ترك لعبته وملابسه الصغيرة وغادر أسرته إلى أصغر قبر.. وجع بلا حدود خلّفه قتل الرضيع حرقاً في الفجر، فما كان من داعٍ إلى "صباح الخير". هل يستطيع أحد أن يقدم تفسيراً منطقياً يقبله عقل في قتل رضيع حرقاً عمره 18 شهراً؟ وكيف لكلمات أن تعبر عن جريمة أدانها العدو قبل الصديق. لا أحد يستطيع أن يجادل في استشهاد الطفل الرضيع علي دوابشة، إضافة إلى إصابة أفراد عائلته بحروق شديدة؛ لأن من نفذوها قطعاً ليسوا من بني البشر. مستوطنون يهود نازيون تحت حماية جيش الاحتلال الإسرائيلي أشعلوا النار في منزل "علي"، بينما كانت أسرته نائمة في قرية كفر دوما بنابلس، فجر أمس الجمعة، وأدى الحريق لاستشهاد الطفل الرضيع وإصابة أفراد عائلته.. توفى علي دوابشة ليعرف الموت قبل الحياة. منفذو الهجوم الوحشي الليلي على جدران المنزل كتبوا كلمات باللغة العبرية من ضمنها "الثمن" و"الانتقام"، وهو ما يعبر عن ثقافة العداء التي تغذيها الحكومة الإسرائيلية، والحصانة التي تتمتع بها دولة الاحتلال لدى المجتمع الدولي. المستوطنون يعتدون على الفلسطينيين يومياً، في ظل صمت رهيب ومخزٍ من الأنظمة العربية، وهو ما جعل هذه الوحشية تتصاعد لأنها لم تجد من يردها، وفي الوقت نفسه أعطى الضوء الأخضر لتكرار مثل هذه الجرائم الوحشية... "أي عمل، أو أي قراءة، أو أي مشاركة بمؤتمرات، أو مشاهدة أفلام وثائقية، أو سماع قصص وروايات، لم تكن لتسمح بإدراك الواقع في فلسطين، ولا يمكن تخيل ذلك إذا لم تشاهده بنفسك، وحتى بعد ذلك تفكر طوال الوقت فيما إذا كانت تجربتك تعبر عن واقع حقيقي". كلمات العبارة السابقة كانت آخر ما كتبت "ريتشيل كوري" الأمريكية التي قتلتها قوات الاحتلال في 16 مارس 2003، كانت عضوة في حركة التضامن العالمية، وسافرت لقطاع غزهبفلسطينالمحتلة أثناء الانتفاضة الثانية، حيث قتلت بطريقة وحشية من جيش الاحتلال الإسرائيلي عند محاولتها إيقاف جرافة عسكرية تابعة للقوات الإسرائيلية كانت تقوم بهدم مباني مدنية لفلسطينيين في مدينة رفح في قطاع غزّة. شاهد فيديو مقتل ريتشيل كوري سائق الجرافة الإسرائيلية تعمد دهس ريتشيل والمرور على جسدها بالجرافة مرتين أثناء محاولتها إيقافه قبل أن يقوم بهدم منزل لمدنيين. حاولت ريتشيل أن تنقل الواقع الحقيقي لممارسات الاحتلال الوحشية إلى العالم، فكانت هي ضحية الواقع! مقتل الناشطة الأميركية ريتشيل كوري، التي تصدت للجرافات الإسرائيلية بجسدها الأعزل، رفضاً لهدم بيوت مواطنين في غزة، قبل 12 عاماً.. لاقى صدى عالمياً كبيراً وقتها، فيما لم يستغله العرب ضد إسرائيل، بل على العكس ظهرت أصوات تقول إنها ستدخل جهنم لأنها غير مسلمة.. على الرغم من أنها "أرجل" من كثيرين يتشدقون بالدين، ويعلنون الجهاد على أبناء أوطانهم، ويعتبرونها امرأة "ناقصة عقل ودين"، على رغم تركها رغد العيش من أجل الدفاع عن حق الفلسطينيين في الحياة، رافضة هدم الاحتلال لمنازلهم على رؤوسهم ولسان حالها يقول إن "استشهادها سيؤكد للعالم معنى المأساة التي يعيشها الفلسطينيون". لابد من استغلال استشهاد الرضيع "علي دوابشة" ونشرها في كل دول العالم للتعبئة ضد إسرائيل، خصوصاً أن صور هذه المأساة أبلغ دليل وأقوى من أي كلام عن وحشية الاحتلال الإسرائيلي. المأساة تطرح العديد من التساؤلات عن كيفية التعامل مع اعتداءات المستوطنين؟ والأهم هل هذا الاعتداء سيكون شرارة لانتفاضة فلسطينية ثالثة؟ جيش الاحتلال يواصل جرائمه الوحشية بحق الفلسطينيين، مؤكداً أن جرائمه جزء لا يتجزأ من سياساته لتصفية قضية فلسطين، وتهديد الشعوب المجاورة. أين أصوات أصدقاء تل أبيب في بلادنا بشأن إحراق طفل رضيع حياً، وأين أصوات المتباكين على "اليهود" والمتعاطفين مع الأقليات؟ أين الذين يذرفون الدموع على أفراد يهود بؤساء، ولا يذرفون دمعة واحدة على شعب بأكمله؟! جريمة إحراق "علي" تعيد للذاكرة إحراق الفتى الفلسطيني محمد أبوخضير فى الرابعة عشرة من عمره في يوليو من العام الماضي، وقبله قُتل محمد الدرة أمام حاجز عسكري إسرائيلي وسط قطاع غزة، في 30 سبتمبر عام 2000، والتقط المشهد بالفيديو وأظهر الطفل وهو يحتمي في حضن والده خلف برميل اسمنتي، وبعد نحيب وصراخ لدقيقة تمدد محمد جثة هامدة برصاص جيش الاحتلال. على الذين تزعجهم جيوش داعش، ويتباكون على التنوير، والليبرالية، والتعددية، أن يعلموا أن مكافحة العنصرية والتخلف لا تقتصر فقط على داعش، وطالبان، والقاعدة، بل تمتد إلى الدولة اليهودية التي تعد بحق قلعة العنصرية، ويدركون أنه لا مستقبل لبلادنا قبل رحيل ذلك الكيان المجرم.