كانت الأمانة العامة لمجلس الشعب تتلقى فى أول يوم انعقاد للدورة البرلمانية حوالى 200 استجواب دفعة واحدة، وكما كان يوجد نواب القروض ونواب الكيف ونواب التجنيد ونواب النقوط ونواب سميحة ونواب السيديهات والنواب الصيع ونواب الأجهزة التعويضية ونواب العلاج ونواب سرقة أراضى الدولة، كان فيه أيضًا نواب محترمون كان يطلق عليهم نواب الاستجوابات والتشريع، كان فيه نائب تعليمه متوسط ولكنه كان يتحدث فى القانون أكثر من وزير العدل شخصيًا وقدم تشريعات تنوء بتسجيلها مضابط المجلس، وكان فيه نائب يعمل فى تجارة الأخشاب أول من فكر فى وضع قانون لمكافحة غسيل الأموال ولم تكن هذه الجرائم قد ظهرت فى مصر، وعندما عرض مشروع القانون الذى تقدم به على لجنة الاقتراحات رفضه ممثل الحكومة وكان فى ذلك الوقت وزير الاقتصاد الدكتور يوسف بطرس غالى وصرخ فى وجه النائب أمين حماد قائلاً لا يوجد فى مصر غسيل أموال والحكومة لا توافق على هذا المشروع، وتم رفض الاقتراح، وبعد عامين تقريبًا تقدمت الحكومة بنفسها بمشروع قانون لمكافحة غسيل الأموال، وعرضه بطرس غالى باسم الحكومة ووافق عليه مجلس الشعب بالإجماع. أما السبب وراء هذا الكم الكبير من الاستجوابات التى كان يقدمها النواب فى اليوم الأول لبدء الدورة البرلمانية وهو أن المجلس كان يناقش الاستجوابات طبقًا لأولوية تقديمها وليس حسب أهميتها ولذلك كان النواب ينباروا فى تقديم الاستجوابات لحجز موعد متقدم لمناقشتها وكانت بعض الاستجوابات عندما يحل عليها الدور فى المناقشات تكون فقدت أهميتها، وكان النواب يتنازلون عنها أو يحولونها إلى أسئلة للحكومة والاستجواب هو اتهام يوجه إلى الوزير أو رئيس الوزراء ويتضمن طلبًا بسحب الثقة، ولم ينجح استجواب واحد فى مجلس الشعب فى سحب الثقة من وزير، وكان المجلس ينتقل دائمًا إلى جدول الأعمال بناء على طلب موقع من 20 نائبًا، وكان رئيس مجلس الشعب عندما يرغب فى اغلاق باب المناقشة واعلان الثقة فى الوزير المستجوب أو فى الحكومة يعلن أنه جاءه طلب من 20 نائبًا لاغلاق باب المناقشة طبعًا لا أحد كان يعرف أسماء هؤلاء النواب، وكان يطلق عليهم اللهو الخفى وكانت الأغلبية المزيفة تبع الحزب الوطنى ترفع أيديها بالانتقال إلى جدول الأعمال، كانت التعليمات التى تصدر لنواب الحزب الوطنى سواء من كمال الشاذلى أو من أحمد عز انصر حكومتك ظالمة أو مظلومة، ولم تكن الحكومة مظلومة، فقد كان الفساد يَشُرً من كل ورقة من أوراق الاستجوابات، كان النائب الذى يعرض الاستجواب يتحدث فى وقائع معينة، ويجيب الوزير فى سكة تانية خالص، ويصفق له نواب الحزب الوطنى رغم انهم عارفين كل حاجة وعارفين كمان البيضة واللى سلقها واللى قشرها واللى أكلها، وعارفين ان أحلى ما فى المال العام سرقته، وعاوز تجيب وزير على حجرك نافقه، وعاوز يحجز مقعدك فى كل فصل تشريعى اعمل انك فاقد حواسك الخمس لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم ولا تشم ولا تتذوق، فقط صفق وارفع يدك عند الطلب. باختصار كان مجلس الشعب فرعًا للحكومة، ولم يكن يحارب الفساد بل كان يربيه ويشجعه ويدافع عن الفاسدين، كان فى مجلس الشعب بعض الشرفاء، ولكن كانت أصواتهم تضيع وسط تجار الحصانة الذين لا يختلفون عن تجار الشنطة وتجار الصنف، كانت السياسة السائدة فى ذلك الوقت تتم على طريقة سيب وأنا اسيب، كان الوزراء يفوتون للنواب، والنواب يطنشون على فساد الحكومة، وتراكم الفساد وأصبح هو القاعدة والنزاهة هى الاستثناء، وفى السنوات الأخيرة تشكل لوبى فى البرلمان أطلق عليه لوبى الفساد وكان أعضاؤه درجات البعض يعقد صفقات بالملايين والبعض يبيع تأشيرات الحج المجانية، والبعض يجبر المجلس على اصدار قوانين تدافع عن سرقاته. وآخرون يفرضون اتاوات على بائعى الفجل والجرجير فى دوائرهم، وعندما حاول مجلس الشعب الدفاع عن سمعته فصل نائبًا كان يحتال على الباعة من أجل مائة جنيه بحجة حمايتهم وترك النائب الذى نهب مال الدولة وجمع المليارات بحجة أن الأول أساء إلى سمعته الآن المجلس كان يرفع فى ذلك الوقت شعار كما هى أن سرقت أسرق جمل، ومضى مجلس الشعب والنظام الذى وجد فيه واستمرت جبال الفساد.