عُرف السلطان الأشرف برسباى والذى حكم مصر لمدة ستة عشر عاما بالسلطان التاجر، لأنه فى الأصل رجل أعمال شهير قبل توليه السلطنة وظل يعمل فى التجارة بعد ذلك، بل إنه سخّر إمكانات وقدرات الدولة المصرية لصالح تجارته. وكان السلطان الأشرف أبوالنصر برسباي شركسيًا، اشتراه تاجر يهودي جاء به إلى حلب، وهناك اشتراه الأمير جقمق الذي أهداه إلى السلطان برقوق. وقد عين بالطباق السلطانية بالقلعة، ثم أُعتِق وأصبح من الجمدارية. وبعد ذلك نقل إلى خدمة السلطان الناصر فرج. ومُنِح في عهد السلطان المؤيد شيخ لقب أمير. ثم رقي عام 821ه (1418م) ليصبح نائبا لطرابلس (الشام).وعين في منصب الدودار الأعظم – أو المستشار، في عهد السلطان الصالح محمد بن تاتار، ثم أصبح نائب السلطنة في مصر. وأصبح الأشرف برسباي سلطانًا عام 825ه (1422م). ورغم ذلك لم ينشغل بكل هذه المناصب عن التجارة التى عشقها، وجعلها أهم أعماله. ويصفه المؤرخون بأنه كان أشقر، ورشيقا وطويلا وحسن المظهر، كما كان محسنا وخيّراً للغاية. وقد منع السلطان الأشرف برسباي شعيرة تقبيل الأرض بين يدي الملوك، كما أوقف استخدام الافرنتي كعملة، وبدأ صك عملته الخاصة باسم «الأشرفية»، وكانت أكثر نقاء. وحاول تشجيع السكة الفلورنسية كي تضرب في مصر. فى عام 1438 ميلادية أصدر السلطان مرسومًا يمنع فيه كافة الخاضعين للسلطنة المصرية بشراء أى نوع من التوابل من خارج مخازن السلطان، مُكرسًا الاحتكار بأمر الدولة. ولاشك أن ذلك مثّل ضربات قاصمة لكبار التجار من العرب والبرتغاليين الذين لم يجدوا أمامهم سوى مشتر واحد لما يبيعون، وهو ما جعله متحكما فى سعر الشراء قادرًا إلى الوصول إلى أدنى سعر، ثُم بعد ذلك متحكما فى سعر البيع للناس بأعلى سعر. وقد دفعته تجارته إلى شن عدد من الحروب الخارجية كان أشهرها ضد جزيرة قبرص، ففى العام الأول استولى على كثير من الغنائم والأسرى، وفى العام الثانى تمكن من اقتحام الجزيرة وسقطت مدنها واحدة تلو الأخرى فى حوزة مصر، وأسر عدداً كبيراً من سكانها، بل وصل الأمر إلى إلزام سكان نيقوسيا أنفسهم بدفع الجزية للدولة المصرية. ويذكر المؤرخون أن السلطان برسباى أسر فى تلك الغزوة أكثر من الف مواطن قبرصى تم فداؤهم بآلاف من قطع الذهب. ورغم تذمر الأمراء من تنامى ثروة سلطانهم الأشرف برسباى، إلا أنهم حفظوا له جميل الاستيلاء على قبرص وحصولهم على هبات مالية ضخمة، ضمن غنائم الجزيرة القائمة على التجارة، والتى ظلت سنوات طويلة خاضعة لسلطان مصر من بعده. ويبدو أن غزوة قبرص دفعت سلاطين كثيرين من بعده إلى محاولة تأميم البحر المتوسط لصالح السيادة المصرية، لذا فقد حاول السلطان التالى جقمق الاستيلاء على جزيرة رودس، وأرسل إليها أسطولًا بحريًا حاصرها لمدة أربعين يومًا، لكنه فشل فى دخول المدينة بسبب استعداد أهل الجزيرة وخوفهم الشديد من مصير أهل قبرص.. القتل أو الأسر.