نتيجة للتخوفات العديدة على اقتصاديات الدول المصدرة للنفط جراء تعرض أسعاره لسلسة من التراجعات الحادة أصبح النفط أهم مادة اخبارية تتصدر النشرات الاقتصادية العالمية بعد انهيار أسعاره نزولا وبشكل مفاجئ وفى فترة قياسية نادرة الحدوث حيث شهدت تراجعات لم نشهد لها مثيل منذ الأزمة المالية العالمية 2008حيث تهاوت الأسعار بما يقارب ال 60 % وفى فترة وجيزة مدفوعة بانخفاض الطلب بعد دخول معظم الدول الاستهلاكية دائرة الركود ( التباطؤ الاقتصادى ) . ويمكن القول أن التراجعات الحادة والمستمرة لأسعار النفط فى الآونة الأخيرة أحدثت نوع من الصدمة للدول المنتجة وأثارت الهلع فى أوساط المتداولين والكثير من التساؤلات من قبل الاقتصاديين والخبراء والمحللين حول مستقبل قطاع النفط وأثر تداعيات هذه الصدمة وإمكانية مساهمتها فى حدوث انكماش اقتصادى والذى يعتبر هو الآخر مصدر قلق لكثير من الاقتصاديات العالمية . وفى البداية ليست هذه هى المرة الأولى التى تتعرض فيها أسعار النفط لضغوط سعرية فقد شهدت سوق النفط تقلبات سعرية حادة صعوداً وهبوطاً منذ سبعينيات القرن الماضى سواء من جانب الطلب أو العرض مع اختلاف مسبباتها . وقد لعبت الولاياتالمتحدةالأمريكية دوراً فعالاً وقائداً ومؤثراً فى انهيار أسعار النفط والتى وصلت ما دون ال 50 دولار للبرميل ويرجع السبب إلى زيادة مخزونات النفط بها وفى هذا الخصوص يمكن القول أن التزام أعضاء الأوبك الإثنى عشر الصارم بسقف انتاج 31.6 مليون برميل يومياً لعب دوراً أساسياً فى زيادة المخزون الاستراتيجى الأميركى من النفط والغاز والتى جاوزت 3.5 مليار برميل كما شهدت أعمال استخراج الزيت والغاز من المكامن الصخرية طفرة كبيرة فى ولايات عديدة مثل تكساس وأوكلاهوما ولويزيانا ونورث ساهمت أيضا فى زيادة مخزونات الخام والغاز بالولاياتالمتحدةالأمريكية – وكشفت الاجراءات الاخيرة التى اتخذتها الادارة الأمريكية عن دور الولاياتالمتحدة والذى كان له الأثر السلبى على أسعار النفط وحدوث هذه التراجعات الحادة ومنها رفع الحظر المفروض على صادرات النفط منذ أربع سنوات وإصدار وثيقة توضح أنواع النفط التى يمكن للمصدرين شحنها وأبدت الموافقة على بيع الخام الخفيف المعالج عالمياً وهو ما يكشف عن رغبة الولاياتالمتحدةالأمريكية فى تقويض وإضعاف اقتصاديات دول بعينها لأغراض سياسية – والحقيقة أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لم تنسى الدرس القاسى والموقف البطولى الشجاع للمغفور له جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود أبان حرب أكتوبر المجيدة وقراره بقطع الإمدادات البترولية الخليجية عن أمريكا ودول أوروبا الداعمة لإسرائيل وهو ما دفع الولاياتالمتحدة للتخطيط وعلى المدى الطويل لزيادة مخزونها الاستراتتيجى من النفط الخام والغاز وبأكبر قدر ممكن خاصة بعد سيطرتها وهيمنتها وإستيلائها على آبار النفط العراقى بعد حرب الخليج الأولى والتى عرفت بحرب تحرير الكويت والتى تحل ذكراها هذه الأيام وكذا استغلال الأزمة السياسية بين روسيا وأوكرانيا وقيادة دول أوروبا لفرض عقوبات اقتصادية على روسيا والضغط على أوبك لزيادة الإنتاج وأو الحفاظ على حصصها الحالية وذلك بقصد الإضرار بالاقتصاد الروسى واقتصاد دول الخليج لأغراض سياسية . وإذا كانت أسعار النفط قد تضررت كثيرا بسبب زيادة المخزون الاستراتيجى للنفط والغاز بالولاياتالمتحدة فإنها تضررت أكثر بفعل إدارتها للصراع فى منطقة الشرق الأوسط حيث خلقت نوع من المخاطر الجيوسياسية تمثل فى تأجيج الصراعات فى المناطق البترولية مثل العراق وليبيا الأمر الذى أدى فى النهاية إلى خلق سوق غير شرعى يباع فيه برميل البترول الخام بأقل من 25 دولار لإسرائيل وتركيا . كذلك يمكن إرجاع الإنخفاض الحاد فى أسعار النفط إلى أنه جاء نتيجة لتوقعات بضعف الطلب المتوقع عالمياً خاصة من جانب الصين جراء عدم تراجع معدلات التضخم بشأن ثانى أكبر الاقتصاديات العالمية وتراجع معدل النمو بها لأدنى معدل له منذ أربعة وعشرون عاماً – والصين هى مفتاح التوازن فى السوق العالمية وهى اللاعب المؤثر فى سوق النفط حيث أن وارداتها النفطية تزيد على ستة ملايين برميل يومياً – وثمة عامل آخر ساهم بشكل مؤثر فى تراجعات أسعار النفط وهو سعى الأوبك الصارم للحفاظ على حصصها النفطية وتهديدات المملكة العربية السعودية بأنها ستدافع عن حصتها السوقية البالغة 11% من اجمالى سوق النفط العالمية – أيضا من بين العوامل الأخرى التى لها تأثير مباشر على انهيار أسعار النفط هو وجود عملة واحدة حيث يتم تسعير النفط بالدولار الأمريكي ويسيطر على تعاملات سوق النفط حول العالم – كذلك فإن هدوء المخاوف والنزاع بشأن البرنامج النووى الإيرانى والدور الذى تلعبه الولاياتالمتحدةالأمريكية فى هذا الشأن أدى إلى تهدئة الطلب العالمى على النفط وبالتالى انخفاض أسعاره . ويمكن رصد بعض نتائج انهيار أسعار النفط فيما يلى : - انه نتيجة أن أسعار السلع فى الغالب ترتبط بعلاقة مباشرة ومشتركة بأسعار النفط حيث أن الانخفاض المستمر فى أسعار النفط لا يترجم فقط لانخفاض فى أسعار المنتجات البترولية ولكن أيضا إلى انخفاض أسعار السلع الأخرى بسبب الإنتاج المتزايد وانخفاض تكاليف النقل لذا فإن الانخفاض المستمر فى أسعار النفط سوف يسهم بشكل فعال فى الدخول فى دائرة الانكماش الاقتصادى والذى يعد مصدر قلق لكثير من الاقتصاديات العالمية وخاصة الاقتصاديات الناشئة . الانخفاض المستمر فى أسعار النفط سوف يؤثر سلباً على خطط التنمية بالدول المنتجة والمصدرة له حيث ستسجل هذه الدول عجزاً بالموازنة العامة بقيم مرتفعة نتيجة فقد ما يقرب من 60% من إيراداتها النفطية وبما يقرب من 350 مليار دولار ( دول الخليج ) الأمر الذى يقوض معدلات النمو بهذه الدول وهو ما تسعى إليه الولاياتالمتحدةالأمريكية حيث أن استمرار التراجع فى أسعار النفط على الدول المنتجة والمصدرة له لا يقف أثره عند حدوث خسائر وتراجع العائدات المالية من النفط فقط بل يؤثر أيضا على الانفاق الحكومى والنمو الاقتصادى الأمر الذى يفرض على هذه الدول التعامل بحكمة فى هذا الشأن خاصة عند لجوئها لإستخدام الإحتياطيات والفوائض المالية لديها كما يجب أن تسعى هذه الدول إلى تنويع أنشطتها الاقتصادية غير النفطية وتحفيز القطاع الخاص لتقليل الضغط على الإنفاق الحكومى وكذا تقليل الآثار السلبية على الاستقرار المالى ومعدلات النمو بها . من ناحية أخرى يجب على دول الخليج خاصة وفى مقدمتها المملكة العربية السعودية أن تلعب دوراً سياسياً فعالاً يخفف المخاطر الجيوسياسية بالمنطقة ويؤثر على أسعار النفط ويوقف تدهورها وعودتها إلى مستويات عادلة فى أقرب وقت وفى هذا الشأن فإن تعاون دول الخليج مع روسيا قد يؤدى إلى تحقيق هذا الهدف وتقويض الضغوط التى تمارسها الولاياتالمتحدة على الأوبك لزيادة إنتاجها من النفط وبالتالى استمرار تدهور الأسعار . - انخفاض أسعار النفط قد يؤدى إلى تراجع الإستثمار فى قطاع النفط وسوف يؤثر سلباً على التصنيف الإئتمانى لشركات النفط العاملة فى مجال الإستكشاف والحفر والإنتاج وايضا على عائدات وأرباح هذه الشركات الأمر الذى قد يدفعها إلى خفض نفقاتها الرأسمالية والخدمية وتهدئة وتيرة نشاطها بصفة عامة . ومن ناحية أخرى فإن تراجع أسعار النفط تشكل فرصة لإصلاح هيكل دعم الطاقة فى البلدان المستوردة للنفط والتى تعانى خللاً فى دعم الطاقة الأمر الذى يمكنها من تحفيز النمو وخلق فرص عمل – وبالقياس على مصر سوف يؤدى تراجع أسعار النفط إلى خفض قيمة الدعم المالى للمنتجات البترولية والبالغ قدره مائة مليار جنيه وهو ما يخلق حالة من الاستقرار لدى هيئة البترول ويخفف من أعبائها المالية نتيجة الاستفادة من فروق الأسعار لذا يجب التعامل السريع من جانب هيئة البترول لتحقيق الاستفادة القصوى من التراجع الحالى لأسعار النفط عالمياً وذلك بسرعة التعاقد مع الداخل والخارج لشراء كميات كبيرة من المنتج الخام بغرض توفير مخزون استراتيجى يحقق قدراً من الأمان . ومن ناحية أخرى فإن انخفاض أسعار النفط عالمياً سوف يؤدى إلى توفير ما يقرب من 6مليار دولار من إجمالى قيمة 15 مليار دولار تدفعها الدولة لشراء المنتجات البترولية والزيت الخام يمكن الاستفادة بها فى قطاعات اقتصادية أخرى وتمكن أيضا من دراسة إمكانية مدى انعكاس الآثار الايجابية لانخفاض أسعار النفط على المواطن المصرى بشكل مباشر – كذلك يجب أن تسعى هيئة البترول إلى تحفيز شركات الاستكشاف والحفر والانتاج على استمرار وزيادة نشاطها بمصر . وتبقى كلمة :- مصر الجديدة قادمة لا محالة ... وتحيا مصر