يفرز المجتمع حالياً- وخلال مراحل زمنية سريعة التقلب- ألواناً من الجرائم الاحتيالية المتنوعة في مجال المال، وهي الجريمة التي تعنني اليوم بالتحديد، وهذا النوع من الجرائم قد هيئ له مناخ عام يسود المجتمع ويتأكد فيه أن الفقر المادي حقيقة تسود حياة المصريين!، وأن علي أي مصري تدبير شئون حياته بدخل لا يكاد يعني باحتياجات المواطن خاصة في ظل سياسات سعرية غير ثابتة قفزت بثمن كل شيء نحو الاشتعال!، وأصبح منطق «الخبطة» اللاعب الأساسي في عقول المواطنين!، سواء عن طريق الرشوة التي تنقل من يتلقاها نقلة إلي أعلي فيودع حياة العوز، أو ترويج وسائل الإعلام للأفكار المرتبطة بالحظ، والمسابقات التي تقوم علي أسئلة تافهة تصطنع فرز البعض، والتفسير السعيد للأحلام، والمستقبل الزاهر لمواليد أبراج معينة وتواريخ ميلاد تتوعد أصحابها برامج ثابتة بالتوفيق في الأعمال وتحقيق الكسب الوفير، ثم يفاجأ المواطن ويندهش عندما يعرف أن أجور بعض أهل الفن قد عبرت إلي الملايين مما يعتبره المواطن كسبا بغير جهد يساويه!، وتشير وسائل الإعلام إلي ضائقة اقتصادية يمر بها الوطن، ثم يري المواطن أن الدولة تقر وسط هذه الظروف الرواتب الشهرية للبعض وقد تجاوزت في حدودها التصدي ما يبلغ عشرات الألوف من الجنيهات!، كل ذلك وغيره قد جعل أي مواطن يتعلق بأي إعلان أو همسة من أحد عن طريق يؤدي به إلي تحسين دخله الضعيف، وأما المواطن المتطلع إلي عائد لبعض مدخراته البسيطة، فإنه لا يجد في البنوك العامة ما يغريه بإيداع مدخراته حيث العائد لا يفي بتطلعات هذا المواطن!، وهذه البنوك تعلن في الصحف عبر صفحات وصفحات عن أرباحها الفلكية التي تتحقق لها سنوياً!، ولكنها تصر علي اضطهاد المدخر البسيط بتثبيت سعر الفائدة علي مدخرات المودعين عند حد مخجل ولسنوات طويلة!، ثم لا تجد لديها أي محاولة لتحسين أوعيتها الإدخارية! هنا يتكفل بعض المحتالين باصطياد ضحاياهم بأنفسهم أو عبر عملاء لهم من الباحثين عن عائد مجز لمدخراتهم بعيداً عن البنوك!، والإغراء عند المحتالين ميسور للضحايا، فسوف يدفع لهم المحتال العائد المرتفع بما يفوق عوائد البنوك!، ثم تيسر تجربة البعض مع المحتالين ما يدفع أصحاب التجربة إلي التغرير بآخرين والاقتياد لما يدعون إليه، بل يندفع هؤلاء إلي بيع ما يملكون ولا مانع من اقتراض أموال لكي تزيد حصيلة أموالهم المودعة لدي المحتال المحظوظ!، ولم يعد هذا النوع من المحتالين يجد صعوبة في الإيقاع بضحاياه، علي عكس تجربة شركات توظيف الأموال السابقة منذ عقود، فقد استندت إلي إشاعة أن البنوك حرام حيث عائداتها علي الأموال ربا!، الآن يقبل الناس علي التعامل مع المحتالين دونما حاجة بهم إلي البحث عن فتوي لإقناع الناس!، بل يصارحونهم بأنهم سوف يدفعون لهم العائد المجزي من الإتجار في مواد استهلاكية لا يتوقف الطلب عليها، بل عمد آخر المحتالين «المستريح» إلي القول أمام النيابة انه اتفق مع المودعين أموالهم لديه انهم شركاء له في التجارة مكسباً وخسارة!، ولن يكون «المستريح» آخر الموهوبين في مجال الاحتيال!