في الأول من مايو 1952، قال الناعي: إن الدكتور عزيز فهمي البركان الوطني الثائر قد انطفأ في ترعة صغيرة في أواسط صعيد مصر وأن سيارة أجرة قد سقطت به عند مدينة الفشن وهو متجه للترافع في قضية أحد موكليه. نعم، رحل هذا القائد الوطني العظيم قبل الأوان - 43 سنة - ومازال السؤال الحائر معلقا في الأذهان، هل هي غلطة قدرية قاسية، أم أن موعد القضية معروف بالطبع، وأن التدبير الخسيس قد تم للتخلص من الوطني الوفدي الثائر بأن وضع في طريقه السيارة ليموت وينجو السائق. فهل هي صدفة قدرية سيئة أم أن الإنجليز قد رتبوا ذلك في فترة تصفية الحسابات بعد إقالة حكومة النحاس باشا الوطنية فجر 27 يناير 1952؟ وكانت حكومة مصطفي النحاس قد حددت يوم 27 يناير 1952 موعدا لقطع العلاقات الدبلوماسية مع إنجلترا والدخول مع الاتحاد السوفيتي في محادثات لعقد معاهدة أكثر تقدما من مجرد تبادل العلاقات الدبلوماسية، وفي هذا اليوم كانت التظاهرات الجامعية والأزهرية علي أشدها كما حدث حريق القاهرة فأعلن النحاس باشا الأحكام العرفية وقام الملك بإعفاء الحكومة الوفدية من الحكم وعهد بتشكيل الحكومة الي عدو الوفد المتآمر علي ماهر فتحول مكتب الدكتور عزيز فهمي بشارع قصر النيل الي متلقي للثوار خاصة من جيل الشباب، وقامت حكومة علي ماهر باعتقال الفدائيين في منطقة القناة، وليس سرا أن عزيز فهمي كانت له يد في هذه الكتائب التي ناوشت الإنجليز في المنطقة. وجاء نجيب الهلالي بنصيحة من الأمريكان علي رأس وزارة في مارس 1952، ووجهت رأس الرمح بإشراف الولاياتالمتحدة الي الوفد المصري الوطني وقام «الهلالي» باعتقال فؤاد سراج الدين وعبدالفتاح حسن في محاولة لضرب الوفد.. وجاء دور الشباب الوفدي الذي استقر عزمه للدفاع عن الوفد. فهل يكفي ما سلف لاتهام الإنجليز بأنهم وراء مصرع العملاق الوفدي الوطني، ومعهم الأمريكان أيضا خاصة أنه الذي قاد الاتجاه الذي يحذر من زحف النفوذ الأمريكي، وبما حمس الوفد لإشعال النشاط الثوري في الجامعة ومنطقة القناة، كما سمحت لعناصر كثيرة داخل الوفد ذاته لأن تدفع الأحداث في اتجاه جديد، وكانت رموز هذا الاتجاه تتمثل في الدكتور عزيز فهمي ورفيق الطرزي وأحمد أبوالفتح ومصطفي موسي. هذا، وقد ركز الوفد هجومه علي حكومة النقراشي السعدية عن طريقين هما: البرلماني بقيادة صبري أبوعلم زعيم المعارضة والشبابي بمقالات الدكتور عزيز فهمي في الصحف الوفدية. وكتب مقاله الشهير «إما أن يكون هذا وطننا وإما أن يكون وطنا لأعوان الاحتلال، فإن كانت الأولي فمن حقنا أن نقرر مصيره ومصيرنا، وإن كانت الثانية فهي الحرب بين الأمة وحكومات الأقلية». إن الدكتور عزيز فهمي الوطني والسياسي والثائر والشاعر ليس مجرد كتاب أو مقال لكنه كان مدرسة كبري يمارس العمل السياسي بحنكة ووطنية . وإن عزيز فهمي في ضمير الوفديين هو قطعة عزيزة غالية من تراب مصر ومناخها وتراثها وحضارتها وهو ثمرة من ثمار 1919 الوطنية.. وما نحلم سوي أن يحتذي به شباب اليوم.. ولو بقدر بسيط!، ونعمد لأن نقدمه لشباب اليوم ليعرفوا قدر أنفسهم من شباب الوفد القدامي، وحتي يتعرفوا علي صفحة بهية فاخرة من صفحات الوفد المصري «حزبا وتراثا وعقيدة وطنية».