فى محاولة الهدف منها الصعود بمصر للمكانة التي توفرها لها خصائصها الجغرافية وثرواتها الطبيعية تسعي حكومة الدكتور إبراهيم محلب في الوقت الراهن لاتباع سياسة جديدة من أجل النهوض بالوطن الذي ظل متعثراً في زمن مبارك ومرتبكاً في عهد الإخوان، حتى جاءت ثورة الثلاثين من يونية لتعيد وضع النقاط علي الحروف أملاً في أن تتخلص مصر من مرحلة عنق الزجاجة التي تواجهها وتتبوأ المكانة التي سبق وكانت تحتلها في عصور مجدها.. وتعتمد السياسة الجديدة التي تنتهجها الحكومة علي الدفع بمصر للتخلص من أزماتها يتمثل في التعاقد مع شركات متعددة الجنسيات في مجال الإنتاج الزراعى، مما يمثل ضمانة لدعم الفلاح في المراحل المختلفة للإنتاج والتخزين والتسويق، مما يهدف إلي زيادة الإنتاج الزراعى وتوفير البذور ذات الإنتاجية المرتفعة بما يعالج الخلل في الهياكل الإنتاجية لمعظم المحاصيل الاستراتيجية وطرحها عبر بورصات سلعية محلية من أجل الوصول لاحتياجات المستهلك المصرى، ما يؤدى إلي عدم الحاجة للاستيراد ومحاربة المحتكرين وضبط أسعار المحاصيل، ما يتواءم مع دخل الغالبية العظمى من المصريين. عمرو عصفور، نائب رئيس شعبة المواد الغذائية بغرفة القاهرة، أوضح أن السوق المصري يحتاج إلي رقابة شديدة، خاصة فيما يتعلق بالسلع الأساسية للمواطن، مما يتطلب وجود آليات جديدة لضبط الأسواق ومنع الارتفاع الجنوني والمتكرر للأسعار، وبالتالي تطبيق فكرة البورصة السلعية المحلية «جيدة»، لأنها تعد مؤشراً لأسعار السلع، بما يخلق التوازن المطلوب بين أسعار السلع ومعدل الدخل. وأضاف: عندما نقول إن الدولة تدعم قطاع الزراعة فيجب أن تقف بجانب المزارع المصري في المراحل المختلفة من التصنيع والاستقبال والتداول والتخزين وتسويق السلع، مع إتاحة منفذ كبير للعمالة الفنية، ومعالجة الاختلال في الهياكل الإنتاجية لمعظم المحاصيل الاستراتيجية، من الانخفاض والتقلب في مستوي الإنتاجية وتكاليفها والتغير في المساحات المزروعة، التي ترتب عليها عجز الإنتاج المحلي عن ملاحقة المعدلات المتزايدة في الطلب عليه، وبالتالي زيادة الاعتماد علي الاستيراد، وما تتبعه من آثار سلبية علي الاقتصاد القومي. مؤكداً أنه بتنفيذ الاستراتيجية الجديدة للدولة من إنشاء مشروعات المراكز اللوجيستية العالمية للحبوب والمواد الغذائية والبورصات السلعية التي مقرر إقامتها في مواني دمياط وبورسعيد وعلي محور قناة السويس الجديدة، ستتغير الخريطة السلعية إلي أن نصل إلي مصاف الدول المتقدمة صاحبة الريادة في تصنيع قوت يومها، بالاعتماد علي استخدام الإمكانيات الواسعة للتكنولوجيا الحيوية التي ستضاعف إنتاجية الفدان للمحاصيل الرئيسية، حتي ستتحول مصر إلي سلة غذاء عالمية. مشيراً إلي أنه من المتوقع أن تتضاعف إنتاجية الأرز إلي 5.2 طن للفدان، و3.6 طن للقمح، و5 أطنان للذرة الشامية، وأن تزيد المساحة المحصولية من 15 مليون فدان حالياً إلي نحو 23 مليوناً. أما الدكتور عبدالمطلب عبدالحميد، خبير اقتصادي وعميد أكاديمية السادات للعلوم الإدارية سابقاً، فيقول: الخطوات الجديدة التي تعتزم الدولة المصرية في دعمها، ستكون ناجحة بالتأكيد، ومنها منظومتا الخبز الجديدة والسلع التموينية، وستجعل مصر الجديدة أولي الدولة المنتجة والموردة للغذاء، ناهيك عن الفرص الاستثمارية في مصر، مع أهمية تحسين وسائل النقل بالحاويات والتخزين والتعامل مع الصوامع لتقليل الفاقد في المحصول. مطالباً بتشجيع زراعة الحبوب والقمح من خلال توفير مستلزمات الإنتاج خاصة السماد الأزوتي بأسعار مناسبة، وضرورة تحديد سعر توريد القمح قبل الموسم وبأسعار محلية مناسبة. وأضاف «عبدالمطلب»: يشكل الإنتاج الزراعي الدعامة الأساسية لاقتصاد الدولة، فهو يساهم بدور فعال في تحقيق التنمية الاقتصادية، حيث يمثل الإنتاج الزراعي قوي الدفع لباقي القطاعات الإنتاجية عن طريق مدعم بالمواد الخام اللازمة لإحداث التنمية المطلوبة، كما أنه المصدر الأساسي لغذاء المصريين، حيث يوفر العديد من المحاصيل الزراعية الاستراتيجية، ومن ثم التوجه الاقتصادي لمصر الآن أفضل بالتأكيد من السياسات الاقتصادية السابقة، فهي تفيد في تطوير السياسة الزراعية وإعداد البرامج الاقتصادية الزراعية والتي تستهدف إحداث تنمية المحاصيل الزراعية بصفة عامة، والحبوب والقمح خاصة. لافتاً إلي أن مصر تعد أكبر بلد مستورد للقمح في العالم، حيث يبلغ ما نستورده من القمح 5.8 مليون طن سنوياً، ويبلغ دعم رغيف الخبز في مصر حالياً أكثر من 9 مليارات جنيه. مطالباً بضرورة وضع المزارع المصري في قمة أولويات الحكومة مع التوسع الزراعي لزيادة الإنتاج بشكل يتلاءم مع الزيادة السكانية المستمرة، مع الإسراع في تنفيذ ومواجهة كارثة تناقص الرقعة الزراعية، حتي نتمكن من توفير احتياجاتنا من الغذاء. ومن جانبه يقول الدكتور فرج عبدالفتاح، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة: سلة الغذاء كلها مشكلات، ومن ثم يجب أن تعود مصر «سلة غلال العالم» مثل زمان، الأمر الذي يتطلب سرعة تطوير أساليب النقل والتداول والتخزين وعرض السلع وأساليب البيع والشراء من المزارعين مباشرة لطرحها للمواطنين بأسعار منخفضة، بالإضافة إلي تحسين جودة الإنتاج وتوافر المستلزمات المطلوبة للمحاصيل، حتي نضيق الفجوة الغذائية بين الإنتاج والاستهلاك، نظراً للزيادة السكانية المستمرة، والتي ترتب عليها زيادة استهلاك القمح والحبوب، والتي لم تجد أي اهتمام من جانب الحكومات السابقة خلال العقود الثلاثة الماضية، إنما الإدارة المصرية الحالية التي تسعي جاهدة لتحقيق الاستقرار في مصر سواء كان سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً، عزمت علي الاكتفاء الذاتي للقمح والحبوب من الإنتاج المحلي من خلال تطوير أساليب الزراعة والتخزين والتداول والتسويق وتحديد السعر الرسمي للبيع، وهو ما يجنب الدولة مسئولية تدبير العملات الصعبة للاستيراد، من خلال الاعتماد علي الموارد الطبيعية والبشرية والمالية لتلبية احتياجات المصريين دون الحاجة إلي استيراده من الخارج. وأضاف: أنه يجب علي الحكومة تحمل الجزء الأكبر من الاستثمارات الخاصة بالزراعة، مع جهود الإرشاد الزراعي في تعميم ونشر زراعة أصناف القمح التي تتميز بالإنتاجية العالية والتبكير في النضج ومقاومة الأمراض والحشرات، واستجابة المزارعين للتوصيات الفنية للمعاملات الزراعية، إلي جانب زيادة أسعار توريد المحاصيل إلي الضعف تقريباً، بما يشجع المزارعين علي الزراعة، ويسمح بزيادة المساحة المزروعة من 15 مليون فدان حالياً إلي 23 مليون فدان، مع التغلب علي المعوقات الأخري مثل تدهور التربة الزراعية، وعدم اتباع الدورة الزراعية، وسوء الصرف الزراعي الذي يؤثر علي إنتاجية الفدان. أما الدكتور إمام الجمسي، خبير الاقتصاد الزراعي والمياه، فيقول: إن استهلاكنا من القمح 16 مليون طن سنوياً، وإنتاجنا حوالي 5.5 مليون طن، ويتم زراعة 3.2 مليون فدان قمح، وروسيا والولايات المتحدةالأمريكية من أبرز الدول التي نستورد منها القمح بكميات كبيرة. وأكد أن 5 مليارات جنيه سنوياً تخسرها الدولة بسبب تسرب الدقيق المدعوم من التموين إلي السوق السوداء. وأوضح: لابد من التخطيط وزيادة الاعتماد علي الذات في توفير سلع الغذاء الاستراتيجية من السلع الرئيسية خاصة القمح والحبوب والزيوت وخلافه، وتسعيرها رسمياً، من خلال تبني الحكومة الحالية لاستراتيجية تنموية في مجال الزراعة، عبر بورصات سلعية جديدة، هو إعادة لإحياء فكرة مشروع البورصة السلعية للدكتور أحمد جويلي وزير مصر الأسبق للتموين الذي شغل منصباً محافظ دمياط والإسماعيلية في التسعينيات والذي كان يخوض معاركه علي أكثر من جبهة بدءاً من محاربة غش السلع، ومروراً بمحاولة ضبط الأسواق ومنع الاحتكار، وتوفير السلع لعامة المواطنين بأسعار معقولة، وهي بالتأكيد خطوة جيدة لمواجهة تحركات الأسعار ومتابعة حالة العرض والطلب وضبط مواصفات السلع وسلامتها، وتشغيل الأيدي العاملة الكثيفة، بما يحقق التوازن في أسعار السلع الزراعية وتسويقها كما هو متبع في الدول المتقدمة، وهو ما يؤدي إلي رفع إنتاجية السلع الأساسية لتحقيق الاكتفاء الذاتي بنسبة 80%، والنهوض بقطاع الزراعة بصفة عامة والمحاصيل الأخري خاصة، وبالتالي يمكن تحقيق الأمن الغذائي الذي يتطلب توفير السلعة بسعر مناسب في وجود الأزمات، وأن تكون السلعة ذات مواصفات قياسية وجودة عالية، وفي مقدمتها القمح والحبوب وباقي السلع الأساسية، وكذلك العمل علي تطوير الأنماط الاستهلاكية لصالح تحسين مستويات التغذية والوظائف الحيوية، بحيث يتحقق تطور إيجابي في نصيب الفرد من السلع الغذائية الهامة، ويتزامن مع ذلك تحسين جودة وسلامة الغذاء وتطوير شبكات الأمان الاجتماعي بما يقتضي ضرورة المراجعة الجذرية لسياسات الدعم الغذائي استرشاداً بالتجارب العالمية في هذا الشأن، ومراجعة سياسات الدعم العيني المطبقة حالياً واستبدالها بسياسات دعم أخري أعلي كفاءة، وكذلك السماح بوجود استثمارات زراعية تضمن الإنتاج والتصدير حتي يكون القطاع الزراعي قادراً علي العمل والانطلاق. موضحاً أن الدول المصدرة للقمح تستخدم هذا الأمر كسلاح سياسي للضغط علي الدول المستوردة، وهي ما يعني ضرورة التنبه لهذه النقطة. لافتاً إلي أن مع اهتمام الدولة بتطوير وسائل التخزين للسلع توفر حوالي 30% من التكلفة النهائية. فيما شددت الدكتورة سعاد الديب، رئيس الجمعية الإعلامية للتنمية وحماية المستهلك، إلي أهمية التخطيط والتنفيذ لخطط متكاملة للتنمية الزراعية بجوانبها المختلفة، مع التدخل للحد من ارتفاع الأسعار وتفاوت أسعار نفس السلعة من تاجر إلي آخر، وهو ما رصدته الشكاوي الواردة إليها، والتي شملت ارتفاعاً في أسعار جميع السلع الأساسية كالمواد الغذائية، الأمر الذي يتطلب قدراً كبيراً من الشفافية من جانب الدولة، للإعلان عن السلع غير المتوافرة بالأسواق، وأسعار السلع في حالة زيادة سعرها، خاصة أن مصر دولة تعتمد علي استيراد نحو 60% من غذائها. مؤكدة ضرورة وجود بورصة سلعية لتحديد الأسعار، باعتبارها مسألة ضرورية، هدفها تحقيق العدالة الاجتماعية، وتلافي الفوضي في الأسعار داخل السوق المصري، واستغلال بعض التجار ورفع الأسعار، ما يعد الأداة الأولي في إطفاء نار الأسعار. لأن السياسة التسعيرية الحالية «غير واضحة» بعدما تراجعت السياسة الزراعية في الفترات الماضية شأن الاقتصاد المصري، مشيرة إلي أهمية الموازنة بين الأسعار والدخل للمستهلك، خاصة أن 50% من سكان مصر يعيشون تحت خط الفقر، ما ينذر بثورة جياع في حال استمرار ارتفاع الأسعار. وكشفت «سعاد» عن ضرورة تشجيع الفلاحين علي التوسع في زراعة الحبوب وباقي المحاصيل الزراعية، مع وضع الحافز السعري للمزارعين، وتيسير عمليات التوريد بتوفير الشون والصوامع الجديدة وغيرها بأنحاء الجمهورية، وهذا يتطلب تغيير منظومة التخزين المتبعة حالياً، والتي تهدر آلاف الأطنان من المحصول، باستبدال الشون الترابية بالصوامع لحماية المحصول من التلف، وعدم جعله عرضة للطيور والحشرات، أو فساده لتعرضه للأمطار التي ترفع نسبة الرطوبة التي تصيبه بالعفن والأمراض السامة، مع وضع منظومة تسويقية متكاملة وواضحة للسلع، حتي يتسني للفلاح المفاضلة بين زراعته صنف معين وباقي المحاصيل الأخري، خاصة أن المزارع المصري محروم حتي من الدعم البسيط الذي كان يحصل عليه ولا وجه للمقارنة بينه وبين المزارع الأجنبي، لأن طبيعة البلاد المتقدمة تدعم المزارع في كل الاتجاهات سواء في مستلزمات الانتاج أو التصدير أو شراء المنتجات، وفي المقابل يحرم الفلاح المصري حتي من دعم الأسمدة. منوهة بأنه علي الدولة المصرية أن تفرض علي كبار المستثمرين الذين يمتلكون آلاف الأفدنة المستصلحة بالصحراء كالصالحية بتخصيص ثلث تلك المساحة لزراعة السلع الاستراتيجية كالقمح والحبوب، حيث إن تكلفة الإنتاج في هذه المناطق أقل من الدلتا لاستخدام الماكينة في عمليات الزراعة والحصاد.