إصدار القرارات، ثم التراجع عنها، أصبحا أهم سمات وسلبيات حكومة المهندس إبراهيم محلب، وهو ما يعتبره كثيرون خضوعاً لأباطرة المال والأعمال ورفع الراية البيضاء، وهؤلاء الذين يؤكدون تخبط الحكومة وتراجعها يستندون إلى عدة قرارات سابقة، فبعد رفع حكومة محلب الراية البيضاء أمام أباطرة الفحم وتجار الموت.. تراجعت أيضاً الحكومة عن ضريبة الأرباح علي البورصة وعن تطبيق الحدين الأقصى والأدنى وغير ذلك من التراجعات والتنازلات، آخرها التخلى عن حماية الفلاح المصرى والقطن كمحصول استراتيجي كان فيما مضى وراء مكانة مصر المتقدمة اقتصادياً مع غيره من بعض المحاصيل الاستراتيجية التي جعلت مصر قديماً في يوم من الأيام سلة غلال العالم.. فبعد إصدار وزير الزراعة لقرار بحظر استيراد القطن وجدنا الحكومة برئاسة المهندس إبراهيم محلب تلغي قرار الحظر رضوخاً لأباطرة الاستيراد والطابور الخامس ممن يعملون لغير صالح الوطن!! كشفت عنها مؤخراً اشتعال أزمة القطن بعد إلغاء رئيس مجلس الوزراء قرار وزير الزراعة بحظر استيراد القطن. وأكدت أن الحكومة ضد الحكومة.. فرأينا اختلاف وزيرى الصناعة والزراعة أيضاً حول القرار، وانقسم أيضاً منتجو النسيج والملابس الجاهزة فى كلا القطاعين العام والخاص وتجار القطن أنفسهم فوجدنا رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية يؤيد إلغاء محلب قرار الحظر، بينما رئيس شعبة تجار القطن بنفس اتحاد الغرف التجارية يؤكد قرار وزير الزراعة.. ولتصل أزمة اشتعال القطن إلى اشتباك المستوردين مع المصدرين مع تصاعد غضب الفلاحين وإعلانهم مقاضاة المهندس إبراهيم محلب رئيس الحكومة وإقامة سرادق عزاء القطن المصرى على حد تعبير «محمد برغش» نقيب الفلاحين.. وقيادات اتحادهم التعاونى، مؤكدين أن قرار إلغاء حظر استيراد القطن ضد القانون ودستور 2014؟! والقطن المصري محور اهتمام العالم وليس القطر المصرى فقط، فبينما نجد الحكومة مصرة على التخلى عن الفلاح والقطن وعدم الاهتمام به، وبعد الإعلان عن دعم مزارعيه تم إلغاء هذا الدعم، ثم قرار حظر استيراد القطن وإلغاؤه.. نجد العالم وبالتحديد الأسبوع قبل الماضى صحيفة جارديان البريطانية تشير وترى أن انخفاض الأسعار العالمية للقطن سيؤدى إلى أزمة في مصر وأن أيام القطن المصري باتت معدودة بعد إلغاء «دعم الحكومة» مشيرة إلي أن القطن هو «فخر المنسوجات في العالم» باعتباره الأفضل في السوق العالمى وأن قرار الحكومة المصرية إلغاء الدعم عن المزارعين والذي أبسط قواعده منع الاستيراد دق ناقوس الخطر وهو مؤشر قوى علي موت زراعة بدأت بالفعل تتراجع وفقاً لتصريحات الدكتور جمال صيام المستشار الفنى لوزير الزراعة المصرى سابقاً للجريدة البريطانية.. ومن ثم فإن إلغاء الدعم يعني توقف المزارعين عن زراعته. وأشارت الصحيفة إلي امتلاك مصر ل300 ألف فدان بعائد 6 آلاف جنيه مصرى عن كل فدان يتم صرفه علي العمالة وتكاليف أخرى، ما يعني أن الدعم الحكومى الذي يبلغ ألف جنيه هو ما كان يجعل المزارع واقفاً علي قدميه. وعلي نفس النهج، توقع تيرى تاونستد، المدير التنفيذي السابق للجنة الاستشارية الدولية للقطن، والتي كانت مصر عضواً فيها فيما مضى وصول إجمالي الإنتاج إلى 60 ألف طن من القطن المصرى بحلول 2020 ولكنه لن يصل إلي المعدل صفر، مشيراً إلى أن مصر بلد ريفي والقطن لن يحقق الاستفادة القصوى من الأراضى الزراعية مع تكاتف وتحالف وضغوط مروجي محاصيل أخرى لها عائد اقتصادى أفضل من القطن.. ويأخذ «تاونستد» علي مصر وأنها لم تدافع عن حقوق الطبع والنشر للقطن المصرى ومن ثم أمرت المحاكم في جميع أنحاء العالم بأن «القطن - القطن المصرى» هو مصطلح عام يشير إلي أي قطن طويل التيلة ويتمتع بجودة عالية.. ولذلك وعلي سبيل المثال فإن الولاياتالمتحدة والهند وبيرو والسودان تزرع نفس النوع من القطن المصرى ويمكنها الاستعاضة عن الركود المصرى وقت الطلب! الأفضل.. ولكن! ورغم حقيقة أن القطن المصرى هو الأفضل عالمياً، ومن الضرورى استثمار سمعته الطيبة بتشجيع زراعته وزيادة حجم صادراته نجد حكومة إبراهيم محلب كسابقتها تضرب ذلك المحصول الاستراتيجي في مقتل لصالح أباطرة المال والأعمال الذين أصبحوا يتحكمون في السوق المصري بفتح أبواب الاستيراد وغلقها لجميع السلع والمنتجات وفقاً لمصالحهم الشخصية وتعظيم ثرائهم الفاحش.. وينجحون في إلغاء قرار حظر استيراد القطن.. خاصة أن التقديرات الرسمية تشير إلي أن الإنتاج الكلى لمصر من المحصول خلال الموسم الحالي بلغ نحو 1.9 مليون قنطار وسجلت صادراته تراجعاً بأكثر من 21٪ خلال الربع الثانى من العام الحالى وإعادة استيراده من الخارج يعصف بالمنتج المحلي من القطن المصرى وهو ما يدفع كثيراً من المزارعين إلى عدم التفكير في زراعته مرة أخرى. موافقة مشروطة الدكتور صلاح هلال، وزير الزراعة، أكد أن الحكومة تعمل ضمن منظومة مؤسسية وأن دفاعه عن وجهة نظره بقراره حظر استيراد القطن كان دعماً لرأى الفلاح ولمنع تكرار سيناريو تكدس المحصول لديه كما حدث خلال الأعوام الماضية.. ورغم ذلك فالوزارة ملتزمة بتنفيذ قرار مجلس الوزراء بإلغاء حظر استيراد القطن شريطة موافقة مجلس الوزراء وبمقترح وزارة الزراعة بتعهد الحكومة بشراء إجمالي إنتاج القطن للموسم الجديد والمليون قنطار المتبقية من العام الماضى ومن المقدر أن يتضمنها صدور القرار الجديد بما يحقق هامش ربح مناسب للفلاح طبقاً لما ورد في المادة 29 من الدولة وذلك إذا تمسكت الدولة باستيراد القطن. لا عزاء للضحايا محمد برغش، نقيب الفلاحين، يبدأ كلامه بأنهم سيقيمون قريباً سرادق عزاء للقطن، ولكنهم لن يتقبلوا عزاء الحكومة للقطن وللفلاح المصرى الذي لايزال يترك أبناءه علي الحدود لحماية الوطن وظن أنه بزراعته للقطن رغم ما يتكبده من مشقة وعناء يحمي الأمن القومى الوطنى لبلده مصر.. ويرى «برغش» أن الدولة التي تري بل تساعد علي تدهور إنتاج القطن عليها مراجعة سياستها تجاه التعامل مع ذلك المنتج الذي يعد من أهم وأجود المنتجات بالعالم. وأكد حكومة صقور وحمائم، والدليل أن الفلاح المصرى في عهدها أصبح خارج مظلة الدستور، وتمارس عليه تلك الحكومة كل أشكال الاضطهاد والتميز بمنهجية ليترك الزراعة ويظل يسمع كلاماً وتصريحات لا تقوم الحكومة بغيرها. ويتذكر نقيب الفلاحين كلام وزير الصناعة من قبل حينما خاطب المزارعين: اعذروني لقد وعدتكم بدعم الصادرات التي ينتجها الفلاح والمصدر رغم مكاسبه لا يفعل سوي مجرد نقلها للمطار ومع ذلك يؤكد «برغش» أن الحكومة دعمت المصدرين وتركتنا! ويرى أن سياسة الحكومة ستؤدى إلي ضياع مستقبل أكثر من 50 مليون فلاح بعدما أصبحت تعمل فقط لصالح أصحاب المصالح من رجال المال والأعمال ونجدها في الوقت الذي تدعم فيه علي سبيل المثال الصادرات بمليارى ومائة مليون جنيه تكافئ الفلاح بزيادة أسعار الأسمدة والكيماويات وباقي مستلزمات العملية الزراعية والإنتاجية وهو ما يعني استغناء الحكومة عن زراعة القطن وبعد أن تقلصت رقعة الأراضى الزراعية من 2 مليون فدان إلى ما يقرب من 250 ألف فدان لزراعة القطن.. ويتساءل «برغش» إلي متى يستمر هذا التخبط في صدور قرارات والتراجع عنها، فقد سبق أن أصدر وزير الزراعة السابق عادل البلتاجى قراراً بعدم شراء القطن المصرى من الفلاحين ونجم عنه امتناع الكثيرين عن زراعة ذلك المحصول في العام التالى وهو ما ترتب عليه نقص القطن المنتج سنوياً وجميعها قرارات غير مدروسة أضرت أكثر مما أصلحت، ولذلك فالتراجع عن قرار حظر الاستيراد سينهي البقية الباقية من المحصول رغم استفادة البعض منه بحجة المنافسة.. ويتساءل «برغش» لماذا اتجهت الحكومة خلال الفترة الماضي لشراء ماكينات تعمل فقط علي القطن المستورد قصير التيلة والمصلحة فى الإضرار بمصالح نحو 500 ألف مزارع للقطن في مصر بعد صدور قرار مجلس الوزراء بإلغاء قرار حظر استيراد القطن.. وأين كلام الرئيس السيسي بأنه رئيس لكل المصريين! نهاية القطن المصرى! ويري وليد السعدنى، رئيس الجمعية العامة للقطن، في قرار الحكومة إلغاء حظر استيراد القطن نهاية عصر زراعته ويكشف عن مؤامرة حقيقية تصل إلي حد تهديد الأمن القومى المصرى.. وكارثة بكل المقاييس علي مزارعى القطن الذين لا ينتبه لهم أحد كالعادة من المسئولين الذين لا يكفون عن الاعتراف بأن الفلاح المصرى عماد الأمن القومى! شاهندة مقلد، الأمين العام لاتحاد الفلاحين ومسئولة ملف الفلاحين في المجلس القومي لحقوق الإنسان أكدت أنها بصدد إعداد وتقديم مذكرة تدور حول مؤامرة حرق القطن لصالح أصحاب المصالح من رجال المال والأعمال والمستثمرين الأجانب في مجال الغزل والنسيج إلي الرئيس السيسي لوقف تلك المؤامرة الرامية لتدمير المحصول بعد تدخل الرئيس رسمياً الموسم الماضى لدعم مزارعى القطن ب1400 جنيه لكل فدان وموافقته علي دعم شركات الغزل بنحو 530 مليون جنيه لتشجيعها علي شراء فضلة القطن المصرى لموسم 2014. سياسة غير واضحة كمال الفيومى، القيادي العمالى بغزل المحلة، وصف سياسة الحكومة في التعامل مع شركات الغزل والنسيج ب«غير الواضحة»، مشيراً إلي أنها قاربت التوقف تماماً بسبب نقص الأقطان والمواد الخام وفي ذات الوقت تعلن الحكومة تصدير القطن المصرى طويل التيلة ب171 مليون دولار وتستورد في الوقت نفسه قطناً غير جيد وسيئ المواصفات قصير التيلة من اليونان والسودان.. وهو ما أدى لتعاظم الكارثة وتضرر قطاع صناعة النسيج والغزل والمزارعين الذين توقفوا عن زراعة القطن المصرى بسبب سياسات الحكومة. وللأكاديميين رأى! وبعد سرد آراء ممثلي الزراعة والفلاحين والغرف التجارية.. كان لابد من معرفة آراء بعض الخبراء الأكاديميين في الزراعة. وفي هذا السياق أكد الدكتور شريف فياض، أستاذ الاقتصاد الزراعي بمركز البحوث الزراعية، أن الحكومة بإلغائها قرار وزير الزراعة بشأن حظر استيراد القطن إنما تنفذ أجندة رجال الأعمال والصناعة علي حساب مصلحة العمال والفلاحين وهو أمر طبيعى من حكومة طالما أثبتت تحيزها الطبقي لفئة علي حساب الأخرى وهو ما يتعارض أيضاً مع ادعاءات الحكومة عن العدالة الاجتماعية التي تحاول إثباته شكلياً ببعض أشكال التحيز للفقراء غير الكافية وكذلك يؤكد قرار رئيس الحكومة بإلغاء قرار وزير الزراعة انعدام الرؤية المشتركة لأعضاء الحكومة ذاتها متحدين، وزير الزراعة يصدر قرار الحظر دون التقيد بالتنفيذ الفعلى ما أضر بالفلاحين أشد الضرر لعدم تسويق القطن في وقت يفتح الباب علي مصراعيه أمام واردات القطن من السودان واليونان. خسائر لا تعوض الدكتور علي إبراهيم، استشارى وخبير التنمية الزراعية، يصف سياسة الحكومة الزراعية بالجهل، لأن القطاع الزراعى في مصر له من الأهمية ما يجعله القطاع الأهم لما يسهم به من الحفاظ على الأمن الغذائى والاجتماعى وما لهما من دور في الأمن الوطنى القومى، حيث يسهم فى برامج التنمية الشاملة من إنتاج المحاصيل والصناعات القائمة عليها، فضلاً عن مستلزمات الإنتاج من أسمدة ومعدات زراعية، حيث يمثل 51٪ من السكان و34٪ من الأيدى العاملة بقطاع الزراعة، بالإضافة إلى أنه يساهم ب14٪ في الدخل القومى و18٪ من إجمالي الصادرات، ما يستلزم الحفاظ على هذا القطاع وتدعيمه باتخاذ القرارات الصائبة والمدروسة التي تساعد الفلاح المصرى علي استمرار مسيرته كمنتج ومصدر لهذه الحاصلات وخاصة المحاصيل الاستراتيجية كالقمح والقطن.. ولذلك -والكلام للدكتور على- كان قرار حظر استيراد القطن أبلغ الأثر في رفع معنويات الفلاح المصرى والذي يتماشى مع نصوص الدستور الجديد 2014 وتطبيقاً لنصوصه بأن الدولة ملزمة بشراء المحاصيل الزراعية بما يحقق هامش ربح للفلاح ومن ثم على العكس تماماً كانت العواقب الوخيمة لإلغاء قرار الحظر، وتأكد الفلاح أن الحكومة تحاربه بالمخالفة لدستور البلاد لصالح أصحاب المال والأعمال والصناعة والتجارة، بل لحساب الفلاح الأجنبى الذي تتعمده الحكومة المصرية بمثل هذه القرارات المتذبذبة دائماً وغير المدروسة وبما لا يضمن حماية الفلاح المصرى! القرار الاقتصادى الدكتور صلاح الدين الدسوقى، الخبير الاقتصادى ومدير المركز العربى للدراسات التنموية والإدارية، يرى أن قرار إلغاء قرار حظر استيراد القطن يطرح تساؤلاً مهماً حول آليات صنع القرار الاقتصادى في مصر خاصة أنها ليست المرة الأولى التي يحدث فيها صدور وتراجع لبعض القرارات، فمازالت قرارات ضريبة البورصة والحدين الأقصى والأدنى والتعديلات الجذرية التي لحقت بقانون الاستثمار وكروت البنزين وغيرها من القرارات المتسرعة وغير المدروسة ماثلة في الأذهان وجميعها نماذج تؤكد وجود مشكلة حقيقية في آليات صنع القرار الاقتصادى في مصر وداخل حكومة إبراهيم محلب على وجه الخصوص ويجعلها منعدمة الرؤية أو كأنها تعمل ضد نفسها وهو أمر من الخطورة والأهمية يستوجب إعادة النظر في الحكومة بأكملها نظراً لتأثيرها علي المناخ الاستثمارى، خصوصاً أن نجاح أي عملية اقتصادية مرهون بمدى التوافق في القرارات الاقتصادية. ويشير الدكتور صلاح الدسوقى إلي أن صنع القرار الاقتصادى في مصر وبعد ثورتين لايزال يعاني مشكلات عديدة، أولاها غياب المشاركة المجتمعية الحقيقية حول القضايا الاقتصادية وانشغل الجميع عنها بالقضايا السياسية، يضاف إلى ذلك أن الوضع القانونى الحاكم لصنع السياسة الاقتصادية في مصر غاية في التعقيد والازدواجية، فضلاً عن التناقض بين القوانين وبعضها، علاوة علي غياب النظرة الاستراتيجية الاقتصادية للأوضاع، وتحديداً الأهداف العظمى.. ولذلك فجميع تجارب النمو الناجحة عالمياً تسير فيها الإصلاحات الاقتصادية إلى جانب السياسية!