أشكرك مرتين.. المرة الأولي للقرار الذي نشرته جريدة الأهرام يوم 9 أبريل حيث تقول (أمر النائب العام المستشار هشام بركات بإحالة ضابطين بالأمن الوطني إلي محكمة الجنايات بتهمة تعذيب المحامي كريم حمدي في القضية المعروفة إعلامياً بمحامي المطرية، بعد أن توافرت الأدلة الكافية ضدهما بتعذيب المجني عليه حتي الموت.. حيث تبين خلال حجز المجني عليه بديوان قسم شرطة المطرية تعرضه للتعذيب علي يد ضابطي شرطة لحمله علي الاعتراف بما ارتكبه من جرائم فأحدثا به إصابات جسيمة متعددة مما أودي بحياته كما ورد في تقرير مصلحة الطب الشرعي. - وسبب شكري للنائب العام هشام بركات يرجع إلي أن نواب عموم سابقين تجاهلوا شكاوانا العديدة في قضايا مماثلة تعرض فيها متهمون لتعذيب بشع أدي إلي موتهم وقدمنا مع المهتمين بحقوق الإنسان شكاوي لرئيس الجمهورية ومقالات تتضمن بلاغات عديدة للنواب العامين للتحقيق مع ضباط الشرطة المتهمين بممارسة التعذيب وإحالتهم لمحاكم الجنايات، ولكن لم يحدث مثلما حدث مع الضحية في المطرية.. ونذكر علي سبيل المثال فقط حالات الطالب مصطفي عبدالحميد عثمان من قنا والطالب أمجد إسماعيل الشناوي من الإسكندرية والمحامي عبدالحارث مدني بالقاهرة والطالب باسل حمودة بالقاهرة إذ تعرضوا للتعذيب البوليسي الذي أدي إلي موتهم ولم يتحرك نواب العموم للرد علي بلاغات وشكاوي ومقالات المهمومين بحقوق الإنسان، ما أفقد الكثيرين الإحساس بالعدالة.. - وحتي في قضية تنظيم الجهاد الصادر فيها حكم محكمة أمن الدولة العليا في 30 سبتمبر 1984، لم تكن إحالة الأربعة وأربعين ضابطا ومسئولا المتهمين بالتعذيب إلي محكمة الجنايات إلا بناء علي طلب المحكمة برئاسة المستشار عبدالغفار محمد علي رحمه الله والذي نفذه فقط النائب العام .. وبعد مرور ثلاثين سنة علي تلك الواقعة التي اتصلنا فيها بجميع الأطراف، فليس عندنا إلا ترديد قول ربنا سبحانه وتعالي. (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون) صدق الله العظيم. وأكثر ما كان يضايقنا من بعض نواب العموم هو تهوينهم من خطورة وكثافة جرائم التعذيب في السجون والمعتقلات وأقسام الشرطة، ولم نستطع السكوت علي تصريح أحدهم بأن حالات التعذيب في مصر حالات فردية وجميعها تم تحقيقه، وأن التعذيب ليس بالكثرة التي يصورها البعض، فرددنا علي السيد النائب العام بمقال في جريدة الشعب في 30 يناير 1990 عنوانه: «سيادة النائب العام: حديثك عن يثير دعاة حقوق الإنسان وقد ذكرنا المئات من حالات التعذيب الثابتة بأحكام المحاكم وتلك الواردة بتقارير منظمات حقوق الإنسان المصرية والدولة، ومقالاتنا المنشورة بالصحف منذ عام 1979 حتي 2015 والمعُاد نشرها في مجلدنا عن أحوال مصر بأجزائه الثلاثة لتكون سجلاً للأجيال القادمة وعبرة لمن يعتبر. - ودون الإطالة في شكرنا الأول للنائب العام المستشار هشام بركات فإننا نعجّل بشكرنا الثاني لإصداره أوامره لجميع النيابات العامة بالقيام بحملات تفتيشية مفاجئة للسجون وأقسام الشرطة للتأكد من عدم مخالفة القوانين واللوائح، وتابعت الصحف نشاط النيابات العامة، ونشرت عنها الأهرام يوم الخميس 9 أبريل الماضي ما يلي باختصار (كشفت الحملة عن تكدس المئات داخل غرف الحجز بأقسام الشرطة، فالغرفة التي لا تستوعب أكثر من سبعين شخصاً قد أحتجز بداخلها أكثر من ثلاثمائة شخص مع عدم وجود فتحات تهوية في العديد من غرف الحجز، ما يجعل الغرف مسرحاً لانتشار الأمراض المعدية ووفاة بعض المرضي، وتحولت العديد من غرف الحجز إلي ما يشبه المقبرة لعدم وجود إضاءة أو تهوية، فضلاً عن كميات كبيرة من القمامة والحشرات والرائحة الكريهة وعدم وجود دورات مياه كافية ملحقة بالحجز داخل أقسام الشرطة».. وقد رد عدد من مأموري الأقسام علي ما نشرته الصحف في عدد جريدة المصري اليوم في الجمعة 10 أبريل ولكن معلوماتنا المتراكمة في عشرات السنين الماضية ومتابعتنا لتقارير المنظمات المصرية والدولية عن حقوق الإنسان لا نكذّب التقارير المنشورة عن التفتيش المفاجئ للنيابات العامة لأقسام الشرطة والسجون والمعتقلات. - وبسبب كثرة الشكاوي التي كانت تصلنا، فقد طلبنا من منظمة مراقبة حقوق الإنسان في الشرق الأوسط MEW أن تطلب من وزير الداخلية والنائب العام الإذن لها بدخول السجون للاطلاع علي أحوال حقوق الإنسان فيها، وكان من حسن حظ تلك اللجنة أن دعمها الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر وأرسل معها توصية للرئيس مبارك شخصيا لتسهيل عملها، فاستجاب لها الوزير والنائب العام فدخلت عدداً من الليمانات والسجون وأثبتت حالات صارخة للانتهاكات نشرتها في كتاب من ثلاثمائة صفحة بعنوان أحوال السجون المصرية، ومما ذكرته عن ليمان طرة أن ظروف المعيشة قاسية بسبب ازدحام عنابر السجن بالنزلاء، حيث ينزل 147 سجينا في عنبر مساحته 30* 6 أمتار مع وجود انتهاك صارخ للمعايير الدولة عن الظروف الصحية لقضاء الحاجة إذ توجد ثلاثة مراحيض فقط لمائة وسبعة وأربعين رجلاً. - ولم تكن المنظمة الدولية المحايدة مبالغة في وصفها لأحوال سجوننا إذ زرت سجن المنصورة العمومي في ديسمبر 1986 للإطلاع علي أحوال ستة عشر طالباً محبوسين احتياطياً بمناسبة أحداث في المدينة الجامعية، وقد عاملتهم إدارة السجن معاملة المجرمين إذ ألقت بهم في زنزانات التأديب ومساحة الواحدة متر ونصف المتر في مترين، يتكوم فيها خمسة أو ستة طلاب ينامون علي الأسفلت إلا من بطانية تحتهم وأخري فوقهم في شهر ديسمبر شديد البرودة مع إغلاق أبواب الزنزانات عليهم من الساعة الرابعة عصراً حتي الثامنة صباح اليوم التالي دون وجود دورات مياه، وقد تأثر النائب العام المساعد بأحوال الطلاب البائسة، خاصة أن واحداً منهم كان ابن مستشار، فطلب منا النائب العام المساعد والمحامي العام الأول إحضار خطاب من رئيس الجامعة يخطره بأن الجامعة ستتولي مساءلة الطلاب تأديبياً طبقا لقانون الجامعة، ولائحته التنفيذية وأفرج عنهم في اليوم التالي. - إذن.. نحن لا نستبعد صحة كل تقارير النيابات العامة في حملتها التفتيشية علي أقسام الشرطة والسجون والمعتقلات تحت الإشراف الشخصي للنائب العام جزاه الله خيراً. أستاذ بكلية الحقوق - جامعة المنصورة المحامي بالنقض