ونحن علي أعتاب انتخابات برلمانية من شأنها استكمال المؤسسات الدستورية للدولة المصرية الجديدة، تجدر الإشارة إلي خصوصية البرلمان المقبل في التجربة الديمقراطية المصرية، وما ينتابها من تغيرات تعبر عن حقيقة ما قطعته الثورة من خطوات علي طريق تجسيد أهدافها ومبادئها. فلا جدال أن الدرس التاريخي المقارن يؤكد حيوية وأهمية الدور الذي ينهض به البرلمان في مختلف تجارب عمليات التحول الديمقراطي، إلي حد أن كان هذا الدور فارقاً بين ردة إلي ما سبق، وبين تأكيد الأمل المشروع في حياة ديمقراطية حقيقية. وعليه فإن تغيراً جذرياً، بات حتمياً، ينبغي أن ينال من فلسفة البرلمان المقبل، الأمر الذي يترك صداه واضحاً علي عدة محاور تتصل بالعمل البرلماني إجمالاً، لعل أهمها ما يتعلق بنوعية النائب البرلماني القادر علي النهوض بأعباء المرحلة المقبلة، وهي المرحلة المنوط بها متابعة السير باتجاه بناء نظام سياسي جديد، يشكل قاطرة تقود الثورة نحو إنجاز هدفها الأسمى، المتمثل في دولة ديمقراطية حديثة، أو العودة إلي ما قبل الثورة؛ ومن ثم الدفع باتجاه إعادة إنتاج أسباب الثورة.! وإذا كان إصرار بعض «الوجوه القديمة» علي خوض معركة الانتخابات البرلمانية المقبلة، عملاً ينم عن جهل بحقيقة المتغيرات علي الأرض، لا يدانيه إلا الرغبة في مواصلة تغليب المنافع الذاتية علي ما عداها من مصالح وطنية، فإن ابتعاد بعض الوجوه «طوعاً» يعد عملاً وطنياً لا ينبغي التقليل من شأنه، فليس في ذلك إلا فهم صحيح لمجريات الأمور علي الساحة السياسية، وانصياع للإرادة الثورية وقدرتها علي التغيير. من جهة أخرى، ورغم أهمية انتماء أعضاء البرلمان المقبل إلي أهداف ومبادئ الثورة، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يمثل معياراً وحيداً كافياً علي إطلاقه؛ فمسئوليات العمل البرلماني المقبل عصية علي كثير من أبناء الثورة، قدر ما هي مستحيلة علي أعدائها. فليس يكفي الانتماء فكراً للثورة إن لم يكن المرشح مالكاً لأدوات العمل البرلماني، وليس يكفيه كذلك إن كان حائزاً لشعبية جارفة في دائرته الانتخابية، إن هو افتقد رؤية شاملة لمجمل القضايا الوطنية الأساسية، ولا يبرر سعيه نحو قبة البرلمان قدرات مالية يدفع بها باتجاه عكس وجهة الثورة، ولا يكفيه كذلك إن كان مقعد البرلمان في دائرته قد ظل حبيس عائلته لعقود طويلة؛ فليس في ذلك كله إلا إهدار لقيم الثورة التي يسعي إلي تمثيلها في البرلمان.! والواقع إن إلقاء المسئولية كاملة علي عاتق الناخب هو أمر لا ينبغي ترسيخه والاستناد إليه، دون اعتبار لجملة من العوامل الكفيلة بالحد من خيارات الناخب أمام صندوق الاقتراع؛ ومن ثم كانت المسئولية مشتركة علي نطاق مجتمعي واسع، ربما يقع الجزء الأصغر منها في حيازة الناخب البسيط، ذلك الشخص الذي يحلو للجميع تحميله تبعات فشل «النخب» في صياغة برلمان ينهض بدوره في بناء الدولة الديمقراطية الحديثة التي ننشدها. والحال كذلك لا يطيح بالمسئولية بعيداً عن الأحزاب، ودورها في إدارة الصراع البرلماني علي نحو لا يجعل انعدام الثقة والنزوع إلى الشك يصوغان مستقبلها، فثمة شكوك تحيط بالبعض منها وقد آثر إلا العمل بمقتضي المفاهيم البالية التي نهضت الثورة تجابهها. ولعل في تأخير الانتخابات البرلمانية إلي نهاية خارطة المستقبل، ما يفيد الجميع في إجراء مراجعات واجبة، من شأنها مغالبة النفس وما تأمر به، ومواجهة الحقائق وما تنبئ عنه، فثورة شعبية نهضت بالفعل وباتت أمراً حاكماً؛ ومن ثم فهي ماضية في طريقها صوب إنجاز أهدافها، وتجسيد مبادئها، وإن أصر البعض من أعدائها، وضل البعض الآخر من أبنائها.