دفعني للكتابة بجريدة «الوفد» أنها منبر وطني يعد من أهم المنابر الإعلامية في مصر، فهذه الصحيفة انضمت منذ بدء ثورة 30 يونية إلي الشعب وإلي من اختاره الشعب وحمَّله مسئولية القضاء علي الإرهاب والبطالة والفقر والمضي بمصر قدما في علو غير محسوب نحو اقتصاد قوي وشعب وجيش وشرطة يحسب لهما ألف حساب. فكأن الوفد بزعامة سعد باشا زغلول طيب الله ثراه، ثم رفعت النحاس باشا، كأن هذا العملاق السياسي قد عاد مؤثراً سياسيا محليا ودوليا إلي جانب الحاكم المفوض من الشعب للعمل السياسي والدبلوماسي والعسكري والاقتصادي. لعل هذه الأمور قد وضعتني في موضع الراغب في أن أدلي بدلوي من خلال صحيفتكم الغراء فيما يجري وجري داخل مصر وخارجها، ولعلي أبدأ بقصة (المستريح). (المستريح) هو نسخة حديثة من نسخ مكررة لملوك وأبطال توظيف الأموال في مصر. ويشاء التاريخ أن يجعلني شاهد عيان علي بعض جرائم توظيف الأموال التي حدثت وتحدث في مصر المحروسة. ولا أنسي أنني في يوم من الأيام قبل عمل مشروع قانون توظيف الأموال أن جاءني أحد كبار المستريحين في ذلك الوقت طلب مني أن يوكلني لحضور تحقيق مهم في النيابة العامة بإشراف مستشار جليل كان رئيسا للنيابة لا يجوز أن أذكر اسمه في هذا المقام، وطلب مني أن أنزل من مكتبي لأستقل معه سيارة للذهاب لقاعة التحقيق فحاولت أن أعتذر له لأني كنت مرتبطا مع معالي وزير الدولة للشئون الخارجية في ذلك الوقت وهو الأستاذ الدكتور بطرس بطرس غالي وكان ارتباطي مع الوزير منصبا علي اجتماع عقده معاليه بناء علي طلبي لفض نزاع بين بعض الدبلوماسيين الأفارقة وبين مواطن مصري علي وحدة سكنية علي النيل بالزمالك كان يؤجرها لهم ورفضوا مغادرتها بعد انتهاء عقد الإيجار. فأصر السيد المستريح في ذلك الوقت أن أصحبه إلي قاعة التحقيق وأن أعتذر عن موعد وزير الدولة للشئون الخارجية لأن من بين المقبوض عليهم محل التحقيق شقيق زوجته ومأمور جمرك وضابط مباحث أمن دولة، فاعتذرت لمعالي الوزير العظيم د. بطرس بطرس غالي طالبا موعداً آخر وذهبت معه للتحقيق. وكانت القضية غاية في البساطة حقيبة بها مليون جنيه يحملها شقيق زوجته وحرسها مأمور الجمرك وضابط الشرطة تصعد إلي الطائرة المتجهة إلي المملكة العربية السعودية وتضبط أثناء صعودها. فوجدت أن أسلم طريق للدفاع عن هؤلاء الثلاثة وأموال الأخ المستريح الأول هو أن أطلب منه ان يتنازل عن المليون جنيه من أجل التصالح وقفل الباب نهائيا وحفظ الدعوي، وقد كان وانتهت الدعوي بالصلح. وإذا بي فيما تلي ذلك من أيام استدعيت لمقابلة الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك. وقد تساءل الرئيس الأسبق في اجتماع ليس فيه إلا أنا وهو عن سر الأرباح التي توزعها شركات المستريحين علي المواطنين، فشرحت أن هذه الأموال المصرية تذهب في الصباح إلي المملكة العربية السعودية ويتم تغييرها هناك بالدولار الأمريكي أو الريال السعودي ثم تعود في المساء إلي الديار بربح يومي يصل إلي ما يوازي من 25٪ إلي 30٪ من قيمة مشمول الحقيبة. وبالتالي فإنه من السهل علي المستريحين - إذا خلصت نواياهم - أن يوزعوا هذه الأرباح العالية علي المودعين. ولكن قلت لسيادة الرئيس الأسبق وقد كنت وقتها عضوا في مجلس الشعب ووكيلا للجنة الدستورية، قلت لسيادته إن الأمر قد يسفر عن خطورة بالغة وقد يقتضي تدخلا تشريعيا لتنظيم موضوع توظيف الأموال بالتوازي مع البنوك. فوافق الرئيس الأسبق علي الفكرة وقال لي توكل علي الله أنت ورفعت المحجوب وعاطف صدقي رئيس الوزراء. وهنا بدأت ولادة قانون توظيف الأموال الحالي. وكم عانيت ومعي المرحومان: د. عاطف صدقي ود. رفعت المحجوب من ممثلي التيارات المتطرفة في مجلس الشعب، من معارضته وعراك بل محاولة قذف المكاتب من المنصة إلي الأرض داخل اللجنة الدستورية. وقد نجحنا بقيادة د. رفعت المحجوب طيب الله ثراه - وكياسة وعلم الدكتور عاطف صدقي أسكنه الله فسيح جناته في وضع قانون توظيف الأموال. فهل يا تري قام هذا القانون بتنظيم فعلي لتوظيف الأموال وحدَّ منها ووضع مشروعيتها موضع التنفيذ أم ان القانون عجز في مصر عن أن يفعل ذلك. وقد عالج القانون جناية تلقي الأموال علي خلاف أحكامه وجناية توجيه الدعوة لاكتتاب عام وجناية الامتناع عن رد المبالغ المستحقة لأصحابها، ثم تحدث القانون عن تعريف توظيف الأموال ومن هو الفاعل الأصلي ومن هو الشريك أي المساهمة الجنائية في جرائم توظيف الأموال طبقاً لأحكام قانون العقوبات. ثم عالج المشرع في القانون المذكور وهو 146 لسنة 1988 مسئولية المدير الفعلي لشركة توظيف الأموال وأركان هذه المسئولية، ثم تعرض المشرع في هذا القانون لمسئولية الشخص المعنوي وضمان الشخص المعنوي في جميع الأحوال بالوفاء بما يحكم به من غرامات مالية. كان هذا في عام 1988 وما بعده، فتري هل نحن في عام 2015 يجب أن نكتفي بذلك أم أن الأمر يحتاج إلي تعديلات تشريعية جذرية لجعل هذا القانون ذا أثر نافذ وجاد. لعلي أعاود النظر في أحكام المادتين 39، 40 من قانون العقوبات. فالمادة 39 تعرف الفاعل للجريمة والمادة 40 تعرف الشريك فيها والمادة 41 تقنن العقوبة علي الاشتراك في الجريمة. وعبثا حاولت الحكومات المصرية المتعاقبة في أن تجعل الناس تنصرف عن إلقاء تحويشة أعمارهم في براثن هذه الشركات وهؤلاء الأشخاص، وعبثا حاول النواب العموميون والمدعي الاشتراكي قبلهم ومحاكم القيم أن يردعوا هذه الجريمة أو يساعدوا في محو آثارها. فأصبح لزاما علينا نحن رجال القانون أن نجد تعديلا تشريعيا يساعد علي أن يتوقف أفراد الشعب عن الوقوع في براثن هذا النصب وذلك الإفك وأن يتجهوا إلي البنوك والبورصة وشركات الاستثمار بمدخراتهم حتي ينمو الاقتصاد المصري أحسن نمواً. ولعل ذلك يدفعني أن أقترح ألا ينجو المودع بماله من فعلته لأنه في حقيقة الأمر شريك بالاتفاق والتحريض والمساعدة مع المستريحين في إقامة هذه الجريمة وضياع أموال البسطاء والمصريين. فلو استطاع المشرع أن يدخل تعديلا علي قانون توظيف الأموال ويجعل عقاب الجريمة ليس علي الفرد أو الشركة التي توظف الأموال ولكن أيضا علي الشريك المودع الذي حرضها وساعدها وأمدها بالمال من أجل ضرب الاقتصاد القومي في مقتل وضياع مدخرات المواطنين. وفي هذا الشأن سيكون حديثي في الحلقة القادمة من سلسلة مقالاتي بشأن الإصلاح الاقتصادي والمالي. وتفضلوا بقبول وافر الاحترام،،،