كان الشخص الذى يرتدى بيننا قطعة ملابس من وارد باريس أو إيطاليا يشار له بالبنان ويقعد هذا الشخص يذكرنا بأنه كان فى باريس يعمل شوبنج وسوى وخلى وجاب واشترى وهذا بكذا وذاك بكذا.. وفيما بيننا نضحك عليه ونقول أصلها عقدة الخواجة بتنقح عليه، المدعو الشخص لأن إنتاجنا المصرى من القماش القطن والصوف لم يكن له مثيل.. الصوف المصرى الذى كان يضاهى أصواف يوركشاير والقطن المصرى الذى كنا نباهى به بين دول العالم أجمع، اللينوه الذى كان مثل الحرير والموسلين والترجال والترلين والكتان المصرى والذى كان يرتدى بدلة كان يفتخر ويقول هذا صوف المحلة وجهاز العروسة من شركة الغزل فى المحلة والسجاد اليدوى من انوال غزل المحلة وأطقم الأيبسون للصالونات من شركة غزل فى المحلة الكبرى البلد صاحب الصيت العالمى والفوط والملايات القطنية التى مثل الحرير.. المحلة الكبرى المصنع الذى بناه الاقتصادى الكبير طلعت حرب، وكان باكورة صناعة النسيج الكبرى فى مصر يتعرض منذ فترة ليست قصيرة للإهمال والبطش والتنكيل.. الشركة تحتاج إلى عملية إحلال وتجديد وتحتاج لدفعة قوية لاستعادة مكانتها وسمعتها العالمية التى كانت عليها.. أين إنتاج هذه الشركة العريقة.. المشكلة ليست فقط بالنسبة للشركة التى تملكها الدولة إنما هناك شركات ومصانع كثيرة يملكها أفراد أيضا لاتعمل الآن وإنتاجها متوقف، إما لنقص الخامات وإما لنقص الأموال التى تدير هذه المصانع والمشكلة الآن أيضا الأيدى العاملة التى تجلس على المقاهى بلا عمل وتحولت إلى أيد باطلة. والسؤال لحساب من كل ذلك؟ الحق هو لحساب الصين والإغراق الذى حدث لبلدنا بكل ما هو صينى، وفىالحقيقة أصبحت لدى أنا شخصيا عقدة من كل ما هو صينى.. وطبعا لست من الكارهين للتبادل التجارى بين الدول ولكن هل هانت علينا أنفسنا لنرتدى الملابس الصينية من أول الملابس الداخلية النى أصبحت تفرش الأرصفة المصرية الى القميص والبنطلون والحذاء والحقيبة الجلد؟ وبكل فخر البائع يقول لك هذا صينى ويقولك هذا أرخص والناس غلابة والاستيراد والتهريب مفتوح على الآخر وناس بلا ضمير قتلت صناعاتنا وتجارتنا ومصانعنا التى تعبت مصر لبناء هذه القلاع الصناعية والتجارية.. وشعار صنع فى مصر الذى أصبح وهما ظللنا لسنوات ننادى به ونرسّخه فى وجدان المصريين. ولم تكن صناعة النسيج وصناعة الجلود والأحذية والحقائب هى الوحيدة. بل امتدت إلى كل منتجاتنا، من أول المصباح الذى فوق رأسك ويضئ حجرتك الى مفرمة الملوخية ومفرش الترابيزة وفول الصويا والترمس والعدس حتى الجمبرى الصينى واليوسفى الصينى والثوم الصينى والأثاث الخشبى الصينى والسجاد الصينى ببساطة ولا تستطيع أن تحصى ما حولك وفى منزلك من صنع فى الصين.. أليست هذه خيبة أمل مصرية عامة؟.. ألم تأخذ غيرتنا الوطنية الرغبة فى استعادة منتجاتنا التى كنا نعتز بها فى منازلنا وكانت من إنتاج مصر؟. لماذا لا تفتح ملفات بيع كل مصانعنا وشركاتنا التى كانت ناجحة ومنتجة ومربحة وفطسوها وباعوها أوهمشوها لمصلحة مصانع وشركات القطاع الخاص اورجال الأعمال الذين دفعوا الإتاوات لماذا فعلوا ببلدنا ذلك؟.. أين شركة دمنهور للسجاد التى كانت تنتج افخر السجاد الصوف اليدوى والآلى؟ أين شركة سيجال التى أنتجت أفخر أنواع الأوانى والحلل بدلا من الصينى الذى يملأ السوق المصرى؟.. أين شركة كورونا للشوكولاتة وأجود أنواع البسكويت والشوكولاتة؟ كل رجل أعمال دفع فطسوا له شركة مماثلة حتى يقيم هو مشروعة.. هل الفكر الرأسمالى يدفع بنا إلى أن نغلق مصانعنا ونشرّد عمالنا ونبيع أصولنا ونخسر سمعتنا الصناعية والتجارية ونصبح مجرد سوق لإنتاج الآخرين.. إن ثورة يوليو قبل ثورة يناير الأخيرة.. بنت قلاعا صناعية كبرى فى المحلة الكبرى وحلوان والتبين ونجع حمادى والسويس ودمياط وكفر الدوار.. والآن إذا لم نستيقظ من ثباتنا ونلحق بأ نفسنا ونهتم بما بقى لدينا ونحاول جادين الحفاظ على تراثنا الصناعى والمهنى فى الصناعات النسيجية والصناعات الجلدية وصناعة الأثاث.. لماذا شرّدوا عمالنا المهرة وأجلسوهم فى بيوتهم بلا عمل.. وأفلسوا ما سموه القطاع العام وهو ملك الشعب وسرقوه وشمّعوه بالشمع الأحمر ثم باعوه وسمسروا عليه؟.. افتحوا الملفات وارجعوا للشعب ممتلكاته وأصوله التى أهدرت بتراب الفلوس كعمر أفندى وشيكوريل وغيره من مال هذا الشعب. إن العامل المصرى ليس أقل مهارة من العامل الصينى وليس أقل حرفية منه لكن عندما تتوافر له الظروف العملية الإنسانية وتتوفر له الظروف المادية التى تضمن له الحياة الكريمة يحقق المعجزات، لماذ لا تصيبنا الغيرة من الصين؟.. لماذا لانفكر أن نجوّد مصانعنا ونجود صناعتنا المتميزين فيها ونعود بها ونملك الأسواق فى مصر وخارج مصر كما كنا فى الماضى.. لماذا لايتضافر القطاع الخاص والعام ليحققا هذه المعضلة.. ونحيىّ صنع فى مصر، ليس فى مصر وحدها.. بل فى كل مكان فى الأرض ولايصبح مجرد شعار نردده.