عندما يتأخر الطفل فى الكلام أو يصدر حركات لا إرادية وروتينية، ولا يهتم بالنظر إلى والدته، ولا يبكى إذا ابتعدت عنه، فهذه مؤشرات تبعث رسالة إلى الأم مفادها أن طفلها ربما يعانى من التوحد ! والتوحد نوع من الاضطرابات النفسية والعصبية تصيب الأطفال فى سن مبكرة، وتعوق استيعاب المخ للمعلومات؛ مما يؤدى إلى حدوث مشكلات للطفل فى الاتصال بمن حوله واضطرابات فى اكتساب مهارات التعلم السلوكى والاجتماعى، وتصبح الأسرة أمام طفل يتعايش مع عالمه الداخلى وينفصل عن عالمه الخارجى. المثير للتفاؤل أن حالة أطفال التوحد تتحسن بالاكتشاف والعلاج المبكر للمرض، وتشير بعض الدراسات إلى أن 90% من مرضى التوحد تتحسن حالتهم بالعلاج المبكر، لكن المشكلة الحقيقية التى تواجه أمهات أطفال التوحد فى مصر هو عدم وجود مستشفيات أو مراكز حكومية لتأهيل وعلاج أطفال التوحد، واعتمادهن الكامل على المراكز الخاصة التى تغالى فى أسعار العلاج، وهذا كان له أثر سلبى فى تأخير الشفاء أو تضطر الأم إلى إهمال الطفل لعدم القدرة على تكاليف العلاج. أول مركز حكومى ومع تزايد تردد أمهات أطفال التوحد على المستشفيات العامة، وإحساس الأطباء بمعاناتهن، قرر أطباء العيادة النفسية للأطفال بمستشفى العباسية إقامة مركز لأطفال التوحد بجهودهم الذاتية، وكان "مركز الخدمة النهارية لأطفال التوحد"، أول مركز حكومى يقدم خدمة علاجية لمرضى التوحد بتكلفة ضئيلة مقارنة بأسعار المراكز الخاصة؛ حيث تكلف تذكرة اليوم الواحد عشرة جنيهات، ويتردد المريض على المركز ثلاثة أيام أسبوعيا. ورغم أنه مركز حكومى إلا أنه لا يعانى ما تعانيه المستشفيات الحكومية؛ حيث يقدم خدمة العلاج وفق أحدث الطرق العلاجية، فضلا عن المعاملة الطيبة لأهالى المرضى. هذا ما أكدته أمهات الأطفال خلال جولة "الحرية والعدالة" داخل المركز. خدمة متميزة تقول والدة محمد حسام الدين، الذى يبلغ من العمر ثلاث سنوات ونصف: "بمجرد أن أكمل محمد العام والنصف، وبعد أن تناول جرعة التطعيم الثلاثى لفيروس سى فقد القدرة على الكلام، رغم أنه كان يتكلم قبل ذلك، فأسرعت فى علاجه من خلال التردد على المراكز الخاصة، ولكن تكاليف العلاج كان مبالغا فيها؛ مما كان يدفعنى إلى عدم استكمال العلاج". وأضافت: تمكنت من استكمال العلاج بعد افتتاح مركز الخدمة النهارية لعلاج أطفال التوحد الذى يقدم نفس خدمة المراكز الخاصة، بل أفضل؛ حيث يقدم خدمة تدريبية للأمهات لمتابعة الأبناء فى المنزل والإجابة عن تساؤلاتنا بسعر أقل بكثير من المراكز الخاصة؛ مما أدى إلى تحسن ملحوظ فى حالة محمد الذى بدأ يستجيب لتوجيهاتى وحديثى معه. وأشارت إلى أن محمد قبل العلاج كان لا يفصح عما يريده وتعبيره عما يحتاجه كان بالإشارة، لكنه الآن يعبر عما يريده بالكلام. نفس الأمر حدث مع والدة الطفلة فاطمة عبد القادر محمد، التى توقفت عن الكلام بعد تناول جرعة التطعيم الثلاثى ضد فيروس "سى"، وتابعت حالتها فى المراكز الخاصة، فضلاً عن إلحاقها بحضانة خاصة بأطفال التوحد، إلا أن حالتها لم تتحسن وإنما ساءت. وقالت: لكن بعد التردد على مركز الخدمة النهارية لأطفال التوحد بدأت حالة فاطمة فى التحسن.. وتضيف: "بدأت فاطمة فى الاستجابة لتوجيهاتى حينما أطلب منها أن تسلم على شخص ما وبدأت تتناول الكثير من الأطعمة بعد أن كانت تتناول طعاما واحدا، مؤكدة أن المركز يقدم خدمة متميزة بمبلغ زهيد لا يتعدى المائة والخمسين جنيه شهريا، بالإضافة إلى دورات التخاطب وتنمية المهارات وتعديل السلوك، كما يقدم دواء يساعد على الاستجابة للعلاج بطريقة أفضل؛ حيث يخفض من عصبيتها وتشنجاتها، وهو ما لا توفره المراكز الخاصة التى تتجاوز تكلفة العلاج داخلها ألفى جنيه". أما جيهان خليل -أم لأربع بنات- كانت زيارتها الأولى للمركز؛ حيث تعانى طفلتان من أطفالها من التوحد، الأولى هاجر 6 سنوات، والثانية ملك 5 سنوات. تقول: "بدأت علاج ابنتى الكبرى فى مستشفى خاص تابع للتأمين الصحى؛ لكن لم يثمر العلاج بنتيجة، وكان التشخيص خاطئا والنتيجة علاج يتم تناوله على 3 جرعات فى اليوم الواحد، والجرعة الواحدة منه تتسبب فى نوم الطفلة طوال اليوم. وأضافت: لذلك جئت إلى المركز لأتابع علاج بناتى، ورغم أنها الزيارة الأولى ولم أكن أعرف شيئا عن مستوى الخدمة، إلا أننى لاحظت حسن معاملتهم واهتمامهم بالمريض وأسرته. إمكانيات محدودة حول فكرة المركز تقول الدكتورة برسيس فكرى فاروق -مديرة مركز الخدمة النهارية لأطفال التوحد-: إن "الفكرة بدأت بعد ملاحظة تزايد أعداد تردد أطفال التوحد على العيادة النفسية للأطفال التابعة لمستشفى العباسية؛ حيث وصل العدد إلى 50 حالة سنويا، مع ملاحظة انخفاض دخل أسر هؤلاء الأطفال، مقارنة بارتفاع أسعار المراكز الخاصة فى الخارج، ولذلك فكرنا فى إقامة مركز داخل العيادة بجهود ذاتية من أطباء العيادة النفسية للأطفال وبدعم من مدير إدارة الأطفال والمراهقين بالأمانة العامة للصحة النفسية، ووفر المستشفى التدريب للأطباء والأخصائيين النفسيين على التعامل مع أطفال التوحد وأسرهم". وعن العلاج داخل المركز تتابع د. برسيس قائلة: "يقوم المركز حاليا بعلاج 10 أطفال من خلال دورات تخاطب لتدريبهم على الكلام وتنمية المهارات للتعرف على الأشياء من حولهم، فضلا عن دورات التعديل السلوكى، بمعدل 15 ساعة فى الأسبوع موزعة على 3 أيام. وأعربت عن أملها أن يصل عدد ساعات العلاج إلى 25 ساعة، موضحة أن فكرة المركز قائمة على حصول الطفل على خدمة أفضل، ولكن إمكانيات المركز محدودة ونعانى عجزا فى عدد الأخصائيين. وأضافت د. برسيس: المركز يعمل من خلال اثنين من التمريض واثنين من الأخصائيين النفسيين واثنين من الأطباء فى ظل عدم وجود تعيينات جديدة للأطباء؛ لكننا نحاول تدريب مدربين جدد من أجل العمل فى مستشفى المعمورة ومستشفى حلوان. وتوضح أن العلاج لا يقتصر على الطفل المريض، بل يسعى المركز لتدريب الأمهات لتعريفهن بطبيعة المرض والصعوبات التى تواجههن فى أثناء التعامل مع الأطفال، فضلا عن تدريبهن على استكمال التدريب مع أطفالهن فى المنزل. وتشدد على ضرورة التشخيص المبكر باعتباره من العوامل المهمة فى العلاج؛ حيث يؤدى إلى تحسن أسرع ونتائج أفضل وتزداد استجابة الطفل إذا تم علاجه قبل سن 3 سنوات.