توصلت دراسة حديثة إلى أن القانون الحالي 13 لسنة 1979 وتعديلاته بقانون رقم 223 لسنة 1989 لم يعد صالحا لتنظيم البث الإذاعي والتليفزيوني في مصر، نتيجة للسيطرة المباشرة للدولة على القنوات الحكومية فهي التي تمول وهي التي تفرض القوانين والتشريعات، وتعيين القيادات الإعلامية، وفي المقابل تخرج كل القنوات الخاصة عن نطاق السيطرة الفعلية بسبب عدم خضوعها لأي قانون مصري باستثناء شروط تعاقدها مع الهيئة العامة للاستثمار، فضلا عن افتقار تلك القنوات إلى الشفافية وعدم الإعلان عن مصادر تمويلها. وأوضحت الدراسة التي قدمها الدكتور عماد عبد المقصود شلبي خبير الإعلام والرأي العام بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية تحت عنوان: التنظيم القانوني للقنوات المصرية الحكومية والخاصة ومصادر تمويلها: الواقع والإشكاليات والرؤية المستقبلية، خلال فعاليات مؤتمر المركز حول المسح الاجتماعي الشامل للمجتمع المصري " قراءة مستقبلية"، أن هذا الوضع يفرض بإشكالياته المتعددة ضرورة تحويل القنوات الحكومية إلى وسائل إعلامية موجهة نحو الخدمة العامة، مع ضبط أداء القنوات الخاصة بطريقة فاعلة. ولفتت الدراسة إلى أن نقطة البداية يجب أن تكون بإنشاء المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وفقا لنص الدستور المصري الحالي – مادة 2011- بموجب قانون جديد يحدد صلاحيتها وتشكيلها وعلاقتها بالدولة ومجلس النواب وغيرها من الجهات. على أن تتضمن الصلاحيات فحص كل مستويات ملكية محطات التليفزيون، ومهام منح التراخيص ومراقبة مصادر التمويل، ووضع معايير البرامج التليفزيونية، وآليات الرقابة. بالإضافة إلى ضرورة تمتعها بالاستقلالية عن الضغوط السياسية والتجارية معا بما يضمن منع تدخل أي حكومة قائمة في عمل المجلس المزمع إنشائه، وبما يكفل في نفس الوقت عدم تدخل القوى الاقتصادية ورجال الأعمال أصحاب القنوات الخاصة في عمل وأنشطة هذا المجلس. على أن تكون مهمة المجلس الرئيسية مراقبة أداء القنوات الحكومية بعد تحويلها إلى العمل وفقا لنموذج الخدمة العامة، إضافة إلى ضبط أداء القنوات المصرية الخاصة. وأشارت الدراسة إلى أنه يمكن الاستفادة في هذا المجال من بعض التجارب الأوربية، التي تخضع خلالها محطات التليفزيون التجارية لبعض التزامات الخدمة العامة لمصلحة الجمهور، وفي هذه الحالة لابد وأن ينص التشريع الجديد على مهام محددة يجب على القنوات التليفزيونية الوفاء بها، سواء كانت هذه القنوات عامة أو خاصة أهمها: احترام الموضوعية والتعددية والدقة والتعبير عن كافة الاتجاهات داخل المجتمع والوفاء باحتياجات ورغبات جمهور المشاهدين والمستمعين من الأخبار والثقافة والتسلية وحماية الآداب والأخلاق العامة وغير ذلك من مهام المرفق العام. وأوضحت الدراسة أنه بذلك يصبح لدينا نظام مزدوج من الملكية يتكون من قنوات تجارية يراقب أداءها المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام ويضمن في نفس الوقت الإفصاح عن مصادر تمويلها، وقنوات للخدمة العامة تديرها هيئة وطنية للإعلام - وفقا للمادة 2013 من الدستور الحالي - تتمتع بالاستقلالية عن الدولة وتمثل الجمهور وتخضع للمساءلة أمام البرلمان. وحول مصادر التمويل، اقترحت الدراسة نموذجا يعتمد في البداية على أسلوب مختلط يجمع بين حصيلة الرسوم المقررة قانونا لصالح الإذاعة والتليفزيون، الاعتمادات التي تخصصها الدولة مع وجود آلية لعدم المساس باستقلاليتها، التبرعات، الإيرادات التجارية من الإعلانات، تطوير وتنشيط التمويل الذاتي، مع التحول التدريجي نحو التمويل المباشر من المواطنين من خلال الرسوم التليفزيونية، على أن تكون هذه الرسوم هي المصدر الرئيسي في المستقبل بمنأى عن الدعم الحكومي أو أي جهة يمكن أن تتخذه كذريعة للتدخل في الشأن الإعلامي. مع العمل على التحول التدريجي بحيث تكون مصادر التمويل الرئيسية هي الرسوم التي يدفعها المواطنون لدعم الخدمة الإعلامية العامة. وأحد المقترحات المطروحة من رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون الحالي ومن عدد من وزراء الإعلام السابقين هو إعادة النظر في رسوم الراديو والتليفزيون على فاتورة الكهرباء طبقاً للقانون رقم 77 لسنة 1968، وزيادتها. وأيد الباحث تطبيق هذا المقترح على اعتبار أن تلك الرسوم تعتبر رسوما للترخيص، من خلال عودة العمل بالقانون رقم 233 لسنة 1960، وبشرط معرفة وتأييد الرأي العام لهذه الخطوة، بعد البدء في حوار مجتمعي جاد، لتحديد قيمة سنوية لتلك الرسوم، تكفي لتقديم خدمة إعلامية عامة أكثر وجودة، مع مراعاة محدودي الدخل والفئات غير القادرة. وإلى جانب تلك الرسوم يمكن الاعتماد على العائد من دخل الإعلان وفقاً لشروط معينة، والعائد من الإنتاج الإذاعي والتليفزيوني والاستثمارات الخاصة، وتساهم هذه المصادر في تعزيز استقلالها عن الحكومات من جهة وعن متطلبات السوق من جهة أخرى. وفي نفس الوقت تتبني تلك القنوات سياسات تحريرية تكرس لمبدأ التعددية والتنوع في المحتوى الإعلامي المقدم للجمهور فضلا عن ضرورة وجود آليات للضبط الذاتي كمدونات السلوك ومواثيق الشرف والنقابات المهنية، تساعد العاملين فى تلك القنوات على تأدية عملهم وضمان الالتزام بالأخلاقيات المهنية في العمل التليفزيوني وأهمها: الفصل الواضح بين المواد الإعلامية والإعلانية، والالتزام بمبدأ الشفافية في إذاعة المعلومات المستندة على أدلة ووقائع ثابتة وتجنب إذاعة المواد التي تتضمن شائعات غير مثبتة.