضى وجدتنى فى مواجهة مع كل شىء.. وعن طريق «فيس بوك» بدأت أدخل مجموعات لأتعرف على مشكلات الأمهات فى مثل حالتى ومن وقتها نحاول أن نتعاون لصالح أبنائنا. ما مشكلتك مع مراكز التأهيل؟ - معظم مراكز التأهيل والتخاطب واخدين الموضوع تجارة وأولاد التوحد بالنسبة لهم فرخة تبيض ذهباً، قليل جداً لما ألاقى من عنده ضمير ولا الدكاترة ولا الاخصائيين مؤهلين ونحن أمهات موجوعين وبيوتنا اتخربت أنا شخصياً بعت عربيتى وشقتى خلال 9 سنين من أجل تأهيل ابنى. وأضافت: مشكلتنا مع المدارس المتخصصة وأنا شخصياً أصبحت ضد الدمج لأن الولد أصبح شديد الحساسية ولقد حاولت إلحاقه بمدرسة عادية منذ 6 سنوات وأخبرتهم بأن ابنى لديه سمات توحد فرفضوا فألحقته بمدرسة تربية فكرية خاصة ب12 ألف جنيه سنوياً ولا توجد برامج مخصصة لحالتهم ويتعاملوا على أنهم معاقون، مطلوب مدارس حكومية خاصة لأطفال التوحد ببرامج وإخصائيين وأى مرافق ليكتسب الأطفال اللغة ويتمكنون من اللعب وممارسة هواياتهم.. لأن المراكز الخاصة قد تصل ل25 ألف جنيه، وهناك أمهات تترك أطفالها اليوم بطوله مع الكمبيوتر ويحرمون من ممارسة أى شىء أو اكتساب أى مهارة ولا يعرفون أى كلام وإن تم تنفيذ عمل المراكز فى كل محافظة سيعين هذه الأسر ومن الأفضل أن تشرف عليها الأمهات أنفسهن لأن فيهن من لديهن خبرة فى التعامل أكثر من الاخصائيين، الذين لا يعلم كثيرون أى أدوات أو تنمية مهارات ولا يبذلون أى مجهود مع الأولاد. وهنا تدخلت أميرة فى الحوار وهى أم صغيرة لديها طفل وطفلة، الطفل الصغير 4 سنوات يعانى أيضاً من سمات التوحد، قالت: لاحظت انزواءه مع التليفزيون ولا يوجد أى سبب وأعتقد أن المسألة كلها فى التلوث.. وهو أيضاً يأخذ كل وقتى لدرجة أن ابنتى عمرها 8 سنوات، تعبت نفسياً وأصبحت تقلد الأطفال الأصغر منها للفت انتباهى. وتضيف أميرة: أكثر معاناة فى عدم وجود مدارس متخصصة وابنى لديه فرصة ليصبح طفلاً طبيعياً وأنا دخلى محدود وأشعر بأنه يضيع منى مطلوب مركز متكامل لأطفال التوحد قبل أن يتحولوا إلى معاقين وهم لديهم مواهب ومن الممكن أن يصبحوا عباقرة، وهنا اتفقت والدة يوسف معها فى الحديث، وقالت: بعد 10 سنوات سيصبح أطفال التوحد قنابل موقوتة، هناك آلاف الأسر لا تستطيع الإنفاق على أبنائها فى المراكز الخاصة من الممكن أن يخرجوا إلى الشوارع ويمثلوا خطراً حقيقياً على المجتمع، وتضيف والدة يوسف: أنا حالياً أحاول تأهيل ابنى وأحميه من الخطر المحدق به فى كل مكان، وأتفحصه دائماً بعد أن ذهبت إلى طبيب وعلمت كيف أعرف إذا كان ابنى قد تعرض للتحرش أم لا؟ وعلمت ألا يلمسه أحد غيرى أنا وأخته لأن ابنى لن يتكلم إذا ضايقه أحد ونحن نخاف أن تضيع أولادنا مع أحد.. كما أنى لا أستطيع أن أتركه لدى أحد حتى من أقاربى لأن الأطفال قد يقلدونه وأمهات الأطفال الطبيعيين يعتقدون أن أبناءنا خطر عليهم.. إننا نعانى أشد المعاناة، وتتفق معها السيدة أميرة قائلة: لا أحد يساعدنا ونحن نتعجل المراكز المتخصصة التى أمر بها رئيس الجمهورية، لقد سبق وذهبت بابنى إلى مجلس الأمومة والطفولة وفتحوا ملفاً لابنى على أنه سيعالج على نفقة الدولة وقالوا سنتصل بك ولم يحدث شىء، يعنى الموضوع «سد خانة» وابنى يعانى من بؤرة كهربية فى القلب وله علاج مكلف جداً وأنا لا أستطيع أن ألتحق بأى وظيفة وأتركه لأنه يحتاج إلى تفرغ كامل منى لحمايته حتى من نفسه، هناك أم فى المنصورة غافلها طفلها وألقى بنفسه من شرفة البيت وتحكى لنا أم أخرى لم تذكر اسمها، إنها فشلت فى إلحاق ابنها محمد بمدرسة عادية رغم عمل اختبار ذكاء وكانت نتيجته 55٪ ولم يتم قبوله ولم تجد مدرسة خاصة بديلة.. أم أخرى تدعى «شيرين» لديها توأم «جودى وجنى» عمرهما 3 سنوات و8 شهور قالت: الطفلتان تعانيان من تأخر كلام وفرط حركة.. ولم أفلح فى إيجاد حضانة مناسبة وكلها مكلفة، جداً إذ تصل ل850 جنيهاً للطفلة الواحدة تكلفة الشادو ب600 جنيه لكل طفلة يعنى حوالى 1500 جنيه لكل طفلة ووالدهم موظف من أين نأتى بكل هذه المصاريف والطبيب أكد لى ضرورة تأهيلهم وإعطائهم جلسات تخاطب مكثفة وتعديل سلوك، أما أمنية فهى أيضاً أم لطفل عمره 5 سنوات اسمه حمزة، قالت: لم أجد أى مركز يقبل ابنى الذى يعانى من سمات التوحد وألحقته بحضانة أكاديمى فالأطفال خافوا منه مما أثر على نفسيته ويخضع لجلسات تخاطف مكلفة جداً وأنا معى ولدين آخرين، وشكا الأمهات من عدم وجود أى دعم حكومى لأطفالهن خاصة مع ارتفاع تكاليف العلاج فضلاً عن التغذية، فالأطفال لا يتناولون الخبز العادى ولا الألبان ولهم غذاء خاص لازم لحالاتهم. وطالب الأمهات بسرعة تنفيذ توجيهات رئيس الجمهورية بإنشاء مراكز خاصة للرعاية الكاملة لذوى الاحتياجات الخاصة وعدم عزلهم عن المجتمع ودمجهم مع أقرانهم ليتمتعوا بحياة طبيعية.