خرج حسني صالح من رحم الصورة السينمائية وتشكلت ملامحه الإبداعية قبل أن ينتقل من الوقوف خلف الكاميرا ليجلس علي مقعد الإخراج، ويفاجئ الجميع برؤية مغايرة للدراما التليفزيونية التي يقدمها، وشيئاً فشيئاً استطاع حسني صالح أن يضفى علي المشهد الدرامي شيئاً من الاختلاف الذي قد يعوض رحيل آباء الدراما التليفزيونية عن المشهد مع ميله للتعبير عن روح المجتمع المصرى واستلهام أفكاره من بيئات مصرية متباينة تجتمع سوياً لترسم بورتريها لهذا الوطن، وهو ما نحاول التعرف عليه من خلال هذه السطور. هل تحتل تجربة «الوسواس» ترتيباً متقدماً بين باقة أعمال حسنى صالح مع اقتراب عرض المسلسل؟ - بالطبع تحتل هذه التجربة مكانة مهمة في نفسي، ولكن ترتيبها أتركه للجمهور بعد مشاهدة العمل وكل ما علي هو أن أقدم عملاً محترماً يليق بشعب مصر ويلقي الضوء علي بعض السلبيات التي تتكرر من العصر الفرعوني وحتي الآن لنضع الدراما كمرآة في وجه المجتمع لتعكس ملامحه الطيبة وأزماته المزمنة بشكل فني أتمني أنت يعجب الجمهور. وهل تختلف تجربة «الوسواس» من حيث التركيبة الدرامية واختيار النجوم خاصة أنك تتعاون مع أسماء مختلفة؟ - بالطبع التركيبة الدرامية مختلفة، فالعمل اجتماعي ويحمل أبعاداً سياسية غير مباشرة تعبر عنها فكرة «الوسواس» الذي قد يهدم العلاقة بين الأب وأبنائه أو الرجل وزوجته، وهو ما نقدمه من خلال أشخاص من لحم ودم اعتمدت في تجسيدهم علي نجوم قادرين مثل «تيم الحسن» الذي اعتبره مفاجأة، فهو مصري حتي النخاع و«زينة» التي لو لم تقدم الدور ما وجدت بديلاً لها وسوسن بدر التي تعتبر صورة للفن الحقيقي والتي إن وزع إبداعها علي مر الزمان لكفته موهبتها التي نتعرف من خلالها علي الفرق بين الفن الحقيقي والزائف. بعيداً عن الدخول في تفاصيل شخصية.. هل أثرت قضية زينة وأحمد عز علي سير التصوير في مسلسل «الوسواس»؟ - علي العكس تماماً ف«زينة» ممثلة ملتزمة وتفصل بين العمل والأمور الشخصية، فهي تلتزم بمواعيد التصوير وتحترم توجيهات المخرج، حتى إنني جعلتها تجري لأكثر من خمسة كيلومترات في تصوير أحد المشاهد وقامت بأداء المشهد رغم الجهد الذي بذلته، فهي مطيعة وتحب عملها وهناك روح منافسة شريفة بين الممثلين في العمل وهو ما يصب في صالح المسلسل والجمهور في الوقت نفسه. «الوسواس» يعرض خارج الموسم الرمضاني.. فما توقعاتك لهذه التجربة؟ - أري أن هذه التجربة بمثابة الخروج من عنق الزجاجة لأنها تمثل عودة للمسار الصحيح، فالدراما ليست لرمضان فقط، ولكن الناس يتوقون لمشاهدة أعمال جديدة علي مدار العام وهو ما كان يحدث قبل سنوات وأعتقد أن وجود المسلسل المصري سيقلل من غزو الدراما التركية للفضائيات المصرية والعربية، خاصة أن القنوات تملأ الفراغ الدرامي بهذه الأعمال ولكن مع وجود أعمال مصرية فلن يضطر القائمون علي هذه القنوات الي اللجوء إليها. وما تقييمك للموسم الرمضاني السابق خاصة مع كثرة الأعمال التي تنافست فيه؟ - بعض الأعمال التي قدمت اعتمدت علي تكنيك عال ولكن أغلبها أعمال بلا حياء نسي أصحابها أنهم يقدمون مادة درامية موجهة للأسرة وهو ما يتنافى مع التقاليد التي قد تسهم هذه الأعمال في المساس بها خاصة أن الأسرة المصرية تعتبر الشاشة وسيلة التسلية الوحيدة. وهل تري أن جرأة الأعمال الدرامية لا تناسب طبيعة الشهر الكريم أم لا تناسب الأسرة المصرية بشكل عام؟ - أنا أتحدث بشكل عام، فالحقيقة أن البلطجية أو الحشاشين تصدروا المشهد الدرامي في رمضان وهو ما يؤثر علي التربية ويلهي عن الأخلاق والدين، لذلك شاهدنا أطفالا يقطعون رقاب القطط والكلاب لأنهم ببساطة يستسهلون القتل الذين يقومون به في ألعاب البلاي ستيشن، فالقتل أصبح لعبة بالنسبة إليهم وتصدير هذه النماذج في الدراما ليس فناً أو تطوراً للدراما. ولكن هذه الأعمال تجد رواجاً لدي شريحة كبيرة من الجمهور، خاصة أنها كما قلت تعتمد تكنيكاً عالياً وتقدم موضوعاتها من خلال صورة مبهرة؟ - هناك الكثير من صناع الدراما سواء كتاباً أو مخرجين قدموا أعمالاً جيدة تعتمد نفس التقنية العالية في الصورة والمؤثرات ولكنها تعني بتقديم نماذج إيجابية للشخصية المصرية وتعبر عنها بحيادية وموضوعية لأن وراء هذه الأعمال أسماء لم تنحرف عن القيم للحظة وتسير علي هدى الكبار أمثال أسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبدالحافظ وغيرهما من أبناء الجيل الذهبي للدراما والذين اهتموا أيضاً بتطوير التقنية واستجلاب كاميرا حديثة ولم يبحثوا عن الإبهار ويتخلوا عن القيم. وهل يتحمل جهاز الرقابة مسئولية رفع سقف محظورات الأعمال الدرامية أم هي مسئولية المبدع؟ - لا يستطيع جهاز الرقابة أن يقوم بدور الإنسان أو المبدع ولم تكن الرقابة وصية علي الأخلاق، ولكن الرقيب الداخلي لكل منا هو من يتحكم فيما يقدم وكيف يقدم في الدراما وهناك تحايل علي الحقيقة واستغلال لتعبير الموضوعية بلا ضمير لتتحول مصر إلي عشوائية فنحن توجهنا صوب الإنترنت ولم نأخذ منه سوي العنف والاغتصاب رغم أن هذه الأزمات طرحت أدبياً ودرامياً بشكل راقٍ في كتابات محفوظ عبدالرحمن ويوسف زيدان ومحمد المنسى قنديل وغيرهم من أساتذتنا الكبار الذين قدموا صوراً راقية للشخصية المصرية، ولكن للأسف فكثير من المبدعين الجادين يتصفون بالكسل في الإبداع علي العكس ممن يقدمون الأعمال الرديئة. ولكن هذه الظاهرة موجودة منذ سنوات وبعض المبدعين يرون أن حرية الإبداع تكفل لهم التعبير عن المجتمع بدون رتوش.. فهل تعارض هذا الحق؟ - أرى أن التذرع بحرية الإبداع للخروج علي النص والنيل من العادات والتقاليد وضرب المجتمع في مقتل نوع من التبرير المراوغ، خاصة أن ما يقدمه هؤلاء ليس جديداً ولكن الخلاف حول كيفية التناول وجماليات الطرح الغائبة عن هؤلاء بالإضافة إلي أن السينما أولي بهذه الجرأة التي تصل لحد الوقاحة في طرح ما يريدونه ولكن يجب عليهم أن يبتعدوا عن الشاشة الصغيرة أو يلعبوا بقوانين الأسرة المصرية حتي لا يصبحوا جزءاً من المؤامرة التي تسعي للنيل من المجتمع المصرى. وهل تري في جرأة الطرح الدرامي في الموسم الماضي وما سبقه مؤامرة ضد المجتمع؟ - لا أتهم أياً من الزملاء بالتآمر ولكن هناك مخططا للنيل من القوي الناعمة المصرية نشارك فيه دون وعي فنحن نقدم أكوام القمامة وانحدار الأخلاق في أعمالنا في الوقت الذي نتعرض لغزو ثقافى بدءاً بغزو الدراما التركية التي تعتمد علي الإبهار في الصورة واللوكيشن والكاميرات والفتيات الجميلات والقصص الرومانسية، ورغم أن هذه الأعمال تعتبر مسلسلات درجة ثانية فإنها تتصدر الفضائيات المصرية والعربية إلي جانب تحكم الوكيل الإعلاني في تحديد ما يعرض وما لا يعرض لتتعلق الأعمال الفنية بميول وأهواء شخص واحد لنصبح مرهونين بثقافته ومرجعيته التي تتحكم فيما نشاهد. وهل تعتقد أن هجرة نجوم السينما للدراما التليفزيونية وراء هذه الظواهر؟ - الأزمة أساسها يرجع إلي أن الغرور أصاب الجميع، فصناع الفن يعملون وكأن الناس غير موجودة، فكثير منهم غير مخلصين لفكرة الإبداع وهناك الكثير من أجراس الإنذار تدق بشدة لتحذر هؤلاء لأن كثيرا من ممارساتهم تنعكس علي وقوف الجمهور خلف الصناعة، فهم لا يتذكرون أن الشوارع كانت تخلو من الناس مع موعد عرض «ليالى الحلمية» أو «الراية البيضا». وكيف تري دور النقابات الفنية في تقنين ودفع العملية الفنية أو وضع ميثاق شرف درامى؟ - النقابات الفنية أزمتها تتمثل في اهتمام البعض بالبحث عن المصالح ولو كانت في بلد غير مصر لأحدثت فرقاً كبيراً في صناعة الفنون، ولكن الجدية غائبة كما أن النقابات تعرقل كل من يمتلك الموهبة، فهي تحتاج للكثير من الوعي كما تحتاج لزيادة مواردها بدخول عملية الإنتاج من خلال اتفاق بين نقابة الممثلين ونقابة السينمائيين لإنتاج عمل بالاعتماد على ما تحصلانه من الرسم النسبي بأجور رمزية يصب في صناديق النقابات الفنية أو التفكير في إنشاء قناة فضائية تدر دخلاً للنقابات الفنية بدلاً من الضغط على المنتجين الجادين. وهل تري أن دور الدولة ضروري للنهوض بالعملية الفنية مع حالة التخبط التي تعيشها؟ - يجب أن يكون هناك دور للدولة في دعم صناعتي الدراما التليفزيونية والسينما وهو ما يتحقق باستعادة الدولة لهيبتها حتي في قطاعاتها المختلفة خاصة مدينة الإعدام أو مدينة الإنتاج الإعلامي التي تحتاج لنسف وإعادة بناء فعلي الدولة أن تعود وتتحمل مسئولياتها. وما رؤيتك للواقع السياسي الحالي؟ - أنا متفائل خيراً رغم أن هناك الكثير ممن يحاولون إحباط العملية التنموية التي بدأت خطاها من خلال تطبيقهم لنظريات الهدم مرتدين ثياب المعارضة التي خربت البلد سواء من الإخوان أو النخبة أو بعض السياسيين ومن ترشحوا للانتخابات ولم يحصلوا سوي علي أصواتهم وأصوات أمهاتهم رغم أنهم يعلمون أن أحدن لن يسمح لهم بتخريب مصر أو إعادتها للخلف مرة أخرى. ولكن ألا تري في هذا تعميماً يلغي دور المعارضة ويسهم في فرعنة النظام الجديد؟ - علي العكس تماماً أنا مع أن تكون هناك معارضة، ولكن يجب أن تكون معارضة واعية تضع مصالح الوطن نصب أعينها بعيداً عن التيارات التي تسعي لهدم المنجز المصري، فنحن الآن نحتاج للعمل من أجل الناس خاصة الفقراء من أبناء هذا البلد ويجب أن نعارض كل ما لا يصب في مصلحة البسطاء.