لسياسة الخصخصة مزايا.. وأخطاء.. ولكن الأخطاء دائمًا تكمن فى التطبيق. نعم الحكومة صانع سيئ.. وتاجر أسوأ، أى السبب هو الإدارة.. واندفعنا كلنا وراء دعم سياسة التخلص من القطاع العام، ومصانع القطاع العام، وبسبب ذلك فقدنا أهم ما «كان» يملكه الشعب المصرى.. وهو تلك المصانع التى أقيمت بدماء كل المصريين، واستمرت بفضل عرقهم.. وإذا كانت الجريمة قد امتدت من بيع أهم هذه المصانع.. فإن جريمة أخرى تجرى الآن ولكن تحت عنوان «تأجير هذه المصانع». فى الجزء الأول فقدنا أكبر وأهم هذه الصناعات: المراجل البخارية. والحديد والصلب بالتبين، لصالح عشوائيات الصناعة «الجديدة» وأهملنا صناعات الغزل والنسيج. وكانت من مفاخر الوطن المصرى: فى المحلة، وكفر الدوار ودمياط والإسكندرية، ومعظم مدن الصعيد.. وصناعات الخشب الحبيبى، وأجهزة التكييف. وفى الجزء الثانى عجزنا عن تحديث هذه المصانع بعدم توفيرنا المال اللازم للتطوير والإنقاذ. وكانت الجريمة الأكبر هى قتل منطقة وادى حوف فى حلوان. وبالذات لصناعة سيارات الركوب والنقل والأتوبيسات وتمت هذه الجريمة - بالذات - لمصلحة فئة قليلة قامت بتجميع هذه السيارات.. حتى أصبح فى مصر أهم مصانع هذه السيارات الأوروبية الأمريكية، والآسيوية حتى ليقال إن فى مصر عددًا من سيارات المرسيدس، أكثر مما يجرى فى شوارع ألمانيا نفسها.. وكل ذلك لمصلحة أباطرة تجميع هذه السيارات. رغم أن مصر من أفضل الدول التى صنعت أجود الأقمشة القطنية ومن الكتان والصوف، ومن أولى الدول التى قامت بإنتاج الملابس الجاهزة إلا أن هذه الصناعة تعرضت - ومازالت - لجريمة مخططة جيدًا. وبعد أن كان الرئيس عبدالناصر يفخر بأنه يرتدى ملابس إنتاج مصانع المحلة الكبرى.. أصبحنا من أكبر مستوردى هذه الملابس الجاهزة.. حتى عرف العالم عنا، أننا أكبر مستوردى «البالة» أى الملابس من الدرجة الخامسة أو حتى المستعملة.. واسألوا تجار بورسعيد، المدينة الصامدة. نعم نعترف بأن فى مصر الآن صناعة ملابس جاهزة طيبة يقوم بها القطاع الخاص.. ولكن لماذا نسمح بقتل صناعة الملابس الجاهزة التى بدأت - ثم انطلقت - بمصانع القطاع العام. وآخر جرائم قتل صناعة الغزل والنسيج الصوفية ما يجرى الآن فى الإسكندرية. هى مصانع «فستيا».. المرادفة لمصانع المحلة الكبرى. وأتذكر كيف كنت أذهب إلى مقر هذه الشركة بالإسكندرية فأختار الصوف الذى أريده.. والألوان التى أعشقها ثم يأخذون مقاساتى.. لأعود بعد أسبوعين بالضبط لأتسلم هذه الملابس بعد أن يكون قد تم تفصيلها.. أو عندما كنت أذهب إلى فرع الشركة بميدان الأوبرا بالقاهرة - خلف كازينو أو سينما أوبرا - فى الدور الخامس لأطلب ما أريد.. وكل ذلك بأقل الأسعار وأجود الخامات. ما الذى حدث حتى تتحرك الدولة الآن فتحاول بيع كل ذلك أو تأجيرها.. أو التخلص منها بالتأجير.. وكل ذلك من أجل سواد عيون أباطرة العقارات، ليقيموا على أرض هذه المصانع أبراجًا سكنية.. ولا يهم هنا تشريد مئات العمال وإغلاق فرص العيش الحلال أمام أسرهم. أقول ذلك بينما دول عديدة دخلت عالم صناعة الملابس الجاهزة من أندونيسيا. وبنجلاديش، والهند وفيتنام وتايلاند والفلبين.. إلى نيكاراجوا ودول أمريكا الوسطى، أى الجمهوريات التى لم تكن تعرف إلا زراعات الموز وقصب السكر. بل إن أمريكا نفسها.. والشركات الكبرى فى أوروبا، كلها تلجأ إلى صناعة منتجاتها وملابسها الجاهزة التى تبيعها فى أفخر المحلات فى العالم. ليس ذلك فقط، بل هناك الآلاف من المصانع تتعثر.. أكثرها أغلق أبوابه وطرد عماله. فهل كل ذلك من أجل أباطرة الاستيراد.. حتى إننا لم نعد نجد منتجًا مصريًا - جاهزًا - للبيع فى الأسواق المصرية. إنقاذ هذه المصانع - وغيرها - فى الإسكندرية مثل فستيا - وغيرها هى المهمة القومية التى يجب أن يتولاها وزير الصناعة والتجارة الخارجية - المصرى - الصعيدى - الوطنى الغيور منير عبدالنور. ولو نجح الوزير فى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من هذه المصانع لن نرفع له القبعة فقط، بل ننحنى احترامًا وشكرًا وتقديرًا. ماذا تفعل يا منير بك؟! خصوصًا أنك سوف تنقذ صناعة الغزل وصناعة النسيج، أيضًا.