كالعادة، يمارس الإعلام الغربي سياسة الصيد في الماء العكر، وبدأ في شنّ حملة مناهضة لقانون مكافحة الإرهاب الذي يُقيّد في بعض نصوصه حرية نشر المعلومات فيما يتعلق بالقضايا الإرهابية في مصر، وهو القانون الذي أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الصحفية المصرية. فقد قالت صحيفة "الجارديان" البريطانية إن الصحفيين المصريين يواجهون عقوبة السجن في حالة نشر أرقام غير حكومية فيما يتعلق بالحوادث الإرهابية. وأضافت الصحيفة، التي اشتهرت منذ ثورة 30 يونيو بموالاة جماعة الإخوان الإرهابية، بقولها إن مصر تتعرض لاتهامات بأنها تشنُّ "هجوماً وحشياً" على حرية الصحافة، وأشارت إلى أن الصحفيين الذين يقومون بنشر معلومات تخالف الإحصاءات الرسمية فيما يتعلق بقضايا الإرهاب يواجهون عقوبة السجن لمدة عامين. ونقلت عن جمال عيد الرئيس التنفيذي للشبكة العربية لحقوق الإنسان قوله إن القانون الذي يواجهه الصحفيون في مصر يدفع الإعلام نحو "إعلام جوبلز"، في إشارة إلى وزير الإعلام الألماني في عهد هتلر، حيث تقوم الرواية على جانب واحد فقط. وأبرزت الجارديان تصريحات وزير العدل المستشار أحمد الزند لوكالة الأنباء الفرنسية التي قال فيها "لا يوجد بديل سوى فرض بعض المعايير، والحكومة ينبغي أن تعمل من أجل حماية المواطنين من المعلومات المغلوطة، وأرجو ألا يتم تفسير القانون على أنه تقييد لحرية التعبير". من جانبها، قالت صحيفة "النيويورك تايمز" الأمريكية إن القانون الجديد يمثل إنذاراً للصحفيين فيما يتعلق بتغطية هجمات "المتمردين"، حسب وصفها للإرهابيين. وأشارت إلى أن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ربط بين بعض وسائل الإعلام وبين حروب الجيل الرابع وحتى الخامس، وذلك في حديثه عن تغطية بعض القنوات ووسائل الإعلام لهجمات الشيخ زويد في سيناء، وأبرزت قول السيسي إن تلك التغطية جاءت في صالح الإرهابيين والقتلة. وأضافت بقولها إن مسئولي منظمات حقوق الإنسان في مصر أشاروا إلى أن الحكومة استغلت الهجمات الإرهابية الأخيرة في فرض قيود جديدة حرية الإعلام، وأكد حقوقيون أن مواد الإرهاب فيما يخصُ الإعلام "فضفاضة للغاية" ويمكن أن تمثل تهديداً للصحفيين وتعرضهم للسجن. ولكن التناقض المثير للجدل يكمن في أن وسائل الإعلام العالمية تناست ما فعلته الحكومات الغربية في القضايا المتعلقة بالإرهاب، وكيف كان التعامل الإعلامي معها. ففي القضايا المتعلقة بالإرهاب، والتي يخضع كثير من المتهمين فيها لمحاكمات عسكرية، وقليل منها لمحاكمات مدنية، فإن الإعلام الغربي لا يستطيع تصوير المحاكمات سواء كان ذلك فوتوغرافياً أو عن طريق الفيديو، وتكتفي كثير من وسائل الإعلام بنشر صور مرسومة كاريكاتورياً في محاولة لشرح وقائع المحاكمات. من جانب آخر، فإن الصحفيين القلائل الذين يستطيعون حضور الجلسات يخرجون منها بتقارير تكاد تكون متطابقة، وكأنها صادرة من مصدر واحد، وفقاً للمعلومات التي يسمح القاضي بتداولها حفاظاً على الأمن القومي لكل دولة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، نشرت شبكة التليفزيون الإخبارية الأمريكية "سي إن إن" تقريراً في 27 فبراير الماضي حول محاكمة عبيد ناصر المتهم بالانتماء لتنظيم القاعدة، وذلك خلال مثوله أمام محكمة بروكلين. ويواجه ناصر اتهامات بأنه أحد عناصر القاعدة الذين كلّفهم أسامة بن لادن الزعيم السابق للتنظيم بشنّ هجمات إرهابية في الولاياتالمتحدة وبريطانيا، وفقاً للوثائق التي عُثر عليها مع بن لادن بعد العملية العسكرية الأمريكية التي أدت إلى مقتله في باكستان عام 2011. واكتفت "سي إن إن" ووسائل إعلام أخرى قامت بتغطية المحاكمة بتصريح واحد فقط لعبيد ناصر خلال مثوله أمام القاضي، والذي نفى فيه علاقته بالقاعدة وبأي أنشطة إرهابية وردت في لائحة الاتهامات الموجهة إليه. يُذكر أن عبيد ناصر تم إلقاء القبض عليه في مانشستر بانجلترا عام 2009، على خلفية اتهامات بالتحضير لشنّ عمليات إرهابية في انجلتراوالولاياتالمتحدة. والغريب في القضية أيضاً أن المحكمة استجابت لطلب جهاز المخابرات البريطانية بأن يُدلي 6 من ضباطه بشهاداتهم أمامها دون أن تظهر وجوههم، وباستخدام أسماء مستعارة حتى لا تتعرض سلامتهم للخطر.