الكارتل في علم الاقتصاد هو باختصار ائتلاف، أو اتفاق من دون اندماج، أو اتحاد، بطبيعة الحال مجموعة من الشركات تنتج ذات المنتج، وبذات الجودة أو المواصفات تقريبا، تعمل معا من أجل وضع سعر محدد وثابت لمنتجها، يباع به في شتى الأسواق، ومن ثم التحكم في سعر هذا المنتج بالذات أو ذاك، وبما يقترب حقيقة من مفهوم الاحتكار، ولكنه هنا وإن شئت الدقة احتكار جماعي وليس فردي..! وبما أن الاقتصاد غير منفصل أو منفصم، عن السياسة غالبا، وفى أي مكان، أو بقعة من بقاع العالم، فإن هذا «الكارتل» Cartel موجود بشكل، أو آخر في أغلب النظم السياسية حول العالم، ولكن يتم التعاطي معه غالبا بحذر، أو بنسب معينة تختلف من نظام إلى آخر، ومن دولة إلى أخرى، حيث تزداد تلك النسب كلما اتجهنا ناحية الشرق، وكذا صوب نصف الكرة الجنوبي، ويقل وربما لدرجة التلاشي أحيانا كلما اتجهنا نحو الغرب، وكذا نصف الكرة الشمالي . والمقصود «بالكارتل» السياسي هنا، هو على سبيل المثال تبني موقف محدد، أو حل وحيد غالبا إزاء قضية محددة ولنأخذ القضية الفلسطينية مثلا على سبيل المثال واتفاق النظام السياسي بأكمله بما فيه من حزب حاكم، وأحزاب، أو حزب معارضة وكما هو الحال بالنسبة للولايات المتحدة مثلا، حيث يتناوب على الحكم، وكذا المعارضة، عادة كل من الحزب الديمقراطي، والحزب الجمهوري، ولكن تظل لدى الحزبين ذات المواقف، وذات الحلول لقضايا بعينها كالقضية الفلسطينية، والقدس، مثلا، وسواء كان أي منهما في الحكم، أو المعارضة ..! على حل بعينه، وإهمال كافة الحلول الأخرى، وعدم أخذها في الاعتبار، ومهما كانت نجاعتها، من جهة، ومهما كان تهافت، وكلفة، وعدم جدوى الحل الذي قد تبناها هذا النظام السياسي، وبالاتفاق أو التواطؤ ..! مع المعارضة في هذا النظام السياسي، أو ذاك في هذا البلد، أو ذاك، من جهة أخرى. وإذا انتقلنا إلى الشأن المصري فسوف نكتشف للتو أننا نفرط بحق في التعاطي مع مسألة «الكارتل» السياسي تلك، وبصور مختلفة في حقيقة الأمر، وذلك منذ انقلاب يوليو 52 وحتى الآن ..! ولسوف نلاحظ دائما أن شتى النظم السياسية التي قد تعاقبت علينا كانت تخاطب فينا دائما العاطفة والتي عرف، وجبل عليها عادة الشعب المصري، وهى على أية حال خصلة طيبة بالفعل، ونشكر الله سبحانه وتعالي عليها، لكن الإفراط فيها أيضا ضار، وبالغ الضرر ليس فقط على حاضر هذه الأمة، ولكن أيضا مستقبلها ..! ومن ذلك مثلا رجاء الحاكم لشعبه ربط الحزام حتى نجتاز عنق الزجاجة، الذي، على ما يبدو أننا لم نفلح في اجتيازه أبدا، وفي حقيقة الأمر، وعلى مدى ستين عاما مضت، وحيث كان يأتي كل زعيم في أعقاب سلفه، ليعلن للشعب أنه قد جاء إلى الحكم، وكانت خزينة البلد خاوية، ومن ثم يرجونا هو أيضا، ومرة أخرى، ربط الحزام حتى نجتاز عنق الزجاجة، وذلك في الوقت الذي إذا أصيب هو فيه بالصداع العادي مثلا يهرع إلى كبريات المستشفيات العالمية، وأغلاها على الإطلاق، من أجل العلاج . ومهما يكن من أمر، فالمشكلة هنا ومن هنا يأتي أيضا مفهوم الكارتل السياسي المصري، في حقيقة الأمر .. إن النظام السياسي برمته، وبما فيه من أحزاب موالية، وأخرى معارضة، وأخري «بين البينين» وحسب الاتجاه الغالب عادة أو على حسب الريح ما تودى الريح، مع الاعتذار سلفا للأبنودي ..! وبمجرد أن يطلب منها عادة الزعيم الاجتماع، والجلوس معا، ويشكو لها طبيعة المرحلة، وصعوبة المرحلة، ومن ثم فالمطلوب منها أن توافقه على سياساته إزاء قضايا، أو حتى قضية بعينها، وحتى نجتاز تلك الأزمة وتماما كما اجتزنا عنق الزجاجة من قبل .. فتستجيب احزاب المعارضة، ولدواع وطنية بحتة، لدعوى الرئيس، ومن ثم تتبنى ذات رؤيته إزاء هذه القضية، أو تلك، والتي لا تختلف، كم أسلفنا، عن حالة عنق الزجاجة ..!