في مواجهة التحديات والمخاطر المحيطة بالأمن القومي، باتت واضحة محدودية الخيارات المتاحة أمام الدولة المصرية الجديدة؛ فليس إلا الانحياز لقيم ومبادئ الثورة، يدفع بنا نحو تحقيق أهدافها، وبناء دولة ديمقراطية تظللها سيادة القانون، ثقافة مجتمعية حاكمة. فنظرة موضوعية إلي محيطنا المضطرب، تؤكد أن الوطن لا يحتمل تعثراً، ولا يقوى علي تحمل تبعات ردة إلي ما قبل الثورة، مثلما لن يمهلنا أعداء الثورة والوطن إلي حيث ننتهي من تأسيس دولتنا الجديدة، علي ما تحمله من قوة تجابه أطماعهم في المنطقة. ومن ثم ليس علينا، ونحن نصارع قضايانا الداخلية والخارجية علي السواء، إلا مواصلة الزحف صوب استكمال خارطة المستقبل، سبيلاً وحيداً نؤكد به عزم الشعب المصري علي تحقيق طموحاته الثورية، علي أمل، ينبغي أن يظل حياً، بموجبه نتطلع إلي قدرة الثورة علي تصحيح مسارها، وتنقية روافدها، عبر صناديق الانتخابات البرلمانية المقبلة، وهي تجربة سبقتنا إليها شعوب العديد من دول أوروبا الشرقية، حيث وصفت عمليات التحول الديمقراطي بها بالثورات الانتخابية. ويأتي ذلك تغليباً للمصلحة الوطنية، ودعماً للنوايا المخلصة الرامية إلي النهوض بالوطن من عثرته، دون أن يحمل ذلك «كل الأمل» في نجاح عملية التحول الديمقراطي علي نحو يجعل من بناء دولتنا الديمقراطية الحديثة علي مرمي الانتخابات البرلمانية المقبلة، بمحدداتها القائمة. فمع الاقتراب من فعاليات الانتخابات البرلمانية، وهي الخطوة الثالثة والأخيرة في خارطة المستقبل، لا شك أن الصفوف الخلفية للجماعة الإرهابية يجري الآن تجهيزها للدفع بها صوب مقدمة المشهد، لا تشوبها أمام الرأي العام سوءات الجماعة، بينما هي في الواقع العمق الاستراتيجي للجماعة. من جهة أخرى، تصاعدت آمال بقايا نظام مبارك المستبد في العودة إلي المشهد السياسي، بفضل جملة من العوامل دفعت باتجاه لا يتسق والمنطلقات الثورية، استناداً إلي سطوة المال السياسي من جهة، وقانون انتخابات عانق أطماع أعداء الثورة، قدر ما أعطي ظهره لمبادئها وأهدافها. وفي هذا السياق، تبدو معاناة القوى الثورية بادية في كثير من ملامح الفرقة والاستقطاب، وتشويه الآخر، باعتبارها من الأمراض السياسية شائعة الانتشار في المجتمعات التي لم تنجح بعد في ترسيخ نظام ديمقراطي سليم، يتخذ من القيم والقواعد الديمقراطية مرتكزاً رئيساً له. غير أن قدراً من ذلك، عساه يبقي في حدود المسموح به في ظل ما تفرزه الانتخابات البرلمانية من تفاعلات وصراعات مجتمعية وسياسية، من شأنها تحريك المجتمع نحو إحداث تغيرات جذرية تنال من قيمه السائدة التي نهضت الثورة تجابهها، فيما يدعم إمكانية إنتاج برلمان جديد، في مفهومه بالأساس، يعبر بصدق عن الحالة الثورية التي يكتسي بها المشهد الداخلي. ولعل في ذلك ما يؤكد أن الرهان الأخير يبقي مشروعاً ومعلقاً فيما يحمله الناخب من مسئولية وطنية، وهو يدلي بصوته أمام صناديق الاقتراع، منحازاً إلي ثورته، متطلعاً إلي آفاق مستقبلية بعيدة عن واقعه، هي بالقطع حق للأجيال القادمة في حياة أفضل، تتبني آمالها وآلامها علي السواء. والواقع أن المسيرة الثورية، علي طول زحفها، وكثرة أعدائها، وتعدد عثراتها، إلا أنها حافلة بما يدعم الأمل في بقاء الثورة ضميراً وطنياً حياً، فلطالما صححت الجماهير المسار الثوري، وقادت «نخبها» إلي الاتجاه الصحيح، مؤكدة أن الشعب مثلما هو مصدر السلطات، فهو كذلك جوهر القضية الوطنية. «الوفد»