عاد إلينا المسرح القومي في مبناه الجديد بنفس موقعه التاريخي الذي كان معروفاً لدي الناس بأنه مسرح الأزبكية، عاد المسرح القومي لنا بعد استهلاك أكثر من مائة مليون جنيه وست سنوات توقف خلالها المسرح التاريخي تحت الإنشاء لتذهب عنه مؤخراً وبعد انتظار طويل مواد البناء ومعداته، يعود المسرح القومي في ظروف أقل ما توصف به انها غير مواتية لعودة المسرح إلي نشاطه المسرحي الحافل قبل أن تحط عليه مصائب باسم التطوير في الثمانينيات لتنفجر تفاصيل جريمة فساد ضخمة وصلت إلي النيابات المختلفة والمحاكم بعدها شارك فيها عناصر من قيادات البيت الفني للمسرح التابع له المسرح القومي، لتحل بعد ذلك علي المسرح مصيبة الحريق!، الذي التهم نتاج عملية التلفيق التي جرت للمسرح باسم التطوير!، ولابد لي أن أسجل لهذا المسرح- قبل أن تحل به المصائب المختلفة ثم التوقف لسنوات- انني عرفت علي خشبته كيف يكون المسرح في خدمة الناس، فعلي هذه الخشبة تسابقت مفردات نهضة مسرحية بدأت من الستينيات نتاج مواهب بارزة لا تنكر في الكتابة المسرحية، علاوة علي المباريات الفنية بين أقطاب من نجوم التمثيل يعشقون مسرحهم القومي فيذهبون إليه نهاراً لسمرهم ومواعيد لقاءاتهم، ثم يأتون ليلاً لأداء بعضهم الأدوار في المسرحيات المعروضة، كان المسرح متعة وفائدة بحق، وكان حضور بعض المواطنين لمشاهدة بروفات المسرحيات قبل العرض الرسمي متعة يحافظون علي الالتزام بمواعيدها كالذين يعملون فيها!، بل أتذكر انني داومت علي حضور عرض مسرحية «الفتي مهران» عن نص للراحل عبدالرحمن الشرقاوي وإخراج الموهوب الكبير الراحل كرم مطاوع 19 ليلة متواصلة وسط جمهور حاشد في صالة كاملة العدد!، وكان أداء الراحل عبدالله غيث ودرة مسرحنا سميحة أيوب عبارة عن غناء رخيم بإحساس دافق غض، ودارت الأيام لا أعرف أن هذه المسرحية الجماهيرية بحق لم يسجلها تليفزيون الدولة لأن الدولة لم تكن راضية عن مسرحية معروضة علي مسرح الدولة! أقول إن عودة المسرح القومي لنا مبني تأتي في ظروف غير مواتية لأن فن المسرح المصري أصبح يتيماً بغير نجوم ولا آباء من المؤلفين والمخرجين!، فسيد فنونا اليوم هو التليفزيون بمسلسلاته التي يتنافس عليها أهل فن التمثيل بل وعلي الفوز بأداء أدوارهم في الإعلانات أو تقديم برامج تافهة للمقالب واللت والعجن!، وبعضهم يتقاضي مرتبا شهريا من المسرح التابع للدولة قومي وغير قومي!، ويدوخ أي مخرج مسرحي حالياً إذا ما حاول أن يجد الممثلين لمسرحية يخرجها حيث هم جميعاً في حالة انشغال دائم!، وكل ذلك يتأكد معه أن زمن المسرح قد ولي!