يواصل كبار منتجي أوبك إصرارهم علي موقفهم بعدم التدخل في أسواق النفط، بعد أن أبقت المنظمة علي سقف إنتاجها دون تغيير خلال اجتماعها الأخير نوفمبر الماضي. ففي مطلع ديسمبر الماضي خفضت السعودية بشكل كبير الأسعار الرسمية لنفطها الخام المصدر إلي آسيا وامريكا، وتبعها العراق ودول أخري باتخاذ خطوات مماثلة كما عبرت الإمارات والكويت وقطر عن موقف مماثل وقالت إنها تراقب عن كثب أسعار الخام، لكنها أكدت أنها تعتقد أن السوق ستستقر في النهاية بفعل عوامل العرض والطلب. جيمي ويبستر المحلل في الشئون النفطية بمؤسسة آي إتش إس للطاقة يؤكد ان مايحدث يعتبرتحولا جذريا في سياسة الأوبك لم تصل إليه منذ السبعينيات ويؤكد قائلا لقد دخلنا زمنا مخيفا بالنسبة لسوق النفط، ولعدة سنوات قادمة سنتعامل مع كثير من التقلبات. ويري المحللون أن السعودية تتحدي بذلك كل مصادر إنتاج النفط ذات التكلفة العالية، من النفط الكندي والنفط الصخري الأمريكي إلي النفط المستخرج من المياه العميقة في البرازيل أو من القطب الشمالي. ويؤكدون أن النعيمي قد يتعرض لضغوط من داخل الأوبك، حيث بدأ أكثر من عضو فيها بمواجهة مصاعب اقتصادية جراء انخفاض الأسعار . توقعت وكالة الطاقة الدولية أمس أن تتعرض أسعار النفط لمزيد من الانخفاض وخفضت توقعاتها لنمو الطلب هذا العام بواقع 230 ألف برميل يومياً إلي 28.9 مليون برميل يومياً بناء علي توقعات بانخفاض استهلاك الوقود في روسيا وغيرها من الدول المصدّرة للنفط. ورجّحت في تقريرها الشهري أن تؤدي زيادة الإمدادات من خارج أوبك إلي تخمة المعروض منه النفط. . ورأت أن من السابق لأوانه توقع أن تبدأ أسعار النفط المتدنية في الحد بشكل كبير من طفرة المعروض في أمريكا الشمالية وبحسب الوكالة فإن نمو المعروض الأمريكي من النفط الخفيف سيؤدي إلي نمو قياسي في إجمالي الإنتاج من خارج أوبك بواقع 1.9 مليون برميل يومياً العام الحالي رغم توقع تباطؤ وتيرة النمو إلي 1.3 مليون برميل يومياً هذا العام. وفي ضوء خفض توقعات نمو الطلب العالمي أعلنت وكالة الطاقة تعديل توقعاتها للطلب علي نفط أوبك في 2015 بخفضها 300 ألف برميل يومياً إلي 28.9 مليون برميل يومياً. ويقل ذلك أكثر من مليون برميل يومياً عن مستوي الإنتاج الحالي للمنظمة. وسيقل الطلب علي نفط أوبك إلي أدني مستوياته في الربع الأول من هذا العام لأسباب موسمية ما سيؤدي إلي زيادة كبيرة في المخزون. وبناء علي التوقعات الحالية التي تشير إلي استمرار الضعف النسبي لنمو الطلب وارتفاع المعروض، تعتقد الوكالة أن مخزون النفط العالمي سيزيد بنحو 300 ألف برميل في النصف الأول من 2015 ما لم تحدث أي تعطيلات أو إغلاقات أو 3 سيناريوهات للأسعار رغم ان انهيار أسعار النفط السريع، بدا محيراً للوهلة الأولي لكن في عرف الخبراء ما حدث كان منطقياً ويتناسب تماماً مع هذا الانخفاض، منها ان الاستثمارات الضخمة التي ضختها الدول والشركات في الصناعة النفطية خلال السنوات الأربع الماضية التي ظلت فيها الأسعار مرتفعة وبلغت هذه الاستثمارات حوالي 2.4 تريليون دولارخلقت فائضاً يقدر بحوالي مليوني برميل يومياً ايضا العوامل الجيوسياسية وهي عوامل الاضطراب في مناطق الإنتاج الرئيسية مثل العراق وليبيا ونيجيريا. هذه العوامل لم تترجم في رفع الأسعار كما كان متوقعاً، لأن ثورة النفط الصخري التي أضافت حوالي 4 ملايين برميل يومياً إلي طاقة الإنتاج الأمريكية، غطت كل نقص يطرأ في السوق بسبب عوامل الحروب. ولكن إلي أين تتجه أسعار النفط هذا العام؟ يري خبراء الطاقة ان هناك ثلاثة سيناريوهات لتطور الاسعار : الأول: أن تواصل أسعار النفط التدهور إلي حدود 40 دولاراً للبرميل في النصف الأول من العام. ثم تبدأ في الارتفاع التدريجي في النصف الثاني. ويروج لهذا السيناريو المتشائم بعض محللي الأسواق، كما تحدثت عنه بعض الدول النفطية مثل إيران. وهو سيناريو مستبعد، لأن الأسس التي تخلق الطلب العالمي علي النفط قوية، خاصة في أهم اقتصادين، وهما الاقتصاد الأمريكي المتوقع له أن ينمو بأكثر من 3% خلال العام المقبل، والاقتصاد الصيني الذي يتوقع أن ينمو لكن بمعدل ابطأ مما قبل، كما أن الفائض في السوق النفطي ليس كبيرا؛ حيث تتأرجح التوقعات بين مليونين و700 ألف برميل حالياً 7.5%. الثاني: أن تكون أسعار النفط قد بلغت القاع حالياً، وأن 60 دولاراً للبرميل هو السعر الذي سيشكل المرجع بالنسبة لخام برنت، وأن الأسعار ستبدأ في التأرجح حول هذا المستوي طوال الربع الأول من العام الجديد، ثم ترتفع إلي 70 دولاراً وتستمر طوال الربع الثاني من عام 2015. لتقفز فوق 75 دولاراً، وتستمر تتأرجح حول هذا المعدل طوال النصف الثاني من العام المقبل وهذا المستوي من الأسعار يرجحه مصرف "بانك أوف أميركا- ميريل لينش" الأمريكي. ويري ان أسعار النفط ستنتعش خلال 2015 ربما إلي 80 دولاراً للبرميل، ولكن لن تصل إلي مستوياتها السابقة قبل يونيو. الثالث: عودة الأسعار إلي مستوي 90 دولاراً للبرميل بنهاية النصف الثاني من 2015. وهو السيناريو المرجح. الذي يري أن السوق النفطية ستتمكن من امتصاص الفائض، وأن الأسعار ستعود إلي مستوي 90 دولاراً رعب في أسواق المال امتدت آثار انحدار أسعار النفط إلي معظم أنحاء العالم، بعد أن أحدثت هزة كبيرة في أسعار عملات البلدان الناشئة. ويخشي مراقبون من أن تؤدي إلي اهتزاز أسواق المال إذا تخلفت شركات إنتاج النفط الصخري عن سداد ديونها وسقوط أوروبا في حفرة انكماش الأسعار.. فقد حذّر بنك إنجلترا المركزي مؤخرا، من أن هبوط أسعار النفط قد يغذي التوترات الجيوسياسية ويؤدي إلي تخلف شركات الغاز والنفط الصخري في أمريكا عن سداد الديون ويزعزع توقعات التضخم في منطقة اليورو التي تستقبل نصف صادرات بريطانيا إذا استمرت الأسعار في الانخفاض بالاضافة إلي أنه قد يؤدي إلي انخفاض توقعات النمو ويفاقم مشكلات الديون، وقال بنك إنجلترا إن قلق السوق من استمرار تباطؤ النمو والمخاطر السياسية تزايد علي مدي الأشهر الستة الأخيرة، وحذر من أن المستثمرين قد يتخلصون من الأصول عالية المخاطر في الفترة القادمة. مستقبل الاقتصاد الخليجي التراجع الحاد في أسعار النفط خلال الآونة الأخيرة يمثل مشكلة أمام معظم الدول النفطية حتي وإن انكرت ذلك واثار الكثير من التساؤلات حول قدرة هذه الدول علي مواجهة التداعيات في ظل زيادة المعروض في سوق النفط، وعدم القدرة السريعة علي كبح تراجع الأسعار، مع انخفاض الطلب، والتوقعات السلبية لنمو الاقتصاد العالمي.ورغم أن غالبية دول مجلس التعاون كونت احتياطات مالية صلبة تسمح لها بالتعامل مع التداعيات، إلا ان السيناريوهات المحتملة لمدي تأثر هذه الدول بتراجع أسعار النفط تختلف ما بين التأثير السلبي بتراجع معدلات نموها وعجز الموازنات خلال الأعوام القادمة وبين عدم التأثر علي المدي القصير ورغم ان اقتصاديات دول الخليج تعودت علي امتصاص الصدمات المالية الناتجة عن تذبذب أسعار الطاقة باللجوء إلي الاحتياطي والفوائض لتغطية العجز الناتج عن انخفاض إيرادات النفط، إلا أن سياسات التنويع الاقتصادي في دول المنطقة لم تتمكَّن طوال العقود الماضية من توظيف المال النفطي في بناء قاعدة اقتصادية قوية تجنبها الأزمات، وأحياناً ما تكون خارج دائرة العرض والطلب وإن كان من غير المتوقع أن يؤثر هبوط أسعار النفط العالمية علي خطط الإنفاق للدول المنتجة للخام في منطقة الخليج في الأجل القصير، نتيجة للاحتياطيات المالية الكبيرة التي تمتلكها هذه الدول، علي الاخص وأن الفوائض المالية التي حققتها دول مجلس التعاون في الأعوام الماضية، تمنحها المرونة والقدرة علي المواجهة والصمود لفترات متفاوتة تبعاً لقدرة كل دولة، ومدي مراعاة سياساتها المالية للتغيرات المتوقعة في أسعار النفط، لهذا فإن تأثر دول مجلس التعاون الخليجي بتراجع أسعار النفط، سوف يتفاوت بحسب درجة اعتماد اقتصاد كل منها علي الدخل الناتج عن القطاع النفطي. وعلي مدي استمرار هذا الاتجاه المنحفض للأسعار بالاضافة إلي ذلك فأن المزيد من الإنخفاض في أسعار النفط سيكون له تأثير سلبي علي الميزانيات العامة الخليجية وميزان الحساب الجاري.