لم يذق الفلاحون طعم الفرحة التى غمرت قلوبهم منذ سنوات، إلا بعد لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسى ممثلين عنهم قبل أيام، وإصدار بعض القرارات التى تعيدهم إلى العصر الذهبى للفلاح.. غير أن فرحتهم لم تدم طويلا، بعد تلك التصريحات التى أطلقها الدكتور عادل البلتاجى وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، حول إلغاء دعم القطن، والتى سارعت الوزارة بتوضيحها فى بيان صحفي، يعقبة اجتماع يعقده الوزير اليوم الخميس، مع جميع الأطراف، للتأكيد على أنه لا يوجد دعم يصرف لمزارعى القطن أساسا. فى أعقاب التصريحات التى أطلقها الوزير، بشأن عدم دعم محصول القطن الموسم المقبل، والتى صنعت حالة من الغضب بين المزارعين ، واعتبروها توجيهات حكومية لهم، بعدم زراعة القطن، وتخليها عن ذلك المحصول الاستراتيجى ، أصدرت وزارة الزراعة بيانا أكدت خلاله ، أنه ليس هناك دعم للقطن أساساً يصرف للمزارعين، وأن دور الدولة هو حماية الفلاح من خلال المساحات التى تتم زراعتها للمحافظة على أسعار القطن والأصناف الخاصة بالصناعة والتصدير، من خلال ربط المزارعين بالأسواق وتحديد القيمة العادلة لسعر توريد القطن، بما ينعكس على دخل المزارع المصرى ، وعدم تركه فريسة للتجار كما حدث العام الماضى 2014، وتدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي، لتقديم دعم مباشر للفلاحين بواقع 1400 جنيه للفدان، و100 جنيه غير مباشر للمكافحة نتيجة انخفاض أسعار القطن مع ارتفاع تكلفة إنتاجه.
هنا يؤكد الدكتور على إسماعيل رئيس قطاع مكتب وزير الزراعة، ورئيس قطاع الهيئات بالوزارة- أن التجارة حرة منذ عام 1992 ، وأن المزارع لا يجبر على زراعة نوع معين من المحاصيل الزراعية، ولكن الهدف هو توضيح الرؤية للمزارعين لتحديد ما تتم زراعته والمحافظة على دخول الفلاحين لتنفيذ السياسة التعاقدية للمحاصيل التى تتم زراعتها من خلال تحديد حجم الطلب المحلى والعالمى للمحصول، وتحديد سعر عادل يلتزم به كل الأطراف، ويستفيد منه المزارع فى المقام الأول، ويقلل حلقة الوسطاء، مؤكدة أنها حريصة على مصلحة الفلاحين، فإنها تراعى تحديد المساحات اللازمة للأسواق الداخلية والخارجية من خلال احتياجات المغازل المحلية والتصدير للسوق الخارجية، وتحديد الأصناف اللازمة لكل الأصناف، وتوفيرها بما يضمن زيادة الإنتاجية للمساحة المنزرعة، وبما ينعكس أيضاً على دخل المزارع، وتعويض تكاليف الإنتاج لتحقيق هامش الربح المناسب له، وفى هذا الإطار تهتم الوزارة بالشركاء الفاعلين من خلال وزارات الصناعة، والتجارة، والاستثمار والجهات البحثية المرتبطة بإنتاجه، وتنظيمه، وتجارة القطن فى الداخل، وهيئة التحكيم، لتحديد أسعار مناسبة قبل بداية الموسم، لإلزام كل هذه الجهات للتعاقد مع الفلاحين من خلال الجمعيات التعاونية، التى تم تعديل القانون بإنشاء شركات مساهمة تسمح بأن تكون خط الدفاع الأول للفلاح، لكى يتمكن من تسويق منتجاته وحتى لا يتم ما حدث فى العام الماضى وتنخفض الأسعار لأدنى حد ووصولها إلى 850 جنيهاً فقط فكان واجب على الدولة والوزارة أن توضح للمزارعين ما يتم وما تقوم به لحمايته من سياسة الإغراق أو الاحتكار حسب ما جاء بالدستور ويبقى السؤال: ما هو مصير زراعة القطن فى مصر؟ أساس الصناعة الإجابة تأتى على لسان محمد المرشدى رئيس غرفة الصناعات النسيجية- والذى يؤكد: أن تصريحات وزير الزراعة حول عدم دعم الحكومة للقطن- أثارت حالة من القلق والمخاوف فى قطاعى الزراعة والصناعة، وكنت أتمنى أن يتحدث الوزير عن خطة الوزارة فى التعامل مع زراعة القطن، وألا يطلق الوزير تلك التصريحات، ويتساءل: إلغاء دعم القطن عن من؟.. وهل هناك دعم للقطن أساسا فى الموازنة العامة للدولة؟.. والحقيقة، أن هناك سياسة زراعية خاطئة، ينتج عنها زراعة مساحات غير مطلوبة من القطن، فالدولة تعطى البذور للمزارعين، وفى نفس الوقت، يتجه المزارعون لزراعة القطن طويل التيلة، وكانت النتيجة أن العرض اكثر من الطلب، وإذا أراد الوزير تصحيح المنظومة، فعليه تخفيض المساحات المنزرعة بالقطن طويل التيلة، والاتجاه نحو زراعة القطن متوسط وقصير التيلة، حيث تمثل احتياجاتنا من القطن طويل التيلة نحو مليونى قنطار سنويا، نصدر منها مليون قنطار فقط للاسواق العالمية، والمليون قنطار الآخر يتم استخدامها فى المغازل طويلة التيلة، وأصبح الانتاج أكثر من الاحتياجات. وفى السابق، قلنا نحن لا نريد دعما من الحكومة لمحصول القطن، لكننا طالبنا فى الوقت نفسه بتعديل السياسة الزراعية، بحيث يتم التوسع فى زراعة القطن قصير ومتوسط التيلة، غير أن معهد بحوث القطن يتعلل باستمرار بعد إمكانية زراعة القصير ومتوسط التيلة حرصا على عدم اختلاط الأجناس، فاقترحنا زراعة القطن طويل التيلة فى محافظات الوجه البحري، والقصير والمتوسط التيلة فى الصعيد، ومن ثم يكون هناك حاجز جغرافي ومكاني يحول دون اختلاط الأجناس كما يقولون، ولكن وزارة الزراعة لم تستجب، نحن كصناع لا نريد دعما، ولكننا نطلب التوسع فى زراعة القطن القصير والمتوسط التيلة، حتى لا نلجأ لاستيراده من الخارج، ويمكن إنشاء صندوق موازنة لدعم أسعار القطن، لتعويض المزارعين إذا ما انخفضت الأسعار المحلية عن العالمية، ويمكن تمويل هذا الصندوق من موارد خاصة بعيدا عن الحكومة حتى لا نضيف عبئا جديدا عليها، وكنت أتمنى قبل أن يتحدث الوزير عن الدعم، كان عليه أن يتحدث عن الكميات المطلوبة، والسياسة الزراعية، ويتساءل: هل سترفع الحكومة يدها عن زراعة القطن؟.. إذن فلماذا تقوم بتوزيع البذور على الفلاحين؟.. والحقيقة، أن ما قاله وزير الزراعة ، عن عدم دعم محصول القطن، يبعث برسالة للفلاحين بعدم زراعته، لأنه فى النهاية لن يستطيع تسويق المحصول، وسيتكبد خسائر كبيرة، فقد كنا نزرع نحو 300 ألف فدان قطنا سنويا، وننتج كميات تتراوح بين 3٫5 إلى 4 ملايين قنطارسنويا ، نصدر منها مليونا فقط، والباقى كان يتم فرضه على المغازل، فى حين أن نسبة لا تتجاوز 2% عالميا، كما أن التكنولوجيا والمعدات اللازمة لغزله غير متوافرة، بينما تبلغ نسبة استخدام القطن قصير ومتوسط التيلة نحو 98%، لأنه غزير الانتاج، قليل الثمن، ولأن الطلب العالمى والمحلي- كما يقول رئيس غرفة الصناعات النسيجية- قد تغير بالنسبة للقطن طويل التيلة ، وتراجع انتاجه محليا من 12 مليون قنطار منذ 20 عاما ، إلى 300 ألف قنطار حاليا، ولأننا نستورد ما بين 8 ملايين و10 ملايين قنطار سنويا، فإننا يجب أن تقوم وزارة الزراعة بتوجيه الفلاحين لزراعة القطن قصير ومتوسط التيلة بدلا من استيراده من الخارج، لتلبية احتياجات الصناعة الوطنية.. ولماذا لا نزرعه بدلا من أن نستورده؟ مؤامرة عالمية وبشكل عام، - والكلام هنا ل محمد برغش أمين عام اتحاد الفلاحين العرب- فإن ما تردد عن إلغاء دعم القطن، لايستحق الرد عليه، سوى ببرقية عزاء للقطن، وللزارعة المصرية، والفلاحين، فى ذلك المحصول الاستراتيجي، الذى يحميه الدستور، كغيره من المحاصيل الاستراتيجية، حيث تنص المادة 29 من الدستور، على أن الدولة ملتزمة بتوفير مسلزمات الانتاج، وشراء المحاصيل الاستراتيجية، وللأسف بدأت مسيرة التدهور للقطن المصرى منذ عام 2005 وحتى عام 2007، حينما تم بيع المحالج، وفى الفترة بين عامى 2007 و2009، تحولت أنشطة تلك المحالج إلى شركات عقارية، وتم عقد مزادات فى المنيا، ودمنهور، وزفتى بالغربية، لبيع أراضى المحالج على النيل، بأسعار تتراوح بين 15 ألفا و30 ألف جنيه للمتر، فخرج ما بين 50 وحتى 60% من قوة حلج الأقطان، وتراجعت زراعته من مليون و300 ألف فدان عام 1984 ، إلى مساحات تتراوح بين 250 ألفا و300 ألف فدان حاليا، ومنذ عام 2010 وحتى الآن، لا يستطيع الفلاح بيع إنتاجه، وفقدت مصر عرش سيادة القطن المصرى فى العالم، بينما قامت إسرائيل بتسجيل القطن طويل التيلة على أنه قطن اسرائيلي، بينما كان عام 2009 ، هو أسوأ عام فى تاريخ زراعة القطن، عندما تم توزيع بذور على محافظة القليوبية، وكان يجب توزيعها فى المحافظات الساحلية، كانت النتيجة أن المحصول جاء بنمو خضري، ولم تأت بنمو ثمري، ولم يتم تعويض الفلاحين عن تلك الخسائر التى لحقت بهم جراء استخدام تلك البذور، ويتساءل: ماذا يفعل الفلاح؟.. لقد تمت زيادة الربط الضريبى على الأطيان الزراعية من 40 جنيها للفدان إلى 420 جنيها، كما تمت زيادة أسعار الكهرباء للرى فى الأراضى الصحراوية بنسبة 55%، بينما زادت أسعار المحروقات بنسبة 70%، والأسوأ هو ارتفاع أسعار الأسمدة، وفى كل هذه القرارات لم يتم استطلاع رأى الفلاحين. لن نزرع القطن! وتعقيبا على تصريحات الوزير، بعدم دعم الدولة للقطن، يقول برغش- نحن لن نزرع القطن، فالفدان يحقق خسائر تصل إلى 4800 جنيه، حيث يباع القنطار حاليا بسعر 800 جنيه، بينما تتكلف عملية جنى المحصول 1400 جنيه للفدان، مؤكدا أن القطن المصرى يتعرض لمؤامرة عالمية للخروج من أسواق القطن العالمية ، وتتولاها باكستان، والهند ، وبنجلاديش، والصين، والولايات المتحدةالأمريكية، حيث يباع كيلو الغزول المستورد بسعر جنيهين، فى حين يتراوح سعره محليا بين 380 و 450 قرشا، مما يستلزم مساندة الدولة لهذا المحصول الاستراتيجي، حتى لا يعزف المزارعون عن زراعته ، وكان الأجدر هو البحث عن حلول فنية وتكنولوجية لاستيعاب محصول القطن المحلى ، واستخدامه فى الصناعة، بدلا من الاستيراد من الخارج. كارثة فى الطريق وتأتى التصريحات الصادمة، حول إلغاء دعم القطن- كما يصفها عبدالفتاح إبراهيم رئيس النقابة العامة للعاملين بالغزل والنسيج- قبل بداية موسم زراعة القطن، الذى يبدأ فى فبراير ومارس المقبلين، مما يعنى أن الوزارة تريد أن تقول للفلاحين» لا تزرعوا القطن، مؤكدًا أن إلغاء دعم القطن أو تسويقه الموسم المقبل، سيترتب عليه إغلاق 9 شركات تعمل فى إنتاج قطن الحليج، لأنها قائمة على تجارة وحلج القطن، مما سيترتب عليه تشريد 10 آلاف عامل يعملون فى تلك الشركات، كما سيقضى على صناعة الغزل والنسيج، وبناء عليه سيتم استيراد القطن من الخارج، بعد أن كان يمثل محصولا استراتيجيا، وتقوم عليه صناعة استراتيجية أيضا. والحال هذه، فإن إلغاء دعم القطن، يعنى أنه لن تكون هناك صناعة قطن ونسيج من الأساس، لأنه ليس من المعقول أن تقوم صناعة على استيراد القطن من الخارج، مشيرا إلى أنه من بين التوصيات التى تم تسليمها للمهندس إبراهيم محلب، رئيس مجلس الوزراء، ضرورة دعم الدولة للفلاح وتشجيعه على زراعة القطن، واستنباط أصناف جديدة تتناسب مع احتياجات السوق، كما أن دعم الفلاح سيضمن وجود مساحة ثابتة سنويا من الأقطان، تكفى متطلبات الشركات والمصانع ، وتغنى عن الاستيراد من الخارج الذى يهدر الكثير من العملة الصعبة، وإذا رفعت الدولة يدها عن الدعم سيؤدى ذلك لإحجام الفلاح عن زراعة القطن والتوجه لمحاصيل أخري. مجلس أعلى للزراعة فى المقابل، يقول محمد فرج «مزارع من المنوفية» ، أنه لن يتنازل عن زراعة القطن مهما كلفه ذلك، وحتى إذا لم يجد فرصة لتسويقه، معللا ذلك بأن زراعة القطن مفيدة للتربة، وتزيد من خصوبتها، كما أنه يؤدى إلى زيادة الإنتاج لأى محصول يتم زراعته بعد القطن، بنسب تتراوح بين 50 وحتى 80%، كما أن هناك 3 زراعات يمكن تحميلها على القطن أنثاء زراعته، كالخيار، والفلفل، والبصل ،والشطة، مشيرا إلى أن التخلى عن دعم القطن وتسويقه حكوميا يتناقض مع المادة 29 من الدستور، ويهدد مستقبل صناعة الغزل والنسيج، فالقطن كان منذ أيام محمد على مؤسس مصر الحديثة هو العماد الأول للاقتصاد المصري، وعليه تقوم صناعات عديدة كالزيوت، وعلف الحيوانات، ولم يعد هناك مفر بعد الآن، من تشكيل مجلس أعلى للزراعة، لرسم السياسات الزراعية السليمة، والملائمة التى تراعى الأمن الغذائى والصناعى المصري، وحتى لا تندثر زراعة القطن، ذلك المحصول الاستراتيجي، الذى حققت مصر من خلاله شهرة عالمية.