تلقيت اتصالات كثيرة من عدد من أصحاب المقام الرفيع سدنة العدالة فى مصر، أعربوا فيها عن سعادتهم البالغة لقيامى باقتحام عالمهم والحديث عن أزمة القضاة التى لم تستفحل بعد أو تصل الى حد الانقسام لا قدر الله، جميع من اتصل بى لا أعرفهم ولا يعرفوننى. ولم تجمعنى بهم سابق معرفة، لكنهم فاجأونى بالرضا عما تناولته وحذرت منه، وحرصى الشديد على أن يظل هذا الصرح العظيم شامخاً دون أن تناله أية نائبة أو يكون فيما بينهم ما يعكر عليهم القيام بدورهم الجليل. الحقيقة أن هذا الصرح العظيم لا يجوز أن يصيبه أدنى شرخ أو أذى، لأن متانة الدولة واستقرارها تكمن فى قوة وصلابة قضاة الأمة فهم حماة العدل ورعاته وهم القائمون على تحقيق العدالة ونشرها فى المجتمع والقارئون للتاريخ أى تاريخ يدركون ان الضمانة الحقيقية لأى شعب، وهم أصحاب المقام الرفيع، ولولاهم لشاعت الفوضى وحل الاضطراب ولضاعت الحقوق أى حقوق. عندما تحدثت عن أزمة القضاة وإحالة عدد منهم الى التحقيق، إما بسبب وشاية وإما تصنيفهم سياسياً على غير الحقيقة، وإما بنسب أشياء لبعضهم وهم منها براء، كالذين كانوا خارج البلاد فى إعارات استمرت لعدة سنوات قبل ثورة 25 يناير وبعد ثورة30 يونية، وفوجئوا بوقفهم عن العمل والتحقيق معهم، لمجرد وشايات، مما تسبب فى أزمة تنذر بكارثة، نخشى أن تتطور الى أكثر من هذا وهو ما حذرنا منه فيما مضى من مقالات، وطرحنا أمثلة من التاريخ وتم تطويقها خوفاً من القوانين الوخيمة بشأنها. الخطير فى الأمر أن القضاة الذين يتم التحقيق معهم بناء على بلاغ، وهى سابقة جديدة وخطيرة لم تحدث من قبل، ومن الغرائب فى هذا الشأن أنه نسب للقاضى محمود حمدان الخولى نائب رئيس محكمة النقض توقيعه على بيان وارتباطه بجماعة الإخوان الإرهابية وأحيل للمحاكمة التأديبية، ثم عادت نفس الجهة وهى جهاز الأمن الوطنى وقدمت تحريات تؤكد عدم صحة تحرياتها الأولى واستبعدته من المحاكم، وواقعة أخرى نسبت لقاض قيل إن ابن عمه عضو بالجماعة الإسلامية المتطرفة وقدم القاضى كشف عائلة من السجل المدنى يفيد أن والده ليس له شقيق بل الاسم الذى تم وروده لا يتشابه أصلاً مع أى اسم فى عائلته.. ونسبت التحريات لقاضٍ ثالث أنه وقع على البيان وكان يساند أحد مرشحى جماعة الإخوان الإرهابيين فى القناطر، فى حين تبين أن هذا القاضى كان خارج البلاد ولم يشارك فى الانتخابات، وهناك قاض رابع وهو المستشار أحمد صابر الذى كان خارج مصر فى إعارة ولم يشهد ثورتى 25 يناير ولا 30يونية، لأنه كان معاراً فى دولة الإمارات العربية المتحدة، اضافة الى أن هذا القاضى لا تربطه أية علاقات من قريب أو بعيد بجماعة الإخوان الإرهابية، بل معروف أنه يعادى هذه الجماعة وأفعالها الإجرامية. هذه أمثلة قليلة ممن وردت أسماؤهم للتحقيق معهم فى أزمة القضاة.. كل ما حدث لا يعدو سوى وشايات، ومع عظيم الأسف من داخل صرح العدالة نفسه.. فهل يليق ومصر تحبو نحو بناء الدولة الديمقراطية الحديثة، أن نقيم مذبحة لهذا الكم الهائل من القضاة.. أعتقد أن الأمر يحتاج الى إعادة نظر، ولا يجوز أبداً أن نرى أصحاب المقام الرفيع بهذه الحالة. وليعلم الجميع أن استقرار صرح العدالة ضرورة فى بناء الدولة الجديدة.. وأؤكد أننا حريصون على ألا يشوب هذا الصرح العظيم أية نائبة ولو فتشنا فىأصل الموضوع سنجد أن هؤلاء الذين تنصب لهم المحاكم حالياً، لا يسعون إلا لاستقلال القضاء وحسب، وهذه كانت قضيتهم الأساسية فى أيام حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ولا أحد يخالفهم فى هذا الشأن.