مستحقة بالفعل، تلك المعاناة التي يواجهها إنجاز الاستحقاق الثالث من خارطة المستقبل، والمتعلق بالانتخابات البرلمانية، كسبيل وحيد لاستكمال المؤسسات الدستورية للدولة، تمهيداً لبدء مرحلة العمل الوطني الجاد في الاتجاه الصحيح، وليس إلي ترتيب البيت من الداخل كما هو موجه الآن جزء كبير من التركيز، ربما الوطن في حاجة ماسة إلي إعادة توجيهه بدقة صوب مصالحه العليا أكثر من «مراوحة» المكان ذاته علي نحو ما نشهده الآن. ففي اكتمال المؤسسات الدستورية للدولة، استرداد لجزء كبير لما تبقي من ثقة المجتمع الدولي في قدرة الوطن علي النهوض بما يجسد الطموحات المتزايدة، والتي جاء المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ تعبيراً عنها، وتأكيداً عليها. ويخطئ من يظن أن الدولة المصرية الحديثة التي ننشدها يمكن أن تنشأ في فراغ من سلطة تشريعية منتخبة، بنزاهة وشفافية، مهما كانت نتائجها، فاز من فاز وخسر من خسر، لكن الوطن منتصر بها بلا شك، إن هي عبرت بصدق عن صحيح المسار الثوري، فبموجبها تمضي المسيرة في طريقها الصحيح؛ ومن ثم لا مجال للحديث عن أن تأجيل الانتخابات أفضل من أن تجرى الآن وتأتي برموز نظام مبارك، أو بالصفوف الخلفية من الجماعة الإرهابية. والواقع أن تلك المخاوف، علي وجاهتها، لا تشي بنضج سياسي يستوعب مختلف مكونات العملية السياسية علي نحو صحيح؛ فليس في الإمكان الزعم بأن القضاء التام علي بقايا نظام مبارك الفاسد بات وشيكاً، وأن الشعب أدرك الحقائق وسينجز مهمته المشروعة في إقصائهم عبر صناديق الاقتراع؛ فتلك مزاعم في حاجة إلي مراجعات شتى، وعلي محاور متعددة. فليس من شك أن رموز وبقايا نظام مبارك جزء لا يمكن فصله تماماً من المشهد السياسي، بموجب تسلقهم ثورة الثلاثين من يونية، علي طريقة الجماعة الإرهابية مع ثورة يناير المجيدة؛ فيما يؤكد وحدة المنهج الفكري الحاكم بينهما، فضلاً عن امتلاكهم قاعدة شعبية تأسست وتراكمت وفق مفهوم الموروث الثقافي السائد في الحياة السياسية، حيث العصبيات والعزوة، المستندة إلي مفاهيم متقادمة، لكنها بالفعل لم تترك موقعها علي الأرض، وبموجبها لطالما توارثت عائلات بعينها مقاعد البرلمان علي مدى سنوات طويلة، بغض النظر عن الكفاءة أو القدرة علي الإنجاز، وهو أمر ينبغي الإقرار بوجوده بالفعل، ومن هنا كان سعي البعض من القوى الثورية إلي ضم هؤلاء طالما لم يكن لهم دور في الفساد السياسي أو المالي الذي اتخذه الحزب الوطني سبيلاً إلي ترسيخ وجوده علي الأرض. من جهة أخرى، ورغم تدني وضعية الجماعة الإرهابية في الشارع، بعد ممارساتها التي لم تترك قاسماً مشتركاً بينها وبين الشعب، يمكن أن تعود إليه في الوقت القريب، إلا أن النهج الإخواني، كتنظيم سري، يتمتع بالقدرة علي تشكيل صفوف متتابعة في ثنايا المجتمع، يمكن من خلالها الدفع بوجوه جديدة لا يعلم الناخب حقيقة انتماءاتها، فضلاً عن السمات الدينية التي لا تجد عُسراً في مداعبة مشاعر المواطن. ولا يخفي في هذا الإطار سطوة المال السياسي، من الجانبين، يشترك معهما فريق من القوى الثورية أراد أن يغير من الأمر علي طريقته، فعمد إلي شراء المرشح بدلاً من شراء الناخب!، وهو أمر لا يمكن إنكاره، ويلمسه كل مراقب. ولا شك أن فيما سبق ملامح غير مرغوب فيها، ولا تلبي جوهر الثورة، باعتبارها تغيراً جذرياً في القيم المجتمعية السائدة، غير أن المرحلة الانتقالية التي يعيشها الوطن، وهي مرحلة صعبة داخل عملية التحول الديمقراطي، تتيح تلك الملامح وتقر بوجودها؛ فسمة المرحلة الانتقالية أن يشهد المجتمع صراعاً بين الثورة، برموزها وقيمها الجديدة، وقوى الماضي الرجعية وقيمه البالية؛ ومن ثم تسود حالة من عدم اليقين تدفع باتجاه الماضي؛ يقابلها زخم ثوري، وعلي هذا النحو تمضي المرحلة الانتقالية، إلي أن يقضي الله أمراً كان مفعولا، ومن ثم لا مجال للحديث عن برلمان ثوري يخلو من رموز نظام مبارك، ولا من الصفوف الخلفية للجماعة الإرهابية، وليس في ذلك ما يبرر مزاعم، يبدو الإعداد لها علي قدم وساق، تُلصق الأمر بعدم قدرة الناخب علي الفرز الوطني الصحيح، وكفي الناخب عندئذ أن يتحمل عبء إنتاج ثورة جديدة، يحميها بنفسه، ويؤمنها «ضد السرقة»... والنخبة.! «الوفد»