السكون يدب في المكان والأشجار، والأبنية تتوارى خلف سواد حزين، وسط أنات ملتهبة وسكون كئيب وعيون شاردة تكسوها آهات الحزن التي تهرب بنظرتها إلى رب السماء تشكوا إليه مآسيهم وحالهم الصارخ بعد أن فقدوا الابن والأخ والولد والصديق. في الوقت الذي تحاول فيه الدولة صد العدوان عن مؤسساتها وأبنائها، بمقتل 21 مصريًا على يد تنظيم"داعش" الإرهابي في ليبيا. توجهت "الوفد" إلى مسقط رأس شهداء"المذبحة"، وكانت من المفارقات العجيبة أن تجمع قرية"العور" التابعة لمركز سمالوط بالمنيا أسر 13 شهيدًا تربطهم جميعًا صلة قرابة. هنا قرية العور التي تغطي معظم مساحتها الأراضي الزراعية فهي مصدر رزقهم الوحيد الذي يعيش عليها أكثر من 10000 نسمة، ولم يصل التعليم إلا 20 % من أهالي القرية، وينحصر نسبة التعليم العالي فيها بنسبة 10%، ويعمل معظم رجاله بمهنة الزراعة والباقي يعمل بالفاعل. أكد الأهالي أن ال13 شابًا الذين اغتالتهم يد الإرهاب عاشوا حياة الفقر، ولم يجدوا ضالتهم في وطنهم الصغير، فاضطروا إلى السفر إلى بلاد الموت والإرهاب، ووجدوا الصعاب من أجل الحصول على لقمة عيش تحميهم من السؤال وتسد رمق أسرهم. وتجمع الآلاف من أهالي قرية العور والقرى المجاورة، وبعض المحافظات الأخرى أمام كنيسة السيدة العذراء بالقرية، وأوفد البابا تواضروس نيافة الأنبا يؤنس الأسقف العام وسكرتير البابا، كما أناب نيافة الأنبا أرميا، ونيابة الأنبا سيتودوسيوس أسقف الجيزة؛ لتقديم واجب العزاء لأسر الشهداء. وقال الأنبا يؤنس:" نتوجه إلى أرواح أولادنا الشهداء من خلال ثلاث نقاط، دماؤكم غالية في عين الله ومصر والكنيسة"، وأكد أن الرئيس عبدالفتاح السيسي قام بالرد الموجع على الإرهاب الأسود، وقام بتقديم واجب العزاء حيث توجه إلى المقر البابوي لتقديم واجب العزاء الكنسية. وأضاف يؤنس أن رئيس الوزراء سيزور بيت كل شهيد لتقديم واجب العزاء بنفسه، مشيرًا إلى وقوف الأزهر بجانب الكنيسة، حيث أوفد فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، منذ ليلة أمس، عددًا من مشايخ وأئمة الأزهر إلى كنيسة العذراء بقرية العور، وتابع مؤنس قائلاً:" لن تؤثر تلك العمليات الإرهابية في قوة وتماسك الشعب المصري". وطالب أهالي المنيا الذين تجمعوا أمام الكنيسة، من الرئيس السيسي والقوات المسلحة بدك بؤر الإرهاب ومحوها من الوجود نهائيًا. وقالوا:" إن ما قامت به جماعة الإرهاب والمتمثلة في إرهاب داعش زادتنا صلابة وتلاحمًا وترابطًا، وسوف نكون صفًا واحدًا أمام قوى الإرهاب التي لا تفرق بين أبناء الوطن". وخرج المواطنون من أمام الكنيسة في مسيرة بشوارع القرية، مرددين هتافات ضد الإرهاب وداعش وأمريكا وإسرائيل، وكانت الهتافات تدوي في أرجاء المكان"الجيش والشعب إيد واحدة"، و"ارفع رأسك فوق أنت مصري". واستنكر الشيخ محمود أبوحطب وكيل الأوقاف بالمنيا، الحادث الإرهابي، معلنًا أن جميع الديانات منه براء، وقدم تعازي وزارة الأوقاف والأزهر الشريف للإخوة الأقباط، مؤكدًا أن الإسلام ينبذ العنف وما يصدر من إرهاب عن الجماعات المتشددة يخالف المنهج الإسلامي والدعوة إلى الله، مطالبًا العالم أجمع بالاصطفاف في مواجهه الإرهاب الدولي الذي لا يفرق بين مسلم وقبطي، ومطالبًا الإعلام بعدم تهويل الحادث، وأن من قام بهذه الأعمال الإرهابية بعيد كل البعد عن المنهج الديني السليم، وأن الأزهر الشريف هو القناة الشرعية الناطقة برسالة الإسلام الوسطي الحنيف. وأكد أن الدولة بكل مؤسساتها ودعم شعبها تقف خلف القيادة السياسية وقوتها المسلحة حتى يتم القضاء على منابع الإرهاب.