أمتعتنا جريدة «الأهرام» بنشر صفحة كاملة عن فيروز يوم الخميس 20 نوفمبر بمناسبة اقترابها من عامها الثمانين، وأنعشت فينا ذكريات وطنية عظيمة عندما كنا نحتفل في جامعة المنصورة كل عام بيوم التضامن العالمي مع شعب فلسطين في 29 نوفمبر الذي صدر فيه قرار تقسيم فلسطين عام 1947 لدولتين.. يهودية وعربية مع وضع دولي خاص للقدس لطابعها الديني والتاريخي الفريد من نوعه من حيث الجمع بين الأديان السماوية الثلاث، اليهودية والمسيحية والإسلام، وهو في ذات الوقت مثار الحروب وتهديد السلام العالمي الذي أصبح الشغل الشاغل لمنظمة الأممالمتحدة منذ حرب فلسطين الشهيرة عام 1948 حتي اليوم الذي تعتدي فيه إسرائيل علي الحرم القدسي بتدنيسه بأقدام المتطرفين اليهود ووضع القيود علي صلاة المسلمين فيه ما تسبب في إثارة انتفاضات الشعب الفلسطيني وسقوط آلاف الشهداء والمصابين والمعتقلين ما جعل الجمعية العامة للأمم المتحدة تدينها وتدعو شعوب العالم للتضامن مع الشعب الفلسطيني لشد أزره في النضال المشروع ضد الاحتلال الإسرائيلي وإنشاء دولته المستقلة علي أرضه وعاصمتها القدسالشرقية، وهو ما أشارت إليه «الأهرام» أيضاً يوم 25 نوفمبر تحت عنوان «البرازيل تحتفل باليوم العالمي للتضامن مع شعب فلسطين يوم 29 نوفمبر في مقر البرلمان ومن خلال مظاهرات حاشدة ونشاط إعلامي مكثف وحفلات بالأغاني الوطنية الفلسطينية».. وصاحب ذلك صدور قرارات عظيمة من برلمانات بريطانيا وإسبانيا والسويد تنادي بالاعتراف بدولة فلسطين المستقلة كما نادي بها زعيمها ياسر عرفات عام 1988 واستجابت لندن أكثر من مائة مرة. ولم يكن لجامعة المنصورة التي ارتبط تاريخ إنشائها عام 1973 بنصرنا العظيم في حرب السادس من أكتوبر في سلسلة الحروب مع إسرائيل العدوان علي فلسطين وقدسها وشعبها.. بل وكل الشعوب المصرية والإسلامية والمنادية بالتحرر من الاحتلال الاستعماري الصهيوني البغيض، لم يكن لجامعتنا إذن أن تتخلف عن ركب التحرر إذ درجت كلية الحقوق علي الدعوة إلي احتفال حاشد في أكبر مدرجاتها حيث يرفع الطلاب أعلام فلسطين ويلقون الكلمات في خطبهم الوطنية ويذيعون الأناشيد الحماسية، خاصة أنشودة فيروز عن القدس بأشعارها العظيمة: لأجلك يا مدينة القدس أصلي.. يا بهية المساكن يا زهرة المدائن.. عيوننا إليك ترحل كل يوم.. يا ليلة الإسراء.. يا درب من مروا إلي السماء.. عيوننا إليك ترحل كل يوم. وكان لطلابنا أسرة لحقوق الإنسان والشعوب وهي التي تتولي تنظيم الاحتفال بالمناسبات الوطنية وتدعوني لإلقاء كلمة في الحشود الكبيرة بمدرج الدكتور البدراوي منشئ الجامعة، وكانوا يتعمدون تأجيل كلمتي لما بعد خطب الطلاب ثم إدارة أنشودة فيروز الحماسية عن القدس، خاصة عندما تصل الموسيقي للغضب الشديد بأصوات المجموعة كالرعد بكلمات: الغضب الساطع آت وأنا كلي إيمان.. وسأمر علي الأحزان.. وسأدق علي الأبواب.. وسنهدم وجه القوة. عندئذ يأتي إليّ المنظم والمخرج للحفل يصحبني إلي الميكروفون وتكون القاعة المحتشدة قد وصلت لقمة حماسها وهتافاتها الوطنية التي تزداد سخونة بخروجهم إلي المظاهرة الكبيرة خارج المدرج سائرة حول الكليات داخل الحرم الجامعي وحرق العلمين الإسرائيلي والأمريكي. كانت ذكريات عظيمة لم تنقطع في أي سنة، كنت ألقي فيها محاضرات علي طلاب الليسانس قبل أن أنتقل علي المعاش إلي التدريس لطلاب الدراسات العليا فقط والاكتفاء بتذكيرهم بمناسبة يوم 29 نوفمبر الذي وافق أمس السبت. ويشاء ربنا سبحانه وتعالي أن تمتد ذكرياتي مع صوت فيروز خارج مصر في مدينة ستراسبورج الفرنسية الجميلة.. إذ تعودت بعض الشخصيات المهمة الاحتفال بالأساتذة الزائرين من مختلف البلاد.. وجاءتني دعوة كريمة من أستاذ كبير في كلية الطب لكي أقضي الأمسية مع أسرته وأخذت معي صحبة ورد جميلة قدمتها لزوجته الفاضلة التي فرحت بها جداً وأرادت أن ترد التحية بأفضل منها ونحن نتناول العشاء إذ أدارت أسطوانة بأغاني فيروز، وأسمعتني ما كنت أشتاق لسماعه علي بعد أكثر من ألف ميل عن أولادي بالإسكندرية.. وفيروز تشجينا وتطربنا بصوتها العذب: يا مرسال المراسيل.. خدلي بدربك ها المنديل وأعطيه حبيبي».. وقد كنت فعلاً أشتاق لإرسال منديلي معطراً إلي الأحباب في وطني. وهكذا أحاطتنا فيروز بهدير صوتها في أنشودة القدس القومية الوطنية، وأثارت حماسنا وحماس طلابنا ومظاهراتهم في ذكري يوم 29 نوفمبر الذي أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة كيوم للتضامن مع شعب فلسطين حتي ينال حقه بإقامة دولته المستقلة وهو يوم قريب إن شاء الله.. كما أطربتنا فيروز بعبير صوتها الجميل وهي ترسل مراسيلنا للأحباب.. هناك.. بعيداً بعيداً في الإسكندرية.. ورحم الله من كانت تسمعني وتسمعها.